ما هي اخر غزوة غزاها الرسول
تبوك آخر غزوة غزاها الرسول
كانت غزوة تبوك هي آخر غزوة غزاها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، قثد علم رسول الله بخبر الروم الذين تجهّزوا من أجل غزو المدينة المنورة ، والتخلّص من الإسلام والمسلمين، فأخذ رسول الله بالاحتياطات اللازمة وأمر جيش المُسلمين بالتجهّز من أجل الخروج لملاقاتهم، وقد كانت الأرض حينها قاحلة والحرارة مرتفعة، وأظهر المنافقون نفاقهم وأعلنوا أنفسهم أمام النّاس ولم يخرجوا مع المسلمين، ولجميع ذلك سُمّيت هذه الغزوة بغزوة العُسرة ، فاجتهد الصحابة في الإنفاق من أجل تجهيز الجيش، فأنفق عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الكثير من المال فجهّز نصف الجيش، وقدّم أبو بكر الصديق ماله كلّه، أمّا عمر فقدّم نصف ما يملك،
وكانت هذه الغزوة آخر غزوةٍ خرج إليها رسول الله بنفسه، فقد صحّ عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (لم أتخلَّفْ عن رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- في غزوةٍ غَزاها حتَّى كانَت غزوةُ تبوكَ إلَّا بدرًا)، وتابع في الحديث فقال: (وَهيَ آخرُ غزوةٍ غزاها). وكان ذلك في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة. الموافق يوم الخميس.
التعريف بغزوة تبوك
أسباب غزوة تبوك
تعدّدت الأقوال فيما يتعلّق بسبب غزوة تبوك، فبحسب ما قال ابن سعد في الطبقات إنّ رسول الله عَلِم بأنّ هرقل عظيم الروم قد جمع جيوشه من الرّوم والغساسنة والقبائل المُتحالفة معه من أجل غزو المسلمين، فخرج رسول الله ليواجهه وجيوشه، ويؤيّد قول ابن سعد ما رواه عمر بن الخطاب فقال: (كُنْتُ أنَا وجَارٌ لي مِنَ الأنْصَارِ في بَنِي أُمَيَّةَ بنِ زَيْدٍ، وهُمْ مِن عَوَالِي المَدِينَةِ، وكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ علَى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَيَنْزِلُ يَوْمًا وأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بما حَدَثَ مِن خَبَرِ ذلكَ اليَومِ مِنَ الوَحْيِ أوْ غيرِهِ، وإذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذلكَ)، ويُتابع في الحديث فيقول: (وكُنَّا قدْ تَحَدَّثْنَا أنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الخَيْلَ لِغَزْوِنَا..).
وذُكر من أسباب الغزوة أيضاً أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمّا انتهى من الدعوة في الجزيرة العربية، رأى أنّ الروم أولى بالدعوة الإسلامية لقربهم منهم، وعملاً بقول الله -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا قاتِلُوا الَّذينَ يَلونَكُم مِنَ الكُفّارِ وَليَجِدوا فيكُم غِلظَةً وَاعلَموا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ المُتَّقينَ)، فقرّر رسول الله أن يغزوهم، وقيل لإدخال الرعب في قلوب القبائل العربية التي لم تدخل في الإسلام.
أحداث غزوة تبوك
قرّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخروج لمُلاقاة الروم وجهّز الجيش، وقدّم الصحابة جُلّ ما يملكون من أجل تجهيز الجيش؛ أمثال أبو بكر، وعمر، وعثمان، حتى قال رسول الله بعثمان: (ما ضرَّ عثمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليومِ)، وتخلّف ثلاثةٌ من الصحابة عن الجيش، وجاءت مجموعةٌ أخرى لرسول الله يعتذرون منه لافتقارهم ما يركبون عليه، ويطلبون الذّهاب معه، فقال لهم رسول الله: (لا أَجِدُ ما أَحمِلُكُم عَلَيهِ)، فعادوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً، وتخلّف عددٌ كبيرٌ من المنافقين عن الغزوة؛ وبلغ عددهم بضعة وثمانون رجلاً.
ومن الأعراب مَن جاء لرسول الله وقدّم له أعذاراً وحججاً غير صحيحة، فقبل رسول الله أعذارهم ولم يخرجوا معهم، وخرج رسول الله ومن تبقّى معه من الجيش وقد بلغ عددهم ثلاثون ألفَ مقاتلاً، ومن الخيل عشرةُ آلاف، وكان ذلك أعظم جيشٍ خرج مع رسول الله منذ بدء الدعوة الإسلامية، وتوجّه إلى الروم حتى وصل تبوك فأقام فيها عشرين ليلة، ولم تقع المواجهة والقتال أبداً، وقد أنزل الله -تعالى- في هذه الغزوة قوله: (لَقَد تابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهاجِرينَ وَالأَنصارِ الَّذينَ اتَّبَعوهُ في ساعَةِ العُسرَةِ مِن بَعدِ ما كادَ يَزيغُ قُلوبُ فَريقٍ مِنهُم ثُمَّ تابَ عَلَيهِم إِنَّهُ بِهِم رَءوفٌ رَحيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفوا حَتّى إِذا ضاقَت عَلَيهِمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت وَضاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَظَنّوا أَن لا مَلجَأَ مِنَ اللَّـهِ إِلّا إِلَيهِ ثُمَّ تابَ عَلَيهِم لِيَتوبوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ).
نتائج غزوة تبوك
وقف رسول الله وجيشه في تبوك، وفي الجهة المُقابلة منهم وقف جيش الروم، فاستشار رسول الله أصحابه في التقدّم أو الرّجوع، خاصة أنّ رسول الله قد رأى الأمر بيدهم ولم ينزل من الآيات ما يُرشدهم ليفعلوه، فأشار الصحابة على رسول الله بالعودة إلى المدينة، ورغم أنّ هذه الغزوة لم يقع فيها القتال إلّا أنّها عادت على المسلمين بالأثر الكبير، فقد محّصهم الله -تعالى- وأظهر الصادق منهم، وأنزل عليهم المطر الذي روى الأرض فأنبتت الثمار، وأكثر الله -تعالى- عليهم الطعام، كما أنّ عدد المسلمين الكبير أخاف قبائل العرب فوافقت على التعاهد مع رسول الله، فأصبحوا من أهل الذمّة ؛ ومنهم أهل أيلة، وجرباء، وغيرهم.
وأوقع رسول الله في قلوب الأعداء الخوف من المسلمين؛ حتى لا يحاولوا فيما بعد التحالف مع العدوّ ضدّ الإسلام والمسلمين، ومن هؤلاء الأعداء الرومان الذين خافوا من المسلمين لمّا رأوهم، ولم يقدموا على قتالهم، وانتشر خبر المسلمين في أصقاع الأرض، وعلم الناس أنّ الإسلام هو الدين في هذه الأرض مستَقْبَلاً، فقلّ المؤيّدون للرومان وزاد حلفاء المسلمين، ويظهر ذلك من خلال معركة مؤتة التي وقعت فيما بعد ولم يكن فيها من العرب من يحالف الرومان، ثم أخذت مبادئ الإسلام تتلاقى مع النصارى، فمنهم من دخل في الإسلام، والآخرين تعاهدوا مع المسلمين.