كيف يقسم الميراث
كيف يُقسّم الميراث
الحقوق التي تسبق تقسيم الميراث
يُقصد بهذا النَّوع من الحقوق؛ الحقوق التي تكون للآخرين والمُتعلِّقة بالتَّركة، والتي يجب إخراجها من التَّركة وإعطاؤها لهم قبل البدء بتوزيع الإرث على الورثة ، وهذه الحقوق لها أنواعٌ عدّة نُبيِّنها على الوجه الآتي وبالتَّرتيب فيما بينها:
- الدُّيون التي تعلَّقت بأعيانٍ من التَّركة قبل الوفاة: وهذا النوع من الحقوق يتعلَّق بالدُّيون المُتعلِّقة بعينٍ من الأعيان التي يمتلكُها المُتوفَّى، وقد تَعلَّق الدَّيْن بها في حال حياته؛ ومثالٌ عليها "الرَّهن" ؛ فإن رهن الشخص عيناً لدى المُرتهِن مقابل دينٍ له عليه ثمَّ مات؛ فعندها يكون دين المُرتهِن مُقدَّمٌ على كلِّ حقوق الورثة، بل إنَّه مُقدَّمٌ أيضاً على تجهيز الميِّت وتكفينه.
- ومثالٌ آخر على هذا النوع من الحقوق؛ أنّه لو اشترى المُتوفَّى شيئاً حال حياته ولم يدفع ثمنه ولم يَقبض المبيع، فعندها يكون حقُّ البائع في استيفاء ثمن المبيع مُقدَّمٌ على بقيَّة الحقوق الأخرى. كما أنَّ حقَّ الزَّكاة التي وَجبت على المُتوفَّى ولم يقم بإخرجها حال حياته تَلحقُ بهذا النوع من الحقوق؛ فيكون استيفاؤها بعد موته من ماله الذي تركه مُقدَّمٌ على بقيَّة الحقوق الأخرى المُتعلِّقة بالتَّركة.
- تجهيز الميّت : فبعد استيفاء النوع الأوّل من الحقوق، يأتي حقُّ تجهيز الميِّت، ويُقدَّم على غيره من الحقوق؛ من ديونٍ وإنفاذٍ للوصيَّة وحقٍّ للورثة، وسبب ذلك هو أنَّ تجهيز الميِّت يُعدُّ واحداً من الأمور التي تتعلَّقُ بكرامة الإنسان والتي لا بدَّ منها لدفن الميِّت. ويدخل في التَّجهيز كلُّ ما يتمُّ إنفاقه على الميِّت منذ لحظة وفاته وحتى لحظة دفنه مثل: الكفن، وأجرة المُغسِّل، وأجرة حافر القبر ، بدون الإسراف في ذلك، وبما يُقدِّره الشرع.
- ولا بدَّ من الإشارة هنا إلى أنَّ تجهيز كلُّ من تجب على الميِّت نفقته يُلحق أيضاً بهذه النقطة؛ فلو ماتت زوجته أو أبنه الصغير قبل موته ولو بدقائق، فعندها يتمُّ تجهيزهما من مال المُتوفَّى أيضاً، وإن كان الميت فقيراً، فيكون تجهيزه على من تجب نفقته عليه حال حياته، وإن تعذَّر ذلك يُصار إلى بيت مال المسلمين، وإن تعذَّر ذلك أيضاً يُصار إلى أغنياء المسلمين.
- الدُّيون المُتعلِّقة في ذمَّة الميِّت: وهذه الدُّيون تختلف عن الدُّيون في النقطة الأولى والتي تعلّقت بعينٍ من أعيان الميت، فهذه الدُّيون تعلَّقت بذمَّة الميِّت لا بعينٍ من أعيانه، ولذا تُسمَّى أيضاً بالدُّيون المُطلقة أو الدُّيون المُرسلة لعدم تَعلُّقها بعينٍ من الأعيان، ويكون وقت استيفائها بعد تجهيز الميِّت، وتُقدَّم على الوصيَّة وحقِّ الورثة، وهذه الدُّيون قد تتضمَّن ديون في حقِّ الله -تعالى-؛ مثل: الكفَّارات ، والنُّذور، والزَّكاة، أو قد تكون ديوناً من حقِّ العباد؛ مثل: القروض وأجرة الدَّار وغيرها، هذا ويُقدَّم الدّين المُتعلِّق بحقِّ الله -تعالى- على الدّين المُتعلِّق بحقِّ العباد.
- الوصيَّة من ثُلث ما تبقَّى من المال: فهذا الحقُّ يَسبقه الدُّيون واستيفاؤها بالإجماع ، ولكنَّه يُقدَّم على حقِّ الورثة، ودليل ذلك قوله -تعالى-: (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)، وهي تحضُّ الورثة على تقديم إنفاذ الوصيَّة على حقوقهم في التَّركة؛ كي لا يتساهلوا فيها لأنَّها محضُ تبرُّعٍ من المُوصي وقد يَرون فيها مُزاحمةً لحقوقهم في الميراث فيتركوها.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ بعض الفقهاء قام بتقديم حقِّ تجهيز الميِّت على الحقوق كلِّها؛ ثمَّ ألحقها بالدُّيون المُتعلِّقة بالأعيان، وتليها الدُّيون المُطلقة والمتعلِّقة بذمَّة الميِّت، ثمَّ أخيراً إنفاذ الوصيِّة.
البدء بإعطاء أصحاب الفروض أنصبتهم
يُقصد بأصحاب الفُروض: الأشخاص الذين يَرثون نصيباً مقدَّراً في الشَّرع؛ أي أنَّ نصيبهم ثبت بدليلٍ قطعيٍّ من الكتاب أو السُّنة أو الإجماع. ويُطلق على نصيبهم أسماءً عدَّةً منها: الفرض، الحصِّة، السَّهم، والنَّصيب. ويبلغ عدد الفروض التي قُدِّرت في كتاب الله تعالى ستَّة فروض: النِّصف، والرُّبع، والثُّمن، والثُّلثان، والثُّلث، والسُّدس. ويُقسّم أصحاب الفروض إلى قسمين:
- القسم الأوَّل: أصحاب فروضٍ نَسَبيَّة؛ وهم الوارثون الذين يستحقُّون نصيبهم من الإرث بسببِ نسبهم وقُربهم من الميِّت، ويبلُغ عددهم عشرة من الأقارب وهم: الأب، والأم، والجدُّ الصَّحيح، والجدَّة الصَّحيحة، والبنات، وبنات الابن وإن نزل، والأخت الشَّقيقة، والأخت لأب، والأخ لأم، والأخت لأم.
- القسم الثاني: أصحاب الفروض السَّببيَّة؛ وهم الذين استحقُّوا سهامهم بسبب العلاقة الزَّوجيَّة ، وهم اثنان فقط: الزَّوج والزَّوجة. فمن كان من هؤلاء القسمين من أصحاب الفروض وارثًا وغير مَحجوبٍ ولا محروم؛ فعندها يتمُّ إعطاؤهم فروضهم أولاً من التَّركة قبل غيرهم من بقيَّة الورثة والوارثين بغير الفرض، ودليل ذلك قول الرَّسول محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (أَلْحِقُوا الفَرائِضَ بأَهْلِها، فَما بَقِيَ فَهو لأوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ).
ويبلُغ عدد أصحاب الفروض مُجتمعين اثنا عشر وارثاً؛ منهم أربعة رجال وهم: الزَّوج، والأخ لأم، والأب، والجد. وثمان نساءٍ وهنَّ: الزَّوجة، والأخت لأم، والأم، والجدَّة، والبنت، وبنت الابن، والأخت الشَّقيقة، والأخت لأب. ولكلٍّ من هؤلاء الورثة حالات متنوِّعة تتعلَّق بمقدار فروضهم من التَّركة، نُبيِّنها على الوجه الآتي:
- الزَّوجة : ولها حالتان؛ فهي إمَّا أن ترث الثُّمن في حال وجود فرعٍ وارثٍ لزوجها، ذكراً كان أم أنثى؛ والفرع الوارث الذَّكر يشتمل على الابن، وابن الابن وإن نزل، والفرع الوارث المؤنَّث يشتمل على البنت، وبنت الابن وإن نزل أبوها، وسواءً كان هذا الفرع الوارث من الزَّوجة نفسها أو من زوجةٍ أخرى له، وأمَّا إن لم يوجد الفرع الوارث منها أو من غيرها فعندها ترث الرُّبع، ودليل ذلك قوله -تعالى-: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم).
- الزَّوج : وله حالتان أيضا، ففي حال وجود الفرع الوارث لزوجته، ذكراً كان أم أنثى، منه أو من غيره، فعندها يرث الرُّبع، أمَّا في حال عدم توافر الفرع الوارث للزَّوجة فعندها يرث النِّصف، ودليل ذلك قوله -تعالى-: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ).
- البنت: وتتعدَّد حالات ميراث البنت لعدّة أحوال؛ حيث إنَّها ترث النِّصف إذا انفردت، والثُّلثان بالمُشاركة إن تعدَّدن؛ أي في حال وجود بنتان أو أكثر، وهذا يشمل أختها الشَّقيقة، وأختها لأب إن كان الميِّت الأب، أو أختها لأم إن كانت الميِّتة الأم، وذلك بشرط عدم وجود أخ ذكر يُعصِّبها، ويشمل ذلك الأخ الشَّقيق لها، أو الأخ لأب إن كان المُتوفَّى الأب، أو الأخ لأم إن كانت المُتوفِّية الأم.
- ومعنى التَّعصيب هنا أن تتحول البنت من صاحبة فرض ترث بفرضها المُقدَّر إلى أن ترث تَعصيباً مع أخيها كلُّ ما يتبقَّى من التَّركة بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم، ودليل ذلك قوله -تعالى-: (يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ).
- بنت الابن: وترث النِّصف إذا انفردت، والثُّلثين بالمشاركة في حال وجود أكثر من بنت لابن؛ سواءً كانت شقيقتها، أو أختها لأبيها، أو بنت عمِّها التي في نفس درجتها، فهؤلاء جيمعُهنُّ يُشاركن بنت الابن في الثُّلثين في حال تواجدن معها، وذلك بشرط عدم وجود المُعصِّب لها؛ ويشمل ذلك الأخ سواءً الأخ الشَّقيق أو الأخ لأب، كما يشمل أيضاً ابن عمّها الذي يكون في نفس درجتها، كما يُشترط أيضاً عدم وجود الحاجب لها؛ أي الشَّخص الذي يَحجبها من الميراث ويكون أولى به منها؛ ويشمل ذلك الابن، وابن الابن في حال كان أقرب منها درجة.
- ويُشترط أيضاً عدم وجود فرع وارث مؤنَّث يكون أعلى منها؛ وهذا يشمل البنت، وبنت الابن في حال كانت أقرب منها درجة. وأمَّا إن تواجدت بنت واحدة معها أو بنت ابن واحدة أعلى منها وقد ورثوا النِّصف فرضاً؛ فعندها ترث بنت الابن السُّدس بشرط عدم وجود المُعصِّب لها، ودليل هذه الحالة الأخيرة قول ابن مسعود -رضي الله عنه- فيها: (أقْضِي فِيهَا بما قَضَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، ولِابْنَةِ ابْنٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وما بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ).
- الأخت الشَّقيقة: وترث النِّصف إذا انفردت، والثُّلثين بالمُشاركة في حال وجود أكثر من أخت شقيقة، وذلك بشرط عدم وجود المُعصِّب لها؛ وهو أخوها الشَّقيق، كما يُشترط أيضاً عدم وجود الأصل الوارث من الذُّكور؛ ويشمل هذا كلّاً من الأب، والجد وإن علا، ويُشترط أيضاً عدم وجود الفرع الوارث المؤنَّث، ودليل ذلك قوله -تعالى-: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّـهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ).
- الأخت لأب: ترث النِّصف إذا انفردت، والثُّلثان بالمُشاركة في حال وجود أكثر من أخت لأب، وهذا يشمل أختها الشَّقيقة أو أختها لأبيها، وذلك بشرط عدم وجود المُعصِّب لها؛ وهذا يشمل إخوة الميِّت لأب سواءً كان ذلك شقيقها أو أخيها لأب، كما يُشترط أيضاً عدم وجود كلاًّ من: الأصل الوارث من الذُّكور، و الفرع الوارث مُطلقاً، والأخ الشَّقيق فأكثر، والأخت الشقيقة فأكثر، ودليل ذلك قوله -تعالى-: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّـهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ).
- وأمَّا إن وجدت أخت شقيقة واحدة وقد وَرثت النِّصف فرضاً؛ فعندها ترث الأخت لأب السُّدس بشرط عدم وجود مُعصِّب لها، ودليل هذه الحالة؛ أنَّ الله -سبحانه وتعالى- أعطى حصَّة الثُّلثين للأخوات في حال كنَّ اثنتين أو أكثر من ذلك، سواءً كنَّ شقيقات أَم أخوات لأب، فإذا وُجدت أخت شقيقة واحدة فعندها تأخذ النِّصف، وإن وُجد معها أخت لأب أو أكثر من ذلك فعندها تأخذ السُّدس تكملة الثُّلثين، وهو مقدار نصيب الأخوات.
- الأم: لميراث الأمِّ ثلاثُ حالات:
- الحالة الأولى لميراث الأم: أنَّها ترث الثُّلث بشرط توافر ثلاثة أمور: عدم وجود الفرع الوارث مُطلقاً، سواءً كان ذكراً أم أنثى، وبغض النَّظر عن عددهم، وعدم وُجود جمع من الإخوة أو الأخوات؛ ويُقصد بالجَمع اثنين فأكثر من الإخوة أو اثنتين فأكثر من الأخوات، وأيَّاً كانت صِفتهم: سواءً كانوا أشقّاء، أو لأب، أو لأم، وسواءً كانوا يستحقُّون الإرث، أم أنَّهم حُجبوا من قِبل غيرهم، كما ويُشترط أخيراً لهذه الحالة ألَّا تكون المسألة إحدى العُمريَّتين.
- الحالة الثّانية لميراث الأم: أن ترث السُّدس وذلك في حال وُجد الفرع الوارث مُطلقاً، أو وُجد جمعٌ من الإخوة أو الأخوات.
- الحالة الثالثة لميراث الأم: أن ترث ثُلث الباقي في مسألتين خاصَّتين يُطلق عليهما العُمريَّتين؛ وصورة المسألة الأولى: أن يَتواجد زوج وأب وأم؛ فهنا تأخذ الأم ثُلث الباقي بعد أن يَأخذ الزوج فرضه، وصورة المسألة الثانية: أن يتواجد فيها زوجة أو أكثر من زوجة، وأم وأب؛ فعندها تأخذ الأم ثُلث الباقي بعد أن تأخذ الزَّوجة فرضها، ودليل ذلك قوله -تعالى-: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ).
- الإخوة والأخوات لأم: ولهم حالتان؛ الأولى أن يرث الواحد منهم -أخاً كان أم أختاً- السُّدس في حال انفراده، والثانية في حال كانوا اثنين فأكثر -إخوةً أو أخوات أو أخاً وأختاً-؛ فعندها يَشتركون في الثُّلث وبالتَّسوية بين الذَّكر والأنثى، وكِلتا الحالتين يُشترط لها عدم وجود الفرع الوارث مُطلقاً، ذكراً كان أم أنثى، وعلَّة ذلك أنَّ تواجد الفرع الوراث يَحجب الإخوة والأخوات لأم حَجب حرمان.
- كما ويشترط عدم وجود الأصل الوارث المذكَّر، لأنَّ الأصل الوارث المذَّكر يقوم أيضاً بحجب الإخوة والأخوات لأم حجب حرمان، فبتواجدهم لا يرثون مُطلقاً. ودليل ذلك قوله -تعالى-: (وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ).
- الأب : ودليل ميراث الأب قوله -تعالى-: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ)، ولميراث الأب ثلاثُ حالات:
- الأولى: أن يرث السُّدس فرضاً، وهذا يكون في حال وجود الفرع الذّكر.
- الثانية: أن يرث السُّدس فرضاً والباقي تعصيباً بعد أخذ أصحاب الفروض فُروضهم، ويكون هذا في حال تواجد الفرع الوارث المؤنَّث، وإن لم يتبقَّ شيءٌ من التَّركة بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم فعندها يَقتصر إرثه على السُّدس.
- الثالثة: أن يرث بالتَّعصيب فقط؛ أي أن يأخذ باقي التَّركة بعد أخذ أصحاب الفُروض فُروضهم، ويكون هذا في حال انعدام الفرع الوارث نهائياً، وإن لم يتواجد صاحب فرض غيره، فعندها يَنفرد وحده بالتَّركة. وتجدر الإشارة إلى أنَّ الأب يُعدُّ حاجباً لجميع الإخوة والأخوات أشقاءً كانوا أو لأبٍ أو لأم.
- الجدُّ الصَّحيح: ويُقصد بالجدِّ الصَّحيح الجدُّ الذي يكون من جهة الأب وإن علا، والجدُّ الصَّحيح يأخذ مكان الأب في حال عدم تواجده، أمَّا إن وُجد الأب فيَحجب الجد، كما يَحجبه كذلك الجدُّ الصَّحيح الأقرب للميِّت منه، ودليل ميراث الجد وأنَّه يحلُّ محلَّ الأب إن لم يُوجد الأب قوله -تعالى-: (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ)؛ إذ إنَّ الله -تعالى- أطلق تَسمية الأب على الجد، ممَّا يدلُّ على أنَّه يقوم مَقامه. وتجدر الإشارة إلى أنَّ ميراث الجدِّ يُخالف ميراث الأبِّ في عدَّة أمور؛ منها المسألتان العُمريَّتان، فإن وُجد فيها الجدُّ بدلاً من الأب؛ فعندها لا ترث الأم ثُلث الباقي كما لو وُجد الأب بل ترث ثُلث جميع التَّركة.
- كما أنَّ الإخوة الأشقاء أو لأب يتمُّ حجبهم من قبل الأبِّ باتفاق العلماء، على خلاف الجدِّ؛ حيث اختلف العلماء في حَجبه لهم، فأبو حنيفة قال: إنَّه يَحجبهم أيضاً مثلُه مثل الأب، بينما قال الجمهور: إنَّ الجدَّ لا يَحجب الإخوة الأشقَّاء أو لأب بل يَرثون معه، أمَّا الإخوة لأم فيَحجبهم الجدُّ بالإجماع، وأخيراً يختلف الجد عن الأب في أنَّ الأب لا يُحجب حَجب حرمان مُطلقاً، بينما يتمُّ حجب الجدِّ حجب حرمان من قِبل الأب.
- الجدة الصحيحة: ويُقصد بها الجدَّة التي تَفرَّع عنها فرع وراث، والجدَّة الصَّحيحة ترث السُّدس بشرط عدم وجود الأم أو جدَّة أقرب منها، إذ في حال توافرهم مع الجدَّة الصَّحيحة يتمُّ حجبها من قِبلهم فلا ترث مُطلقاً، ويستدلّ أهل العلم بما ورد عن بريدة عن أبيه -رضي الله عنها-: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ جعلَ للجدَّةِ السُّدسَ إذا لم يَكُن دونَها أمٌّ).
الانتقال بعد أصحاب الفروض إلى العصبات
تُعرَّف العَصَبَة على أنَّها: الذَّكر من أقارب الميَّت والذي لم تتوسَّط في نِسبته إلى الميِّت أيُّ أنثى، ليكون بذلك عصبة المرء أبيه وأبناؤه وقرابته لأبيه، وأُطلق عليهم عَصبة لإحاطتهم بقريبهم ودفاعهم عنه. وفي علم الميراث يتم إطلاق مُصطلح العَصبة على من لم يُفرض له سهمٌ مقدَّر، بحيث يأخذ ما تبقَّى من التَّركة في حال وجود أصحاب الفُروض أو بعد أخذهم لفروضهم، وفي حال عدم تواجد أصحاب الفروض يَستأثر أصحاب العصبة بالتَّركة لوحدهم، وأمَّا إن لم يتبقَ من التَّركة شيء بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم؛ فعندها لا يرثون مُطلقاً، ومعنى هذا أنَّ مرتبة العَصبات تلي مَرتبة أصحاب الفُروض.
ومن أنواع العَصبات العَصبة النَّسبيَّة والتي تمَّ تعريفها كما تقدَّم، وأقارب الميت من الذكور ممَّن لم تتوسَّط بينهم وبين الميت أنثى، مثل الابن والأب والأخ والعم، والبنت تتعصَّب مع أخيها، والأخت تتعصَّب مع البنت. وقد ورد دليل توريثهم في كتاب الله في قوله -تعالى-: (يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْن)، وقوله -تعالى-: (وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ). وتنقسم العصبة النَّسبية إلى أنواعٍ ثلاثةٍ:
- عصبةٌ بالنَّفس: وتشتمل على كلِّ ذكرٍ قريبٍ للميِّت لا تتوسَّط في نِسبته إليه أنثى، وهؤلاء أربعُ جهات: جهة البُنوَّة التي تشمل الابن وابن الابن وإن نزل، وجهة الأبوَّة وهي جزء أبي الميت، وتشمل: الأخ الشَّقيق، والأخ لأب، وابن الأخ الشَّقيق، وابن الأخ لأب، وجهة الأخوَّة وهي جزء أبي الميت، وتشمل: الأخ الشَّقيق، الأخ لأب، ابن الأخ الشَّقيق، وابن الأخ لأب، وأخيراً جهة العُمومة، وتشمل على جزء جدِّ الميِّت من عمٍ شقيق، ثمَّ عمٍ لأب، ثم ابن العمِّ الشَّقيق، ثمَّ ابن العم لأب وإن نزلت درجته، ثمَّ عمُّ أبيه الشَّقيق أو لأب. وتجدر الإشارة إلى أنَّ جهة البنوَّة تُقدَّم أولاً، ثمَّ تليها جهة الأبوَّة، ثمَّ جهة الأخوَّة، ثمَّ أخيراً تأتي جهة العُمومة.
- وفي حال تعدَّدت العصبات واتّحدت الجهة؛ فيُقدَّم الأقرب منهم درجة، وأمَّا إن اتّحدوا في الجهة والدَّرجة يُقدَّم عندها الأقوى قرابةً؛ أي من تكون قرابته لأبوين، ثمَّ يَلحقه القريب من جهة الأب فقط، وبناءً على ذلك يتمُّ تقديم الأخ الشَّقيق على الأخ لأب. وأمَّا إن تعدَّدت العصبات واتّحدت الجهة والدَّرجة والقرابة؛ فعندها يستحقُّ جميعهم الميراث بلا أفضلية لأحدهم على الآخر.
- عصبة بالغير: وهنَّ النِّساء اللاتي يتعصَّبن بالغير؛ أي أنَّهن يُصبحن عصبةً بالغير لا بأنفسهنَّ، وهنَّ أربع نساء: البنت الصُّلبية، وبنت الابن في حال عدم وجود بنت صُلبية، والأخت الشَّقيقة، والأخت لأب في حال عدم وجود الأخت الشَّقيقة. فهؤلاء يتمُّ تعصيبُهنَّ من قبل إخوتهنَّ الذين يكونون في نفس قُوتهنَّ، باستثناء بنت الابن التي يتمُّ تعصيبها أيضاً -بالإضافة إلى إخوتهنَّ- من أبناء عُمومتهنَّ وأبناء إخوتهنَّ، وأبناء عمِّهنَّ في حال احتجن له في التَّوريث.
- عصبة مع الغير: وهي الأنثى التي تُصبح عصبةً مع أنثى غيرها، وهذا يشتمل على كلٍّ من الأخت الشَّقيقة أو لأب والتي تُعصَّب مع البنت الصُّلبية ومع بنت الابن، وسواءً كانت واحدةً أم أكثر من ذلك. وتجدر الإشارة إلى أنَّ العصبة مع الغير تَختلف عن العصبة بالغير؛ حيث إنَّ العصبة بالغير تكون مع عاصبٍ بنفسه مثل الابن، أمَّا العصبة مع الغير فلا يكون فيها عاصبٌ بنفسه.
ذوو الأرحام
يُقصد بذوي الأرحام أقرباء المُتوفَّى ممَّن ليسوا بأصحاب فرض ولا هم من ذوي العصبات النَّسبيَّة؛ فكلُّ قريبٍ للميِّت ليس بصاحب فرضٍ وليس عصبة يكون من ذوي أرحامه، وقد تعدّدت آراء الفقهاء في حُكم توريثهم؛ فمنهم من قال بتوريثهم وهم: الحنفيّة والحنابلة، بينما قال المالكيَّة والشَّافعية بعدم توريثهم؛ فعندهم إن مات شخصٌ وليس له أقارب أصحاب فرائض ولا عصبات يُردُّ ماله إلى بيت مال المسلمين ولا يُورَّث ذوو رحمه وإن وُجِدوا، وأمَّا إن لم يَنتظم بيت مال المسلمين فعندها فقط يتمُّ توريثهم استثناءً.
وأصل الخلاف في توريث ذوو الأرحام كان بدؤه في عهد الصَّحابة؛ حيث ذهب كلٌّ من زيد بن ثابت وابن عباس -رضي الله عنهم- إلى القول بعدم توريثهم، ووضع ما يتبقَّى من التَّركة في بيت مال المسلمين، وفي الطرف المقابل ذهب الكثير من الصَّحابة إلى توريثهم ومنهم: ابن عمر، وابن مسعود، والتّابعيين من مثل: عطاء ومجاهد، ولاحقاً الإمام أبو حنيفة والإمام أحمد، وجمهور الفقهاء، والمتأخِّرين من فقهاء المالكيَّة والشافعيّة وذلك بعد أن فسد بيت مال المسلمين.
وذوو الأرحام أصنافٌ أربعة، وتجدر الإشارة إلى أنَّ وجود صنفٍ من الأصناف الأولى يَحجب بقيَّة الأصناف الأدنى منه من ذوو الرَّحم؛ فإن وُجد الصنف الأول يَرث ولا يَرث الباقون وإن وجدوا. ويتمُّ ترتيب استحقاق ذوو الأرحام للميراث عند من قال بتوريثهم من العلماء على النَّحو الآتي:
- ذوو الأرحام الذين يَنتمون إلى الميِّت: وهذا يَشمل الفُروع؛ مثل أولاد البنات، وأولاد بنات البنين مهما نزلت درجتهم.
- ذوو الأرحام الذين يَنتمي الميِّت إليهم: وهم الأصول؛ مثل الجد غير الصَّحيح، والجدَّات غير الصَّحيحات، مهما علت درجتهم.
- ذوو الأرحام الذين يَنتمون إلى أبوي الميِّت: وهؤلاء فُروع أبويه؛ مثل أولاد الأخوات، وبنات الإخوة، وأولاد الإخوة لأم، مهما نزلت درجتهم.
- ذوو الأرحام الذين يَنتمون إلى أجداد الميِّت: وهؤلاء هم فُروع الأجداد؛ مثل العُمومة والخُؤولة، بغض النَّظر من أيِّ جهةٍ كانوا.
أهمية علم المواريث
يُعدُّ علم المَواريث من أهمِّ العلوم، وأجلّها شأنا، وأعظمها في الأجر، وأكثرها في الخُطورة، ولا أدلَّ على أهميَّتها من أنَّ الله -تعالى- قد حدَّد بنفسه الفُروض ومقاديرها، والمُستحقِّين لها، وبيَّن ذلك بالتَّفصيل، لئلَّا يتحايل أحدٌ على الشَّرع، أو يأكل القويُّ حقَّ الضَّعيف في الميراث؛ إذ إنَّ الأموال مَطمعٌ للنَّاس، ومَظنَّة الشِّقاق والنِّزاع، وقد يظلم أحدهم الآخر بسببه، فتلافياً لكلِّ ذلك تعهَّد الله -سبحانه وتعالى- توضيح كلِّ ما يتعلَّق بهذا العلم الجليل، ولم يَترك فيها باباً للرَّأي والهوى، فهو سبحانه أعلم بمن خلق: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
كما وحذَّر -سبحانه وتعالى- شديد التَّحذير من يتلاعب بالحصص والسهام المقدَّرة، أو من يأكل مال غيره، وتوعَّده بالعذاب الشَّديد، ونسخ ما كان يحدث سابقاً في الجاهلية من منع المرأة من حقِّها في الميراث، بل وتوزيعها مع الميراث كأنَّها عينٌ من الأعيان وليست بإنسان مكرَّم، فجاء الإسلام ليُبطل هذه العادات الجاهليَّة وأعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه. كما يختصُّ علم المواريث -أو كما يُطلق عليه أيضاً بعلم الفرائض - بالأحكام التي تَعقب موت الإنسان والتي تتعلَّق بالموت ، وهذا ممَّا يُعايشه النَّاس يوميَّاً، ممَّا زاد من أهميَّته وحاجة النَّاس إليه.