ما حكم الصلاة في البيت
ما حكم الصلاة في البيت
تعدّدت آراء الفقهاء في وجوب صلاة الجماعة في الصلوات الخمس على قولين هما:
- الجمهور: قالوا بعدم وجوب صلاة الجماعة في الصلوات الخمس وإنّما هي سنّة مؤكدة كما عند المالكية، أو فرض كفاية كما عند الشافعية، وقد استدلوا على ذلك بما يأتي:
- قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بسَبْعٍ وعِشْرِينَ دَرَجَةً)، وفي رواية أخرى: (بخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا)، فيظهر من الحديث فضل كلتا الصلاتين وإن كانت الأفضلية للجماعة، لِذا فإثبات الفضل لصلاة الفرد ينفي وجوب صلاة الجماعة.
- ثبت عن يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- أنّه قال: (صلَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاةً فلمَّا قضى صلاتَه إذا هو برجُلَيْنِ في مؤخَّرِ النَّاسِ فأمَر فجِيءَ بهما تُرعَدُ فرائصُهما فقال لهما: ما حمَلكما على ألَّا تُصَلِّيا معنا؟ قالا: يا نبيَّ اللهِ صلَّيْنا في رِحالِنا ثمَّ أقبَلْنا فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إذا صلَّيْتُما في رِحالِكما ثمَّ أدرَكْتُما الصَّلاةَ فصَلِّيا فإنَّهما لكما نافلةٌ)، فعدم إنكار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- صلاة الرجلين في رحالهما دلّ على عدم وجوب صلاة الجماعة.
- الحنابلة والظاهرية: قالوا بوجوب صلاة الجماعة في الصلوات الخمس، ولا يجوز للمسلم التّخلف عنها وتركها بغير عذرٍ من مرضٍ ونحوه، وقد استدلوا على ذلك بما يأتي:
- قول الله -تعالى-: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ)، فقد أمر الله -تعالى- بإقامة الصلاة جماعة حال الخوف، فالأولى أن تٌقام كذلك حال الأمن والأمان.
- قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ يُحْتَطَبُ، ثُمَّ آمُرَ بالصَّلَاةِ فيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إلى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ)، يظهر من الحديث عزم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على تحريق بيوت المُتخلّفين عن صلاة الجماعة بغير عذرٍ، ولا شكّ بأنّ التحريق عقوبة، والعقوبة لا تكون إلّا على ترك واجب أو فعل معصية.
- قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (من سمعَ النِّداءَ فلم يأتِهِ فلا صلاةَ لَه إلَّا من عُذرٍ)، يظهر من الحديث أنّه لا صلاة لمن لم يشهد صلاة الجماعة بغير عذرٍ، فدلّ ذلك على وجوب صلاة الجماعة.
- ما ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (أَتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه ليسَ لي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلى المَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ له، فيُصَلِّيَ في بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ له، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقالَ: هلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بالصَّلَاةِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فأجِبْ)، يظهر من الحديث أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ألزم الأعمى بحضور صلاة الجماعة رغم ما قد يتكبّده من المشقة والتعب؛ لِذا فمن باب أولى أن تكون لازمة وواجبة في حقّ البصير.
- ما ثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (مَن سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ علَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بهِنَّ، فإنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سُنَنَ الهُدَى، وإنَّهُنَّ مَن سُنَنَ الهُدَى، ولو أنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيُوتِكُمْ كما يُصَلِّي هذا المُتَخَلِّفُ في بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، ولو تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ)، فقد أشار ابن مسعود -رضي الله عنه- إلى أهمية صلاة الجماعة وأنّها سبب في حفظ العبد من الضلال؛ فدلّ ذلك على وجوبها لأنّ ما كان في تركه ضلال فالالتزام به واجب.
وتجدر الإشارة إلى أنّ القائلين بوجوب صلاة الجماعة قد تعدّدت آراؤهم في كونها شرط في صحة الصلاة على قولين هما:
- الحنابلة: قالوا بوجوب صلاة الجماعة، لكنّها لا تعدّ شرطاً في صحة الصلاة ، لِذا تصحّ صلاة المنفرد بعذر وبغيره إلّا أنّه يأثم بترك الجماعة، وقد استدلّوا على ذلك بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- للمُسيء في صلاته: (إذا قُمتَ إلى الصَّلاةِ فكبِّر ثمَّ اقرَأ ما تيسَّرَ معَكَ منَ القرآنِ ثمَّ اركَع) إلى أن قال: (فإذا فعلتَ هذا فقد تمَّت صلاتُكَ)، فدلّ ذلك على أنّ من أدّى صلاته منفرداً وكان محافظاً على كامل أركانها وشروطها وواجباتها فصلاته صحيحة.
- الظاهرية: قالوا بوجوب صلاة الجماعة وتُعدّ شرطاً في صحة الصلاة، لِذا لا تصح صلاة المنفرد بغير عذر، وقد استدلّوا على ذلك بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (من سمعَ النِّداءَ فلم يأتِهِ فلا صلاةَ لَه إلَّا من عُذرٍ)، فقد حملوا لفظ (فلا صلاة له) على أنّه لا صلاة صحيحة له.
ومن خلال ما سبق يتبيّن أنّ صلاة الجماعة وإن كان حكمها يتردّد بين الوجوب والندب إلّا أنّه ينبغي للمسلم عدم التهاون في الحفاظ عليها لا سيما في المسجد لِأمرين: أوّلهما المحافظة على مقاصد الشريعة الإسلامية في إيجاب صلاة الجماعة، وثانيهما عدم هجر بيوت الله -تعالى- لِقوله -تعالى-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ* رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ).
أهميّة صلاة الجماعة
تعدّ صلاة الجماعة من شعائر الإسلام العظيمة التي ينبغي للمسلم الحفاظ عليها طاعة لله -تعالى- ولِرسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، وتجدر الإشارة إلى أنّ الفقهاء اتّفقوا على أربعة أمور متعلّقة بها؛ أوّلها: أفضلية صلاة الجماعة عن صلاة الفرد، وذلك لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بسَبْعٍ وعِشْرِينَ دَرَجَةً)، وثانيها: انعقاد صلاة الجماعة باثنين؛ وهو أقلّ الجماعة، وذلك فيما سوى صلاة الجمعة والعيدين، لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الاثنانِ فما فوقَهما جماعةٌ)، وثالثها: أنّها شرطٌ في صحة صلاة الجمعة، ورابعها: أنّها لا تلزم النّساء منعاً للضرر الذي قد يلحق بهنّ بسبب الخروج.
حكم صلاة النافلة في البيت
جاء في العديد من الأحاديث النّبويّة بيان أفضلية أداء صلاة النافلة في البيت، ومن ذلك ما يأتي:
- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ في بُيُوتِكُمْ، فإنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ المَرْءِ في بَيْتِهِ إلَّا المَكْتُوبَةَ).
- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (صلاةُ المرءِ في بيتِهِ أفضلُ من صلاتِهِ في مسجدي هذا إلَّا المَكتوبةَ)، بحيث يُستثنى من الحديثين السابقين الصلوات الخمس والنوافل التي شرعت لها الجماعة؛ كصلاة التراويح .
- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (اجْعَلُوا في بُيُوتِكُمْ مِن صَلَاتِكُمْ ولَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا).
- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا قَضَى أحَدُكُمُ الصَّلاةَ في مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِن صَلاتِهِ، فإنَّ اللَّهَ جاعِلٌ في بَيْتِهِ مِن صَلاتِهِ خَيْرًا).
ومن خلال الأحاديث السابقة يتبيّن أنّ الحكمة في أفضلية أداء المسلم صلاة النافلة في البيت تكمن في عدّة أمور منها: جَعْل البيت كما المسجد بما فيه من ذكر الله -تعالى- وإقام الصلاة، وخلوّه من الشياطين، واقتداء أهل بيته به في عبادته وصلاته، والمحافظة على الإخلاص في العمل الصالح، والبعد عن الرّياء.
أعذار ترك الجماعة في المسجد
هناك العديد من الأعذار التي تُبيح للمسلم ترك الجماعة في المسجد، ومنها ما يأتي:
- المرض: يُباح للمريض إذا خشي زيادة مرضه أو تأخّر شفائه ترك الجماعة، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عندما تخلّف عن الجماعة بسبب مرضه: (مُرُوا أبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ)، وكذا مَن خاف على نفسه الإصابة بالمرض لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (من سمع المنادِي فلم يمنعْه من اتباعِه عذرٌ قالوا: ما العذرُ؟ قال: خوفٌ أو مرضٌ لم تقبلْ منه الصلاةُ التي صلَّى)، ومن الأحكام المُتعلِّقة بالمريض ما يأتي:
- انتفاء مشقة حضوره للمسجد راكباً: تعدّدت آراء الفقهاء في إلزام المريض حضور الجماعة والجمعة إن كان ذلك لا يشقّ عليه حال إتيانه للمسجد راكباً، فذهب الحنفية إلى عدم إلزامه بذلك، وذهب المالكية والشافعية إلى إلزامه بذلك، إلّا أنّ المالكية اشترطوا أن لا تكون أُجرة الذهاب إلى المسجد مُجحِفَة، وذهب الحنابلة إلى إلزامه حضور الجمعة دون الجماعة في حال تبرّع أحد بإيصاله.
- تأخير ظهره من يوم الجمعة: يُستحبّ للمريض الذي يظنّ الشفاء والخفّة من المرض قبل فوات صلاة الجمعة تأخير ظهره حتّى يرفع الإمام رأسه من ركوع الركعة الثانية؛ بُغية إدراك الجمعة إن زال مرضه قبل ذلك.
- حضوره للمسجد بعد دخول وقت صلاة الجمعة: تلزم المريض صلاة الجمعة في حال حضر المسجد بعد دخول وقتها ولم تلحقه مشقة في انتظار الصلاة؛ وذلك لأنّه تمكّن بحضوره للمسجد من تحمّل المشقة التي كانت سبباً في عدم وجوب الجمعة في حقّه.
- تخلّف مُمَرّض المريض عن صلاة الجماعة والجمعة: ذهب العلماء إلى أنّ المُمرّض يلحق بحكم المريض في تخلّفه عن الجماعة والجمعة حال كونه مُمرّضٌ لمريضٍ قريب خاص؛ كالولد أو الوالد أو الزوجة، إلّا أنّ الحنابلة اشترطوا لذلك أن لا يكون مع المريض أحدٌ يعتني به، أمّا في حال تولّى الممرّض تمريض أجنبيّ فذهب الحنفية إلى جواز تخلّفه، وأمّا المالكية والشافعية فقالوا بعدم جواز تخلّفه إلّا في حال انتفاء وجود أحدٍ يعتني بالمريض فيُخشى عليه العطش أو الجوع ونحو ذلك.
- الخوف: يعدّ الخوف من الأعذار المُبيحة لترك الجماعة؛ لِكونه سبباً في انشغال القلب، وهو ما لا يُوافق الغاية المرجوة من الصلاة، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (من سمعَ النِّداءَ فلم يأتِهِ فلا صلاةَ لَه إلَّا من عُذرٍ) ولا شكّ بأنّ الخائف معذور، والخوف ثلاثة أنواع؛ أوّلها: الخوف على النّفس من عدوٍّ أو لصٍّ أو حيوانٍ مفترسٍ كالسبع أو نحو ذلك، وثانيها: الخوف على المال من لصٍّ أو ظالمٍ، وثالثها: الخوف على الأهل كالوالدّين أو الأبناء حال مرضهم، وكان هو مَن يتولّى العناية بهم وتمريضهم.
- حضور طعامٍ تتوق إليه النفس: يُباح لمَن حضر الطعام وكانت نفسه تتوق إليه أن يجلس ويأكل منه سواء أَمِنَ حضور الجماعة أم لا، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا صَلَاةَ بحَضْرَةِ الطَّعَامِ)، وقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أحَدِكُمْ وأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَؤُوا بالعَشَاءِ ولَا يَعْجَلْ حتَّى يَفْرُغَ منه).
- تناول طعام كريه الرائحة: يُباح لِمَن تناول طعاما كريه الرائحة كالبصل أو الثوم أو الفجل أو نحو ذلك علاجاً لمرضٍ قد أصابه أو تمتّعاً واشتهاءً له ترك الجماعة، وذلك حتى لا يكون سبباً في أذيّة المصلين والملائكة ، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَنْ أكلَ من هذه البَقْلَةِ: الثومِ والبصَلِ والكُرَّاثِ، فلا يَقربْنا في مساجِدِنا، فإنَّ الملائكةَ تتأَذَّى مِمّا تتأذَّى مِنهُ بنُو آدَمَ)، ويشمل ذلك كل مَن كانت له رائحة مُنفِّرة وكريهة؛ كالجزار والمصاب بالجذام أو البرص، أمّا مَن تعمّد تناول الطعام كريه الرائحة بغية التّخلف عن الجماعة فلا يكون بذلك من أصحاب الأعذار ويأثم بتركه لها.
- غلبة النوس أو النعاس: يُباح لمَن غلبه النوم أو النعاس ترك الجماعة والنّوم مقداراً من الوقت يُمكِّنه من تأدية صلاته وهو يعي ويفهم ما يقول فيها، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذَا نَعَسَ أحَدُكُمْ وهو يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ، حتَّى يَذْهَبَ عنْه النَّوْمُ، فإنَّ أحَدَكُمْ إذَا صَلَّى وهو نَاعِسٌ، لا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ)، وقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّه ليسَ فِيَّ النَّوْمِ تَفْرِيطٌ).
- إطالة الأمام في الصلاة: يُباح للمأموم الخروج من الجماعة وتركها في حال أطال الإمام في صلاته على نحوٍ مُخالفٍ لِسنّة رسول الله، وقد دلّ على ذلك ما ثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ رَجُلًا، قالَ: واللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ إنِّي لَأَتَأَخَّرُ عن صَلَاةِ الغَدَاةِ مِن أَجْلِ فُلَانٍ ممَّا يُطِيلُ بنَا، فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا منه يَومَئذٍ، ثُمَّ قالَ: إنَّ مِنكُم مُنَفِّرِينَ، فأيُّكُمْ ما صَلَّى بالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فإنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ والكَبِيرَ وذَا الحَاجَةِ).
- الشديد من المطر أوالبرد أو الوحل أو الظلمة أو الريح: يُباح في هذه الحالات ترك الجماعة، وقد دلّ على ذلك ما ثبت عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يقولُ علَى إثْرِهِ: ألا صَلُّوا في الرِّحالِ في اللَّيْلَةِ البارِدَةِ، أوِ المَطِيرَةِ في السَّفَرِ)، وما ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال لمؤذِّنه في يومٍ مطير: (إذا قُلْتَ أشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، فلا تَقُلْ حَيَّ علَى الصَّلاةِ، قُلْ: صَلُّوا في بُيُوتِكُمْ، فَكَأنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا، قالَ: فَعَلَهُ مَن هو خَيْرٌ مِنِّي، إنَّ الجُمْعَةَ عَزْمَةٌ وإنِّي كَرِهْتُ أنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ في الطِّينِ والدَّحَضِ).
- الضرير الذي لا قائد له: يُباح للضرير الذي لا يجد مَن يقوده للمسجد ترك الجماعة، وقد دلّ على ذلك ما ثبت عن محمود بن الربيع الأنصاري -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ عِتْبَانَ بنَ مَالِكٍ، كانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وهو أعْمَى، وأنَّهُ قَالَ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ والسَّيْلُ، وأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ البَصَرِ، فَصَلِّ يا رَسولَ اللَّهِ في بَيْتي مَكَانًا أتَّخِذُهُ مُصَلَّى، فَجَاءَهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: أيْنَ تُحِبُّ أنْ أُصَلِّيَ؟ فأشَارَ إلى مَكَانٍ مِنَ البَيْتِ، فَصَلَّى فيه رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ).
- مُدافعة الأخبثين: يُباح لمَن يُدافعه البول أو الغائط ترك الجماعة وذلك لِأمرين: أوّلهما أنّ مدافعة الأخبثين سبباً في انشغال القلب عن الصلاة، وثانيهما أنّ حبس الأخبثين يُلحق ضرراً بالإنسان وفي ذلك منافاة لِإحدى مقاصد الشريعة وهو حفظ النفس ، وممّا يدلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا صَلَاةَ بحَضْرَةِ الطَّعَامِ، ولَا هو يُدَافِعُهُ الأخْبَثَانِ)، وقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا أرادَ أحدُكُم أن يذهبَ الخلاءَ وقامَتِ الصَّلاةُ، فليبدَأ بالخَلاءِ).