ما أخلاق المسلم
الأخلاق الإسلامية
بعث الله -تعالى- نبيّه محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم- إلى الناس كافّةً برسالة الإسلام، وكتب أن يكون محمّد -عليه الصلاة والسلام- خاتم الأنبياء، وتكون دعوته ورسالته خاتمة الرسالات السماويّة ، فكانت رسالة الإسلام داعيةً إلى توحيد الله تعالى، وقصده بالعبادة وحده، والتزام كلّ أوامره واجتناب كلّ نواهيه، على جملة ما تضمّه هذه الأوامر والنواهي من أقوالٍ وأفعالٍ، سواءً أكانت متعلّقة بالعبادات، أو المعاملات، أو الأخلاقيات، والسلوكيات، ولعلّ الأوامر والنواهي على اختلافها تسعى إلى تهذيب النفس الإنسانية وتقويمها، والرُّقي بها حدّ القرب من درجات الكمال الإنساني، وشاهِد ذلك ما قاله النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ).
كما جاءت الكثير من العبادات في نصّ القرآن الكريم لتهذيب النفس وتحسين أخلاقها، فالأمر بالصلاة جاء مقروناً بكونها ناهيةً عن الفواحش ومُنكَرات الأفعال، كما في قول الله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)، كما بيّن الله -سبحانه وتعالى- في موضع آخر من كتابه أنّ في أداء عبادة الزكاة تطهيراً للنفس: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، ممّا يؤكّد على أهميّة الأخلاق ومكانتها في الإسلام، لذا جعل الإسلام التحلي بها والتزامها هو الغاية من أداء العبادات والتكاليف، فما هي الأخلاق التي يجب على المسلم الالتزام بها؟
أخلاق المسلم
يجب على المسلم أن يتحلى بالأخلاق التي جاء بها الإسلام، وفيما يأتي بيان المقصود بالأخلاق لغةً واصطلاحاً، وذكر بعض الأخلاق:
تعريف الأخلاق الإسلامية
- الأخلاق لغةً: الأخلاق في اللغة من الجذر اللغوي خَلَقَ، وله أصلان صحيحان، أحدهما يدلّ على ملامسة الشيء، والآخر يدلّ على تقديره، ومنه الخُلُق وهو السجيّة؛ لأنّ صاحبها قُدِّر على هذا الخُلق، ويُقال: فلان خليق بكذا، أي يُقدَّر فيه ذلك، فالخُلق هو الدّين والطبع والسجيّة كما يقول ابن منظور، وقد امتدح الله -تعالى- في كتابه الكريم نبيّه محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم- فقال فيه: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ).
- الأخلاق اصطلاحاً: يُعرِّف العلماء الأخلاق حسب وجهة النظر الإسلامية تعريفاتٍ عديدةً، فقد عرّفها جمع من المعاصرين بأنّها مجموعة من المبادئ والقواعد المُنظِّمة للسلوك الإنساني، والتي يحدّدها الوحي لتنظيم حياة الناس وتحديد علاقاتهم بغيرهم، على نحو يحقّق الغاية من وجودهم في هذا العالم على أكمل وجه.
أخلاق المسلم
تضمّ منظومة الأخلاق الإسلامية جملةً من الأخلاق القويمة والخِصال الحسنة، التي لا بُدّ لكلّ مسلم من التخلّق بها، ومن أبرزها:
- خُلق الصِّدق: هو خلق إسلامي رفيع، عرّفه العلماء بتعريفاتٍ عديدةٍ منها: قول الحقّ في مواضع الهلاك، أو في موضعٍ لا ينجّي منه إلّا الكذب، وقيل: هو نقيض الكذب، وقيل: المراد به إبانة الإنسان عمّا يخبر به على ما كان، وقد حثّ الله -تعالى- على الصدق ، ووعد الصادقين بثوابٍ عظيمٍ وأجرٍ كريمٍ، ومن ذلك قوله تعالى: (قَالَ اللهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
- خُلق الأمانة: هو من الأخلاق الكريمة التي جاءت النصوص الشرعيّة من القرآن الكريم والسنة النبوية حاثّةً عليها ومادحةً للمُتخلِّقين بها، ومن هذه النصوص قول الله تعالى في مدحه للمؤمنين وتعداد صفاتهم: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)، والأمانة هي خلق ثابت في النفس، يعِفّ به صاحبه عمّا ليس له به حقّ، حتّى مع قدرته على العدوان عليه، والأمانة لا تكون في حفظ الأموال فحسب، بل تكون أيضاً في الأقوال والأعراض وكلّ ما يُؤدّى من حقوقٍ للغير، سواءً حقوق الله -تعالى- أو حقوق العباد.
- خُلق الصَّبر: هو من الأخلاق العظيمة التي تُزيّن منظومة الأخلاق الإسلامية وتعتليها، والصّبر هو قوّة خُلقيّة من قوى الإرادة، تُمكِّن الإنسان من ضبط نفسه لتحمّل المتاعب والمشاقّ والآلام، وضبطها عن الاندفاع بعوامل الضَّجر، والجَزَع، والسَّأَم، والمَلَل، والعَجَلة، والرُّعونة، والغَضَب، والطَّيْش، والخَوْف، والطَّمَع، والأهواء والشّهوات والغرائز، وقد رتّب الله تعالى على الصبر أجراً عظيماً وجعل للصابرين منزلةً عُليا، فقال عنهم: (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).
فضل الأخلاق وثمرتها
إنّ للأخلاق الحسنة وامتثالها والتزامها فضلاً عظيماً، وآثاراً وثمراتٍ عديدةً يجنيها كلّ من تحلّى بها وتمثّلها في مواقف حياته المختلفة، ولعلّ هذه الآثار والثمرات الخيِّرة ليست قاصرةً على من تخلّق بالأخلاق الحسنة، وإنّما على كلّ المجتمع، ومن هذه الثمرات:
- إنّ حُسْن الخُلق سبب من أسباب تحقيق رضوان الله تعالى، والفوز بأعلى درجات جنّته، وفي ذلك يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (أَنا زعيمٌ ببيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لمن ترَكَ المراءَ وإن كانَ مُحقّاً، وببيتٍ في وسطِ الجنَّةِ لمن ترَكَ الكذبَ وإن كانَ مازحاً، وببيتٍ في أعلى الجنَّةِ لمن حسَّنَ خلقَهُ).
- إنّ حُسن الخُلق يُفضي إلى الفوز بمحبّة الله تعالى ، ومحبّة رسوله الكريم، وفي هذا يقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلساً يومَ القيامةِ أحاسِنَكُم أخلاقاً).
- إنّ حُسن الخُلق مدعاةٌ لنيل عظيم الأجر والثواب، بل إنّ أثقل ما يوزَن يوم القيامة عند الله تعالى هو حُسن الخُلق، وشاهِد ذلك ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ما مِن شيءٍ في المِيزانِ أثْقلُ من حُسْنِ الخُلُقِ).