ما هي شروط الطلاق
أسباب الطّلاق
يُعد الطّلاق من أبرز المشاكل المعاصرة، فقد قال الله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وقد ارتفعت نسبة الطّلاق في السّنوات الأخيرة بشكلٍ لافتٍ، دون وجود أي مبادرةٍ للحدِّ من وقوعه، أو العمل على إجراء دراساتٍ جادّة تبحث في الأسباب التي تدعوا إليه، وإيجاد حلول واقعية له، حيث إنّ غالب حالات الطّلاق تُسجَّل في الأعوام الأُولى من الزواج ، وأسباب الطّلاق كثيرةٌ يَصعب إحصاؤها، وغالباً ما تكون هذه الأسباب ناتجةٌ عن تراكمات، فيكون السّبب الدّاعي للطّلاق غير مبرّر، ويعود السّبب في ذلك إلى عدم اتباع المعايير التي أمر بها النّبي -صلى الله عليه وسلم- لاختيار الخاطب والمخطوبة.
فقد أخبر النّبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ المعيار الصّحيح في قبول الشّاب المُتقدم للزّواج هو الدّين والخُلق ، أمَّا المخطوبة فيكون اختيارها بناءً على ما لها من النّسب، والجمال، والمال، والدّين، إلا أنَّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- أمَر بالزّواج من ذات الدين ، فالطّلاق ما هو إلا نتيجةٌ لاختلال الموازين في انتقاء شريك الحياة، وقد ظهرت في النّاس ظاهرة الاختيار على أساس المال، فالأب يختار لابنته صاحب المال الوفير دون مراعاة باقي الجوانب التي تتمثّل في الخلق والدّين ، مع المغالاة بما يَتّبع الزّواج من المهور العالية والتّكاليف التي لا توافق الشّرع، مما يُثقل كاهل الزّوج بالدّيون والأعباء التي من شأنها أن تؤدّي إلى تراكم المشكلات فيما بعد، فيكون الطّلاق هو أفضل الحلول، ومن أسباب الطّلاق تجاهل الكفاءة العلمية، والاجتماعية، والفكرية بين الزّوجين، فالكفاءة مطلوبة في الرجل دون المرأة، فلا إشكال في زواج الرجل من امرأةٍ أقلّ منه في العلم، أو المكانة الاجتماعية، فالزّواج من القرارات المصيرية التي تحتاج إلى الدراسة من جميع الجوانب، مع استخارة الله -تعالى- واستشارة أهل الرأي.
شروط صحة الطّلاق
تنقسم شروط صحة الطّلاق إلى قسمين، منها ما يتعلّق بالمطَلِّق ومنها ما يتعلّق بالمُطلَّقة، والقسم الثاني ما يرتبط بصيغة الطّلاق؛ وهي اللّفظ المعبَّر به عن الطلاق، وقد يُستعاض عنه بالإشارة أو الكتابة، والشّروط في مجملها هي:
- أن يكون المُطلّق زوجاً، بأن يكون بينه وبين المُطلّقة عقد زواجٍ صحيحٍ.
- اشترط جمهور العلماء في المطَلّق أن يكون بالغاً، فلا يقع الطّلاق من الصّغير سواء أُجيز بذلك من الولي أم لا، أمَّا الحنابلة فقد خالفوا الجمهور فقالوا بوقوع طلاق الصّبي الذي يعقل الطّلاق، ووافقوا الجمهور بعدم وقوع طلاق من لا يعقل.
- العقل في الطّلاق، فلا يقع طلاق المجنون عند الفقهاء.
- الاختيار، بأن يقصد المطلّق اللّفظ الموجب للطّلاق دون تعرُّضه لإجبار، فقد اختلف الفقهاء في وقوع الطّلاق من المُكرَه والمخطئ والغضبان والسّفيه.
- القطع أو الظّنّ بحصول اللّفظ وفهم معناه، وتكون النيّة شرطاً في بعض الأحوال، فلو تمَّ تلقين أعجميٍ للفظ الطّلاق دون أن يفهم معناه، فتلفّظ به لم يقع طلاقه.
وقد اختلفت آراء الفقهاء في حكم الطّلاق، والأصحّ من هذه الأقوال القول بحظره إلّا لحاجةٍ؛ لأنَّ في الطّلاق كفرٌ بنعم الله تعالى، فالزّواج من نعم الله التي تستحق الشّكر، فلا يحلّ الطّلاق إلا عند الضّرورة، كأن يستقرَّ في قلب الرّجل عدم اشتهاء زوجته، أو الارتياب من سلوكها، مع العلم أنَّ طلب الطّلاق دون حاجةٍ ليس إلا محض كفرانٍ النّعم، وسوء أدبٍ من الزّوج، وقد يكون حراماً في حالاتٍ، أو واجباً، أو مباحاً، أومندوباً إليه، فأمَّا الواجب فمثل طلاق الحكمين عندما يكون الطّلاق وسيلةً لقطع الشّقاق بين الزّوجين، وطلاق المولّي بعد التّربّص لأربعة أشهرٍ، قال تعالى: (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
أمَّا الطلاق المحرّم، فهو الطّلاق من غير حاجةٍ؛ لما فيه من إعدامٍ للمصلحة، وإضرارٍ بالزّوج والزّوجة، أمَّا المباح، فهو ما يكون لسوء خلق الزّوجة، والتّضرّر بها، ويُندب الطّلاق إذا فرَّطت المرأة بحقوق الله الواجبة، كالصّلاة أو إذا كانت غير عفيفةٍ، يقول ابن قدامةٍ: (ويحتمل أن الطّلاق في هذين الموضعين واجبٌ، قال: ومن المندوب إليه الطّلاق في حال الشّقاق أو في الحال التي تخرج المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضرر).
آداب الطّلاق
للطّلاق عدّة آداب منها؛ مراعاة المصلحة والتروّي وإيثار الإصلاح عليه، بإرسال حكمين أحدهما من أهل الزّوجة والآخر من أهل الزّوج، فينصحان الزّوجين ويتحدَّثان عن ما في الطّلاق من التّشتّت والنّدم، فإن كانت الخيرة في الفراق أذِنا لهما بذلك، وهذا ما نصَّ عليه قول الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) فجاء في الآية إرسال الحكمين بصيغة الأمر، مما يدلّ على وجوبه.
ومن آداب الطّلاق إيقاعه في حال عدم إقامة حدود الله تعالى، بأن يترك الرجل معاشرة زوجته والإحسان إليها، قال تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ومن الآداب أن لا يُطلّق الرّجل زوجته ثلاثاً دفعةً واحدةً، وأن لا يكون طلاقه في حالة غضبٍ ، وأن يكون بإحسان، قال الضحّاك: (التّسريح بإحسان: أن يعطيها مَهراً إن كان لها عليه إذا طلَّقها، والمُتْعَة قدر الميسرة).