لماذا ينتحر الحوت
حقيقة انتحار الحيتان
من الظّواهر الأكثر مأساويّةً جنوح الحيتان على الشاطئ، فمن المؤثّر رؤيتها وهي تموت؛ إذ تموت الحيتان عند جنوحها إلى الشاطئ، وعلى الرّغم من أنّ الحيتان تُشتهَر بامتلاكها نظام ملاحة متطوّراً يُمكنّها من تحديد اتجاهها في البحر.
إلا أنّه من المعروف أنّ بعض أنواعها خاصةً الحيتان الطيارة (الرّبان)، والحيتان المنقاريّة، والحيتان القاتلة، تجنح نحو المياه الضّحلة أو الشّواطئ، ممّا يؤدّي إلى موتها، وقد تشمل هذه الظّاهرة حيتاناً مُنفرِدةً أو قطيعاً كاملاً، وقد شهد شهر شباط من هذا العام 2017م جنوحَ أكثر من 400 حوت طيّار إلى شاطئ الجزيرة الجنوبيّة في نيوزلندا، فهل هي محاولة انتحار جماعيّة؟
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تموت الحيتان عندما تجنح إلى الشاطئ؟ سبب ذلك أنّ جسم الحوت مُصمَّم للعوم والطّفو على الماء، والماء يُقلّل ضغط كتلة الحوت الكبيرة على أعضائه الداخليّة، وعندما يصل الحوت إلى البّر لا تتمكّن الأعضاء الداخليّة من تحمّل الضغط النّاجم من كتلة الجسم عليها، فتتعرّض للجروح الدّاخلية ممّا يؤدي إلى موتها، بالإضافة إلى أنّ وجودها على البرّ يُسبّب لها كدماتٍ وجروحاً خارجيّةً أيضاََ.
ظاهرة جنوح الحيتان نحو الشّواطئ
في الحقيقة لا يوجد تفسير علميّ دقيق لظاهرة جنوح الحيتان نحو الشّاطئ، وإنّما توجد عدّة نظريّات لتفسيرها، ولا يزال العلماء بحاجة إلى المزيد من الدّراسة والبحث؛ للتيقّن من الأسباب الحقيقيّة لهذه الظّاهرة، ومن النّظريات التي قد تُفسّر جنوح الحيتان نحو الشاطئ ما يأتي:
أمواج السّونار القصيرة ومتوسطة التّردد
يرى بعض الباحثين وعلماء البيئة أنّ أمواج السّونار التي تطلقها القوات البحريّة مثل القوات البحرية الأمريكيّة لرصد الغوّاصات قد تربك الحيتان، وتعطّل نظام الملاحة الخاصّ بها، وتتسبّب بفقدانها للاتّجاه، ممّا يدفعها إلى المياه الضحلة قرب الشاطئ بحثاََ عن الأمان، وقد وُجِد أنّ الحيتان التي تتعرّض لأمواج السّونار تظهر عليها أيضاََ إصابات بدنيّة.
بما في ذلك النّزيف في الدّماغ، والآذان، والأنسجة الدّاخليّة، كما ظهر عليها أعراض شديدة لمرض انخفاض الضّغط الجويّ أو شلل الغواص (بالإنجليزيّة: Decompression Sickness)، ممّا يفسّر تغيّر أنماط الغوص عند الحيتان، ويُعتقَد أنّ الحيتان منقاريّة الأنف، والحيتان بطيخيّة الرّأس هي الحيتان الأكثر تأثراََ بالسّونار.
ونظراََ لخطورة هذه الظّاهرة، فقد رفع مجلس الدّفاع عن الموارد الطبّيعية (بالإنجليزيّة: The Natural Resources Defense Council) وبعض المجموعات البيئية الأخرى دعوى قضائيّةً ضدّ البحريّة الأمريكيّة في عام 2008م.
وتعهّدت البحريّة على إثرها بدراسة تأثير السّونار على سلوك الثّدييات البحريّة ومن ضمنها الحيتان، كما أنّ المحاكم الاتّحاديّة في كلٍّ من كاليفورنيا وهاواي، أصدرت تعليماتها إلى البحريّة للحدّ من استخدام السّونار.
مرض الحيتان
يعتقد باحثون في علم الحيتان في مختبر وايتهيد في جامعة دالهوسي في نوفا سكوتيا أنّ الحوت الذي يعاني من بعض الأمراض النّاتجة عن الالتهابات، أو الطّفيلييات، أو الإصابات، أو حتّى الأمراض التي تنتج عن الطّفرات الوراثيّة والشّيخوخة، قد تندفع نحو الشّاطئ، وإذا صادف أنّ الحوت المريض هو الحوت المسيطر الذي يقود قطيع الحيتان، فقد تتبعه بقيّة الحيتان إلى الشّاطئ، وقد تعلق بالجَزْر المُنخفض.
توجد فرضيّة أخرى تُفسّر الجنوح الجماعيّ للحيتان نحو الشّاطئ، مفادها أنّ جماعات من الحيتان تتّجه نحو الشّاطئ عند تلقّيها نداء استغاثة من حوت علِق عند الشّاطئ، فتجد نفسها بالخطأ قد علِقت هي أيضاََ، ولا تتمكّن من العودة إلى الماء.
نقص الغذاء
يُعتقَد أنّ نقص مصادر الغذاء في مناطق تغذية الحيتان وما ينتج عن ذلك من ارتباك وضعف، قد يدفعها نحو الشّاطئ، أو أثناء مطاردتها لفريسة أو هروبها من حيوان مفترس فإنّها تجد نفسها قد وصلت إلى المياه الضحلة، في المقابل يجد البعض أنّ هذا التفسير غير مقبول، خاصةََ أنّ الحيتان قد تجنح إلى الشاطئ في أماكن لا تتوفّر فيها الفرائس المعتادة للحيتان.
السّموم البيئية
يُشير باحثون من الإدارة الوطنيّة للمحيطات والغلاف الجويّ (بالإنجليزيّة: National Oceanic and Atmospheric Administration) أنّ تلوث الماء، وظاهرة المدّ الأحمر؛ وهي ظاهرة تزايد نموّ نوع من الطّحالب التي تنتج سمومها في الماء، قد يكونان وراء ظاهرة جنوح الحيتان نحو الشّاطئ.
عوامل أخرى
يُعتقَد أنّ العوامل الجويّة القاسية، والنّشاط الزلزاليّ تحت الماء، وشذوذ المجال المغناطيسي، قد يكون لها دور في ظاهرة جنوح الحيتان نحو الشّاطئ.
تضاريس البحر الطبيعية
تُشكّل تضاريس البحر الطبيعية مثل المد والجزر مناطق بمثابة مصائد للثدييات البحرية، فعند حدوث ظاهرة المد والجزر، فإنّ المياه تنحسر عدّة كيلومترات لعدّة دقائق، كما أنّ هناك العديد من السواحل التي تكون فيها المياه ضحلة جدًا، بحيث يصعب على الحيتان التنقل بها، لأنّ قدرتها على تحديد المواقع باستخدام الصدى لا تعمل إلّا في المياه العميقة.
الجنوح الجماعي
يُعرّف الجنوح الجماعي بأنه مجموعة مكونة من حيوانين على الأقل، ولا يشمل ذلك الأم وصغارها، ويُمكن أن تصل المجموعة إلى مئات الأفراد، وغالبًا ما تحدث عند الطيور والحيتان، بحيث تتحرّك هذه المجموعة معًا، ولا تتفرق أبدًا حتى لو تعرّض أحد أفرادها لإصابة أو مرض.
بالتالي فإنّه من الممكن أن تتعرّض مجموعة كاملة للموت بسبب فرد واحد فقط، ولذلك إذا سمعت الحيتان صوت أحد الحيتان ينادي من الشاطئ، فإنّها ستذهب جميعها إلى الشاطئ لإنقاذه، وبالتالي تتعرّض للخطر أيضًا.
هل ينجو الحوت بعد جنوحه إلى الشاطئ؟
إنّ فرصة مساعدة الحوت وإنقاذ حياته منخفضة جدًا، وذلك لأنّ الحوت عندما يصل إلى الشاطئ، فإنّ وزنه سيجبره على البقاء على الأرض دون حراك، وهذا يؤدي إلى تراكم السموم الناتجة من الدورة الدموية، كما أنّ الحوت يتنفس الهواء ، وإذا دخل الماء من خلال فتحة النفخ، فإنّه سيغرق، إضافةً إلى حدوث ارتفاع في درجة حرارته بسبب كمية الدهون داخله.
يُفضّل عند إيجاد حوتًا على الشاطئ الاتصال بخدمات الطوارئ وانتظار الأطباء والمتدربين لإنقاذه، ويجب عدم سحبه إلى الماء، لأنّ ذلك سيضر بثقوب ذيله الرقيقة كثيرًا، ويؤدي ذلك إلى موته، وبدلّا من ذلك يجب وضعه بشكل مستقيم لمنع دخول الماء إلى فتحة النفخ، وتغطيته لمنع تعرّضه لحروق الشمس.