ما حكم الصلاة بعد الأذان مباشرة
حكم الصلاة بعد الأذان مباشرة
يجوز للمسلم تأدية الصلاة بعد الأذان مباشرة ولو بدقائق معدودة؛ وذلك لِأنّ الأذان إخبارٌ وإيذانٌ بدخول وقت الصلاة، إلّا أنّه يُسنّ لِلإمام التأنّي وتأخير إقامة الصلاة حتى يتسنّى للمسلمين التّجمّع والحضور لِأداء صلاة الجماعة، كما يُستحسَن للمصلّي المُفرَد كالمريض أو المرأة حتى يتيقّن من أداء صلاته في وقتها ألّا يتعجّل فيها بعد الأذان مباشرة؛ وذلك لِأنّ بعض المؤذّنين ليس عند الضبط الكافي للوقت، فقد يَعجَل في الأذان ويُبكِّر.
وتجدر الإشارة إلى أمرين: أوّلهما أنّ جمهور العلماء ذهبوا إلى أنّ الأذان لا يصحّ قبل دخول وقت الصلاة إلّا في الأذان لصلاة الفجر، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ بلَالًا يُؤَذِّنُ بلَيْلٍ، فَكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يُؤَذِّنَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ)، لِذا فلا يجوز للمسلم أن يصلّي صلاة الفجر إلّا بعد سماعه أذان الفجر الصادق -الأذان الثاني-، وله أن يصلي بعده مباشرة، وإن كان من المُستحسَن الانتظار قليلا ولو بضع دقائق من باب الاحتياط.
وثانيهما: أنّه يُسنّ للمسلم صلاة الرّاتبة القبليّة لكلٍّ من فريضة الفجر؛ وهي ركعتان يُسنّ أدائهما في السفر والإقامة، وفريضة الظهر والعصر؛ وهي أربع ركعات بتسليمتين قبلهما، لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (رحِم اللهُ امرأً صلى قبلَ العصرِ أربعًا)، كما يُسنّ له أن يصلّي ركعتين قبل فريضة المغرب والعشاء لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (بيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلَاةٌ، ثَلَاثًا لِمَن شَاءَ).
أهمية المحافظة على الصلاة في وقتها
فرض الله -تعالى- على المؤمنين خمس صلواتٍ في اليوم والليلة، وخصّ كل منها بوقتٍ معيّنٍ لقوله -تعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)، إلّا أنّه لا شكّ في فضيلة أدائها والإتيان بها في أوّل وقتها لقوله -تعالى-: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)، وقوله -تعالى-: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ)، وقوله -تعالى-: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ)، حيث إنّ أحد أوجه المحافظة على الصلاة أدائها في وقتها، وتجدر الإشارة إلى توضيح ثلاثة أمور:
- أوّلها: يُراد بإقامة الصلاة كما في قوله -تعالى-: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ)، العديد من المعاني؛ ومن ذلك حفاظ المسلم على فرض الصلاة ووضوئها وسجودها وركوعها وعدم التفريط في وقتها.
- ثانيها: تُعدّ المحافظة على الصلاة في وقتها المعنى الأوّل والأهمّ من معاني إقامة الصلاة، وقد دلّ على ذلك العديد من الآيات القرآنية منها قوله -تعالى-: (فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ)، حيث أشار عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى أنّ المقصود من إضاعة الصلاة هو إضاعة وقتها والتفريط فيه وليس تركها بالكليّة، وقوله -تعالى-: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)، حيث أشار سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- إلى أنّ المقصود من السهو عن الصلاة هو التفريط في وقتها، وهو ما يكون سبباً في استحقاق الويل، وقوله -تعالى-: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)، وقوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)، حيث أشار عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- إلى أنّ المُراد بكلتا الآيتين المحافظة على مواقيت الصلاة.
- ثالثها: تكمن أهمية المحافظة على الصلاة في وقتها في كونها سبباً في حفظ العبد من الوقوع في المعاصي والآثام، وذلك لقوله -تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)، فخضوع العبد وامتثاله لِأمر الله -تعالى- في أداء الصلاة، بحيث يركع ويسجد ويُسبّح ويُعظّم الله فيها مع استحضاره الأجر العظيم الذي سيحظى به بسبب المحافظة عليها، والعقوبة التي ستقع عليه حال التهاون والتفريط فيها، فذلك من شأنه أن يكون رادعاً له عن المحرّمات والجرائم والذنوب وكلّ ما يُغضب الله -تعالى-.
- رابعها: أحب الأعمال إلى الله -تعالى- الصلاة على وقتها؛ لما ثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى وقْتِها)، وهي أفضل الأعمال لما ثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (سَأَلْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ قالَ: الصَّلاةُ لِوَقْتِها)، وهي أقرب الأعمال الموصلة للجنة؛ لما ثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (يا نَبِيَّ اللهِ، أيُّ الأعْمالِ أقْرَبُ إلى الجَنَّةِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى مَواقِيتِها)، حيث يظهر من الأحاديث السابقة أنّ أحب الأعمال إلى الله -تعالى- لا بدّ أن يكون أفضل الأعمال وأقربها للجنة.
وسائل تعين على المحافظة على الصلاة
هناك العديد من الوسائل التي تُعين العبد على المحافظة على الصلاة، منها ما يأتي:
- الحرص على الدقّة في معرفة مواعيد الأذان والصلاة.
- الإكثار من الطاعات؛ كذكر الله -تعالى-، والصلاة على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وتلاوة القرآن الكريم ، والاستغفار، والدعاء، ومجانبة المحرّمات والفواحش والبيئة السيئة لِكون ذلك سبباً في قسوة القلب ومرضه.
- الرفقة الصالحة، حيث إنّها تُعين على الخير وتَحضّ عليه، وتُبعد عن الشرّ وتُحذّر منه.
- متابعة وحضور المواعظ الدينية، والإكثار من قراءة السنّة النّبويّة وسير العلماء والسلف الصالح.
- المسارعة في تأدية الصلاة عند سماع الأذان، والابتعاد عن كل ما كان من شأنه أن يُشغل عن الصلاة والتّفرّغ لها.
- بذل الجهد والعمل من أجل المحافظة على الصلاة، وذلك لقوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)، وقوله -تعالى-: (إِنّا لا نُضيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلًا).