مظاهر تكيف الجمل في الصحراء
يُعرف الجمل بأنه سفينة الصحراء، وذلك لما يتمتع به من خصائص متعددة تجعله قادرًا على العيش في بيئة صحراوية يندر فيها الزرع والماء، ويمكن تقسيم مظاهر تكيف الجمل للعيش في الصحراء كما يأتي:
مظاهر تكيف الجمل الفسيولوجية
تُعرَف المظاهر الفسيولوجية للحيوانات، أو وظائف الأعضاء الحيوانية، بأنها الخصائص والوظائف والعمليات التي تُساعد الحيوانات على التكيّف في بيئاتها، كتنظيم درجة الحرارة وتدفق الدم والهرمونات، كما ويُوجد علم يهتم بدراسة فسيولوجيا الحيوان وهو علم وظائف الأعضاء (بالإنجليزية: Physiology).
وفيما يأتي أبرز المظاهر الفسيولوجية التي يتمتّع الجمل بها والتي تساهم في تكيّفه للعيش في الصحراء:
القدرة على الاحتفاظ بالماء
يُمكن للجمل شرب نحو 46 لترًا من الماء دفعة واحدة، وبإمكانه كذلك العيش دون شرب الماء لمدّة تتراوح بين أسبوع وعدّة أشهر، ويُعزى ذلك إلى الوظائف الفسيولوجية التي يتمتع بها الجهازين الهضمي والبولي واللذان يُحافظان على الماء داخل الجسم.
يفقد الجمل نحو 1.3 لتر فقط من السوائل عن طريق البراز، مقارنةً بأنواع الحيوانات الأخرى التي تفقد نحو 20-40 لترًا يوميًّا، إذ تمتص الأمعاء السوائل في نهاياتها.
يُساهم الكرش كذلك في حفظ الماء، وذلك باحتفاظه جزء كبير من المياه في داخله بنسبة 20% من وزن الجمل، والتي تُستخدم بدايةً في الأيام الاولى من الجفاف، للحفاظ على الماء الموجود في الدم وأنسجة الجسم المختلفة.
تساهم الكلية في التخلّص من المواد النيتروجينية السامة والماء الزائد والمحافظة على تركيزه في الدم، إذ يقل ترشيح المياه في الكلية عند تعرُّض جسم الجمل للجفاف، ومن وظائف الكلية التشريحية كذلك زيادة معدل إعادة امتصاص الماء عند افتقار جسم الجمل له.
القدرة على تنظيم درجة حرارة الجسم
خلافًا لمعظم الثدييات، بإمكان الجمل تنظيم درجة حرارة جسمه، فتتراوح على مدار اليوم ما بين 34 -41.7 درجة مئوية،يساعد ذلك على التحكم بمعدل التعرُّق، مما يسمح للجمل بالاحتفاظ بالماء أثناء ارتفاع درجات الحرارة.
يخزن الجمل كمية كبيرة من الحرارة نهارًا دون الحاجة لفقدان المياه، إذ يفقد هذه الحرارة ليلًا، حيث تنخفض درجات حرارة الصحراء.
خصائص الدم الفريدة
يلعب دم الجمل دورًا رئيسيًا في تكيفه، فلا تتغير لزوجته في حال أُصيب الجمل بالجفاف، ويبقى تكوينه وحجمه ثابتًا نسبيًا، وتبقى وظيفة الهيموغلوبين طبيعية، ويُعزى ذلك إلى كريات الدم الحمراء عديمة النواة التي تنتفخ وتتدفق بسرعة أكبر أثناء الجفاف، إضافة إلى أغشية خلايا الدم الحمراء ذات اللزوجة العالية التي تمنعها من التمزّق في حال تعرض الجمل للجفاف.
عملية أيض النيتروجين
يحتاج الجمل للعديد من العناصر للبقاء على قيد الحياة، ولا سيما النيتروجين الذي قد يفقده أحيانًا، بسبب افتقار نظامه الغذائي للبروتينات، أو فقدانه في أثناء التبول والجفاف، ويوجد النيتروجين بشكل رئيسي في مادة تُعرف باسم اليوريا، وتقوم الكلية بوظائف تحد من إفراز اليوريا أثناء التبول، علاوة على إعادة امتصاصها في الجهاز البولي.
تنتقل اليوريا المتكونة في الكبد إلى تجويف القناة الهضمية على شكل إفرازات، أو تمتصها جدران الأمعاء، وعندما تقل إمدادات البروتين من الغذاء، تتحلل اليوريا إلى الأمونيا، وثاني أكسيد الكربون، وتتحوّل الأمونيا إلى بروتين ميكروبي يمر عبر الأمعاء مساهمًا في إعادة تدوير النيتروجين في أثناء عملية الهضم.
الإفرازات
تُعد الإفرازات الهضمية أحد أبرز الإفرازات التي يتميّز بها الجمل، فتتشابه الغدد اللعابية للجمل مع الموجودة لدى الأبقار والأغنام من الناحية الشكلية والفسيولوجية، إلا أنها توفر جميع السوائل والقلويات اللازمة لعملية الهضم الميكروبي، وتتغير تركيبتها الكيميائية وفقًا لنوع الغذاء، ما يساهم في تسهيل عملية هضم الطعام أيًا كان نوعه.
علاوة على ذلك، تساعد الافرازات المعدية في الجمل على الاحتفاظ بالطعام في المعدة لأطول فترة ممكنة، وذلك بإفراز سائل يحتوي على أملاح قلوية يساهم في تحييد عمل الدهون الحمضية الموجودة في المعدة، ما يحد من هضم الطعام بشكل مفرط ويساهم بالاحتفاظ بجزء كبير منه مختمرًا في المعدة للاستفادة منه وقت الحاجة.
كما يتحكم الجمل بإفرازات العرق وتنظم الكلية عملية إفراز البول، ما يساهم في تنظيم درجة حرارة جسمه والاحتفاظ بالمياه قدر الإمكان.
مظاهر تكيف الجمل الجسمية
يُعرف التكيف الجسمي بأنه امتلاك الكائن الحي أجزاء خاصة من الجسم تساعد على بقائه حيًا في بيئته، كما يساهم بتكيفه واندماجه فيها، وفيما يأتي بعض المظاهر الجسمية التي تساعد الجمل على التكيف في الصحراء:
السنام
يستخدم الجمل السنام لتخزين الدهون ، وليس في تخزين الماء كما هو شائع لدى البعض، ويستفيد الجمل من الدهون المخزنة لاحقًا عن طريق تحويلها إلى طاقة، فعندما تكون الموارد الغذائية قليلة، تبدأ الدهون الموجودة في السنام بالتحلل لتزويد الجمل بالطاقة اللازمة للقيام برحلاته الشاقة عبر الصحراء.
قد تتلاشى الدهون في السنام خلال الظروف الصعبة وتنفرد على جانبي جسم الجمل، وتعود لوضعها الطبيعي عند التزود بالطعام.
الرموش الطويلة
تمتلك الجمال رموشًا طويلة تساعدها على التكيّف مع البيئة الصحراوية التي تعيش فيها، فهي تبقي رمال الصحراء بعيدة عن عيونها، فضلًا عن حواجبها الكثيفة التي تحمي عيون الجمل من شمس الصحراء الساطعة.
الأرجل الطويلة
تمشي الجمال بسرعة متوسطة، ويزيد وزنها عندما تتناول الماء والغذاء، لكن امتلاكها للأرجل الطويلة، والتي تتميّز باحتوائها على عضلات قوية تسمح لها بحمل الأوزان، والأحمال الثقيلة لمسافات طويلة.
الأقدام العريضة
تتميز أقدام الجمال بأنها عريضة، ويساهم ذلك في الحفاظ على توازنها أثناء مشيها على الرمال، إذ تسمح أقدام الجمال الضخمة لها بالمشي على الرمال بسهولة دون الغرق فيها أو التعثر بها.
تماثل آلية عمل أقدام الجمال الأحذية الثلجية، فتتيح للجمل قدرة التماسك على الرمال بقوة، وتقي الأظافر الموجودة على أقدامها من أخطار الطرق الوعرة.
الشفاه الغليظة
تتميز البيئة الصحراوية بندرة الغطاء النباتي وتحتوي على العديد من النباتات ذات الشوك، وتمتلك الجمال شفاه غليظة تساعدها على تناول هذه النباتات بكافة أنواعها دون أن تشعر بالألم.
الآذان المغطّية بالشعر
يُغطي الشعر آذان الجمل من الداخل والخارج، وكما هو الحال مع الرموش، فللشعر في الأذن دور مهم في منع رمل الصحراء أو الغبار من الدخول إلى أذن الجمل.
لون الجسم
يساعد لون فراء الجمال على اندماجها في بيئتها، فيتميز الفراء بلونه الفاتح الذي من شأنه أن يعكس الطاقة الضوئية، ما يقلل من انتقال الحرارة إلى جلدها عن طريق الإشعاع.
الوبر الكثيف
يمتلك الجمل وبرًا كثيفًا بطول 10 سم تقريبًا، ويساهم بحماية الجمل من الحرارة التي يتعرض لها نهارًا، ويحافظ على دفئه ليلًا أثناء انخفاض درجات الحرارة، ويتواجد الفراء الكثيف في الجزء العلوي من الجسم، بينما يتواجد الفراء الرقيق في أماكن أخرى، لتسهيل عملية فقدان الحرارة.
مظاهر تكيف الجمل السلوكية
يُعرف التكيف السلوكي بأنّه مجموعة من الإجراءات والسلوكيات التي تقوم الحيوانات بها بغرض البقاء على قيد الحياة في بيئاتها، ومن أمثلة ذلك السبات والهجرة، وفيما يأتي ي بعض المظاهر السلوكية التي تفعلها الجمال وتُساهم في تكيفها ضمن البيئة الصحراوية:
شرب كميات كبيرة من الماء
تتسم البيئة الصحراوية بندرة المياه فيها، ولذلك يُعد شرب كميات كبيرة من المياه أمرًا مهمًا تفعله الجمال للتكيف مع ذلك، إذ بإمكان الجمل شرب 113 لترًا من الماء خلال 13 دقيقة فقط، مما يجعلها أسرع الحيوانات الثدية في اكتساب الرطوبة لأجسادها.
التغذية على النباتات
تُعد الجمال من الحيوانات آكلة الأعشاب والنباتات، وهي ليست انتقائية بشأن الطعام الذي تتناوله، إذ تتميز البيئة الصحراوية بندرة الكائنات الحية فيها ولا سيما الغطاء النباتي، وتكثر فيها النباتات الشوكية، وهنا يأتي دور شفاه الجمال السميكة التي تسمح لها بالتغذّي على نباتات لا تستطيع باقي الحيوانات أكلها دون الشعور بأي ألم.
حرق الدهون عند الحاجة
يحتوي سنام الجمل على أنسجة دهنية تُستخدم في تخزين الطاقة والاستفادة منها أثناء عدم توافر العناصر الغذائية بسهولة، ويمكن استخدام احتياطيات الطاقة في سنام الإبل للتعويض عن نقص الماء والغذاء، فعندما يكون سنام الإبل ممتلئًا وثابتًا فهذا يدل على التغذية الجيدة.
بإمكان الجمل ذو السنام المُغذّى أن يعيش لمدّة تصل إلى أسبوعين دون أن يأكل أو يشرب، إذ يطلق دهن سنام الجمل طاقة مصحوبة بالماء عند الحاجة لذلك، فكل 9.3 غرام من الدهون تحتوي على 1.13 غم من الماء.
البصق
يُعد البصق أحد تكتيكات الدفاع عن النفس التي تشتهر بها الجمال عادةً، فعندما تشعر بوجود أي تهديد، تُخرج محتويات معدتها مع البصاق.
التكاثر
يدوم موسم تزاوج الجمال مدة 3 أشهر، ويتزاوج فيها الذكر المهيمن على القطيع مع الإناث، ويتولّى مسؤولية الدفاع عن القطيع وحمايته من الجمال المتطفلة، وغالبًا ما يكون موسم التكاثر في شهري آذار ونيسان، وتتراوح مدّة الحمل ما بين 360-440 يومًا، وبإمكان الجمال أن تلد نسلًا كل عامين.
السلوك الاجتماعي
تتميّز الجمال بأنّها حيوانات اجتماعية لا تعيش بمفردها، بل على شكل قطعان يترأسها ذكر مهيمن يتولّى مهمة الحفاظ على القطيع والإناث فيه من الجمال الأخرى، وذلك إمّا بقتالها، أو عضها، أو البصق عليها، وتعيش الجمال في مواطن تتراوح مساحتها بين 50-150 كم².
تسير الجمال بسرعة متوسطة، وأثناء مشيها يرتفع ساقاها الموجودان على نفس الجانب، ويهبطان في الوقت ذاته، وينتج عن ذلك حركة متأرجحة تُساعد الحيوانات الطويلة على السير في المناطق الوعرة، ويساهم في توزيع التوازن على جانبي جسم الجمل.
ختامًا، يُعد الجمل من الحيوانات التي تشتهر بقدرتها على التكيف في البيئة الصحراوية القاحلة، نظرًا للخصائص الشكلية والسلوكية التي يتميّز بها الجمل والتي تمنحه القدرة على العيش في مثل هذه البيئات والتكيّف فيها، ومنها: أقدامه وشفاهه العريضه، وسنامه الذي يخزن الطعام، وقدرته على البقاء دون ماء لمدّة طويلة، وغيرها العديد.
