ما الفرق بين الغيبة والنميمة
ما الفرق بين الغيبة والنميمة
يختلف تعريف الغيبة عن النميمة، حيث تُطلق الغيبة في اللّغة على الاغتياب، أمّا النمّ فهو السّعي لإيقاعِ المشاكل والفتنة بين النّاس، وأمَّا اصطلاحاً فالغيبة: ذكر الإنسان بما لا يُحبّ أن يُذكر فيه، أمّا النّميمة: فهيَ نقل الكلام من شخصٍ إلى آخر والذي يؤدّي إلى إيجاد المشاكل والكراهيّة بين النّاس، ويُستثنى من ذلك إذا كان الكلام المنقول سيُنقذ حياة إنسان، أو يجنّبه من ضررٍ كبيرٍ سيحصل له؛ كأن كان الطرف الآخر يريد قتله، أو سرقته، لأنَّ النَّصحية في مثل هذه المواضع واجبة.
ويُفرّق بين النّميمة والغيبة أيضاً؛ بأنَّ النّميمة تكون دائماً بهدفِ الإفساد بين النّاس، وأمّا الغيبة فتكون بغياب الشخص المتحدَّث عنه، وفيما عدا ذلك من الخصائص فالغيبة و النميمة متّحدتان، والغيبة إن كانت صحيحة فتُسمّى غِيبة، وإن كانت غير صحيحة فهي كذب.
حكم الغيبة والنميمة
حرّم الإسلام الغِيبة، وجعلها من كبائر الذنوب التي تُلزم التّوبة، ولم يقع الخلاف في ذلك، فقد جاءت النُّصوص الشرعيّة من القرآن الكريم والسنّة النبويّة وإجماع أهل العلم بالإقرار بحرمتها، ورغم أنّها من الكبائر إلّا أنّ ذنبها يتفاوت بحسب الضرر المتحصّل منها، وقد جمع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إثم العِرض مع إثم المال والدم، فقال -عليه الصّلاة والسّلام-: (كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ)، فإن كان سلب المال وقتل أو إيذاء النفس بغير حق من الكبائر، فمجيء الحديث عن العِرض معهم يدلّ على أنّه من الكبائر، وهذا ما قاله ابن حجر -رحمه الله-.
وعدّ الإسلام النّميمة من الكبائرِ بالإجماع، وهي من الأسباب الموجبة لعذاب القبر، فقد روى ابن عباس -رضيّ الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال: (مَرَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى قَبْرَيْنِ فقالَ: أما إنَّهُما لَيُعَذَّبانِ وما يُعَذَّبانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ، وأَمَّا الآخَرُ فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِن بَوْلِهِ).
أضرار الغيبة والنميمة
إنّ للغيبة أضراراً متعدّدةً تعود على صاحبها، وبيانها فيما يأتي:
- زيادة السيئات ونقصان الحسنات، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لعائشة -رضيَ الله عنها- لمّا تحدّثت عن صفيّة: (لقدْ قلتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بماءِ البحْرِ لَمَزَجَتْهُ).
- أربى الرّبا ، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (وإِنَّ أربى الرِّبا استطالَةُ الرجلِ في عرضِ أخيهِ).
- مصير المغتاب النّار، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لما عُرِجَ بي مررتُ بقومٍ لهم أظفارٌ من نُحاسٍ يخْمِشون وجوهَهم وصدورَهم، فقلتُ: من هؤلاء يا جبريلُ؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحومِ الناسِ، ويقعون في أعراضِهم).
- وصْف الله للغيبة بأنّها أسوء من المَيْتة، قال -تعالى-: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ).
- ممارسة الغيبة باستمرار تؤدي إلى التعوّد عليها وصعوبة تركها، كما تؤدّي إلى انطباع مشين داخل فاعلها، ونشر سمعة غير طيّبة عنه بين الناّس، وتدلّ على دناءته وقلّة مروءته.
- احتياج المغتاب لعفو الشخص الذي وقعت عليه الغيبة.
- الإفلاس يوم القيامة، فقد أخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه عن المفلس يوم القيامة، فقال: (إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ).
- هجران المغتاب من قِبل النّاس، فإن الواجب على المسلم أن يُحاول أن يردّ المغتاب بتقديم النصحية له، فإن لم يتّعظ يهجره.
- تأثير الغيبة على الصائم سلباً، فإنها تجرح الصيام ، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به والجَهْلَ، فليسَ لِلَّهِ حاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ).
- الوعد من الله بأن يفضح المُغتاب بين النّاس، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (يا مَعْشَرَ مَن آمن بلسانِه ولم يَدْخُلِ الإيمانُ قلبَه، لا تغتابوا المسلمينَ، ولا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِم، فإنه مَن تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيه المسلمِ، تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه، ومَن تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه، يَفْضَحْهُ ولو في جوفِ بيتِه).
- اعتبار الغيبة نوع من أنواع الظلم ، لأنَّ فيها اعتداء على النّاس، وذلك من موجبات العذاب يوم القيامة ، قال -تعالى-: (وَلا تَحسَبَنَّ اللَّـهَ غافِلًا عَمّا يَعمَلُ الظّالِمونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فيهِ الأَبصارُ)، فالمغتاب يَعتدي على حقّ العباد، وحقّ ربّ العباد.
- إيقاع العداوة والبغضاء والكراهيّة بين النّاس، ممَّا يؤدي إلى تفرّق الناس وعدم تماسكهم مع بعضهم في المجتمع.
وللنّميمة أضرارٌ كثيرة تعود على فاعلها، وبيانها فيما يأتي:
- تعدّ النميمة سبباً من أسباب دخول النار يوم القيامة.
- تدلّ على دناءة النّفس، والنّفاق في الدّنيا، وهي من أسباب التعذّب في القبر.
- تجلب السُّمعة السيِّئة لصاحبها.
- تدفع صاحبها إلى التّجسس على الآخرين، والسّعي إلى معرفة أخبارهم.
- تُشغل الإنسان فيما ليس من شأنه، وتُشكّك في أمانة النمّام بين الناس.
- تَحلق الدِّين، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ألا أُخبركم بأفضلَ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟ قالوا: بلى قال: إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ؛ فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالقةُ)، والحالقة أي القاطعة للشيء والمُنهية له سواء كان من أمور الدين أو الدنيا.
- تؤدّي النّميمة إلى الإفساد بين النّاس، وإيقاع المشاكل.
- تُفسد المجتمع، وتُؤدي إلى قطع الصّلة بين الأفراد، وتنشر بينهم العداوة.
طرق اجتناب الغيبة والنميمة
هناك الكثير من الوسائل التي تُعين على ترك الغيبة والنّميمة، وبيان بعضها فيما يأتي:
- التقرّب إلى اللهِ -تعالى- بالأعمالِ الصّالحة، وتقديم رضاه على رضى المخلوقات.
- الإكثار من الأعمال الصالحة التي تزيد من الحسنات.
- التنشئة وفق مبادئ الإسلام وأخلاقه، واختيار الرّفقة الطيّبة.
- ملْء وقت الفراغ بما يرضي الله -تعالى- من العبادات وطلب العلم والطّاعات المختلفة.
- القناعة والرضى بما قسمه الله -تعالى-.
- الشعور بالآخرين، ووضع المغتاب نفسه مكان من اغتابه.
- البحث عن السّبب الدافع إلى الغيبة، والعمل على علاجه، مثل: كظم الغيظ، والصبر على أذى الآخرين.
- استحضار المسلم أنّه بالغيبة والنميمة يُعطي الآخرين من حسناته، فإن فكّر في ذلك فإنَّه سيتجنّبهما، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بقَنْطَرَةٍ بيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بيْنَهُمْ في الدُّنْيَا حتَّى إذَا نُقُّوا وهُذِّبُوا، أُذِنَ لهمْ بدُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ بمَسْكَنِهِ في الجَنَّةِ أدَلُّ بمَنْزِلِهِ كانَ في الدُّنْيَا).
- اشغال النفس بعيوبها عن الآخرين وعيوبهم، وإشغالها بشكر الله على ما أنعم على الإنسان.
- الإكثار من ذكر الله -تعالى-، ومحاسبة النّفس باستمرار.
- تجنّب مَجالس الغيبة، وتَحرّي مُجالسة الصّالحين، فإن لم يجد من الصّالحين من يجالسهم فيَحرص على مطالعة سِير الصّالحين.
- تذكّر حال المُغتاب يوم القيامة، وحاجته الشّديدة لحسانته التي انتقلت إلى غيره بغيبته لهم.
- شكر الله على ما أنعم به على عبده من نعمة اللّسان التي حُرم منها غيره، فيستغلّها فيما يُرضي الله -تعالى- ولا يخوض في أعراض النّاس.
- التفكّر في أسماء الله الحُسنى ، وبخاصة التي تجعل المسلم يَستشعر مراقبة الله -تعالى- له؛ كاسم الله الشّهيد، والرّقيب، والعليم، والمحيط.
- الحرص على الالتزام بأداء الصلوات المفروضة، والالتزام بالصّدق، فالصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصّدق يؤدي إلى الاستقامة.
- الإكثار من ذكر الموت ، حتى يستعدّ الإنسان لملاقاة الله -تعالى-.
- العلم بأنَّ الوقوع بالغيبة والنّميمة يؤدي إلى سخط الله -تعالى- على عبده، وقد تكون الكلمة سبباً لرضى الله أو سخطه.
- الابتعاد عن النمّام وعدم الاستماع لكلامه، وإحراجه من خلال الطلب منه أن يذكر محاسن من أوقع عليه النميمة أو الغيبة.