كيفية صلاة قيام الليل والدعاء المستجاب
كيفيّة صلاة قيام الليل والدعاء المُستَجاب
كيفيّة صلاة قيام الليل
اختلفَ الفُقهاء في بيانهم الهيئةَ التي يُصلّى بها قيام الليل، وجاءت أقوالهم كما يأتي:
- الحنفيّة: قالوا إنّ الأفضل في النوافل أن تُصلّى أربعاً؛ سواء كانت في الليل، أو في النهار؛ لِما ورد عن عائشة -رضي الله عنها- من فِعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، إذ قالت: (ما كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ، وَلَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا).
- المالكية: قالوا إنّ التنفُّل يكون بصلاة ركعتَين ركعتَين، ويُكرَه أن يُصلّي المسلم أربع ركعاتٍ بسلامٍ واحد.
- الشافعية: قالوا إنّ السُنّة السلام بعد كُلّ ركعتَين؛ لقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فإذا رَأَيْتَ أنَّ الصُّبْحَ يُدْرِكُكَ فأوْتِرْ بواحِدَةٍ. فقِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ: ما مَثْنَى مَثْنَى؟ قالَ: أنْ تُسَلِّمَ في كُلِّ رَكْعَتَيْنِ)، ويجوز للمسلم جَمع ركعات بتسليمةٍ واحدة؛ لأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- فعل ذلك؛ فقد وردَ عن عائشة -رضي الله عنها- أنّه قال: (يصلِّي من اللَّيلِ ثلاثَ عشرةَ ركعةً يوتِرُ من ذلكَ بخمسٍ لا يجلسُ إلَّا في آخرِهنَّ)، وجاءت بعض الروايات الضعيفة التي تُجيز القيام بركعةٍ واحدة؛ لفِعل عُمر -رضي الله عنه-.
- الحنابلة: قالوا إنّ صلاة الليل تكون ركعتَين ركعتَين، والنيّة تكون في بداية كُلّ ركعتَين؛ لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى).
وتجدر الإشارة إلى أنّ وقت قيام الليل يبدأ بعد صلاة العشاء، ويمتدّ إلى طُلوع الفجر الصادق، وليس لركعات قيام الليل عددٌ مُعيَّن؛ لقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خَشِيَ أحَدُكُمُ الصُّبْحَ، صَلَّى رَكْعَةً واحِدَةً تُوتِرُ له ما قدْ صَلَّى)، إلّا أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يُصلّي إحدى عشرة ركعة، وقد ورد ذلك في الصحيحَين عن عائشة -رضي الله عنها-، وهذا الفِعل منه ليس تحديداً لعددها، إنّما هو مُجرّد فِعلٍ منه، وتجوز الزيادة عليها، أو النُّقصان منها؛ فقد جاء عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- أنّهم كانوا يُصلّون عشرين ركعة على عهد عُمر، وعُثمان وعليّ -رضي الله عنهما-.
كيفيّة استجابة الدعاء
بعث الله -تعالى- نبيَّه مُحمد -عليه الصلاة والسلام- بمَنهجٍ كامل لا نقص فيه، ولم يدع شيئاً من الخير والفائدة في الدُّعاء إلّا بَيَّنه على أكمل وجه؛ فقد بَيّن للأُمّة الأدعية المُتعلِّقة بالوقت، أو المكان، أو الحال، والمُطلَق منه كذلك، والمُقيَّد، تماماً كما بيَّنَ جوانب الدِّين كلّها، ونتيجة لهذا أنزل الله -تعالى- عليه في أواخر حياته قوله: (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)، ومِن هَديه -عليه الصلاة والسلام- في الدُّعاء:
- الابتعاد عن الدُّعاء الذي فيه إثمٌ، أو قطيعة رَحِم.
- الابتعاد عن ارتكاب المعاصي التي تمنع استجابة الدُّعاء .
- بَدء الدُّعاء بالثناء على الله -تعالى-، وتمجيده، والصلاة على نبيّه ؛ فقد قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إذا صلَّى أحدُكُم فليبدَأْ بتحميدِ اللَّهِ تعالى والثَّناءِ عليهِ ثمَّ ليُصَلِّ عَلى النَّبيِّ ثُمَّ ليدْعُ بعدُ بما شاءَ).
- تحرّي الأوقات التي يُستجاب فيها الدُّعاء؛ كالثُّلث الآخير من الليل، وقَبل السلام من الصلاة، وبعد الصلاة، ويوم عرفة ، وعند إفطار الصائم، وعند السفر، ودعاء المُسلم لأخيه بظهر الغَيب، وهذه الأوقات كُلّها ثبتت في أحاديث صحيحة.
وينبغي على المُسلم أثناء الدُّعاء الإخلاص فيه لله -تعالى-؛ فلا يدعو غيره؛ لأنّ الدُّعاء من العبادة، والعبادة لا تكون إلّا لله -تعالى-، مع إحسان الظنّ به، وحضور القلب، وتدبُّره معانيَ الدُّعاء؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ادعوا اللَّهَ وأنتُم موقِنونَ بالإجابَةِ، واعلَموا أنَّ اللَّهَ لا يستجيبُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ)، ويُستحَبّ استقبال القِبلة، مع رَفع اليدَين، وبَسط الكفَّين، وخَفض الصوت، والصبر وعدم تعجُّل الإجابة.
أهمية الدعاء في قيام الليل
يُعَدُّ قيام الليل من الصفات العظيمة التي جعلها الله -تعالى- لأنبيائه والصالحين من عباده، فما من عبدٍ يفتح الله -تعالى- عليه هذا الباب، إلّا فتح له أبواب رحمته؛ فهو شأن الصالحين، والمُتَّقِين، إذ إنّ الله -تعالى- لَمّا ذكرَ المُتَّقِين وصفاتهم، ذكرَ منها قيام الليل؛ قال -تعالى-: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، وممّا يُبيّن عظيم فَضله أنّه كان من أوائل الأمور التي أمرَ الله -تعالى- بها نبيّه في بداية الوَحي، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا)، وهو من الأبواب المؤدّية للسعادة في الدُنيا والآخرة، وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يُحافظون عليه، ويحثّون أهلهم، وأولادهم عليه، كما كان يُسمَع صوت قيامهم كدَويّ النَّحل في جميع مُدنهم في الليل، وله حلاوة لا يشعر بها إلّا من أدّاه؛ طاعةً لربّه، وطلَباً لجنّته.
ويتأكّد قيام الليل في الثُّلث الأخير منه؛ لأنّه أقرب إلى استجابة الدُّعاء، وهو وقتٌ يتنزّل فيه ربّ العالَمين إلى السماء الدُّنيا؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له).