كيف كان الرسول سبباً لنفع البشرية
كيف كان الرسول سبباً لنفع البشرية
بَعث الله -تعالى- نبيّه مُحمداً -صلى الله عليه وسلم- رحمةً للعالمين ؛ من خلال دعوته للناس، وهدايتهم لما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة، فدعاهم إلى التوحيد وعدم الشرك، قال -تعالى-: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا)، وصبر على أذى قومه، وبقي في مكة ثلاثة عشرَ عاماً وهو يدعو إلى توحيد الله -تعالى-، ثُمّ بعد ذلك هاجر إلى المدينة وأقام فيها دولته القائمة على العدل والمُساواة والمحبّة، وكان يدعو أهل الكتاب إلى التوحيد، فبعث إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، وقال له قول الله -تعالى-: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)، وكانت دعوته لتحقيق السلام في جميع جوانب الحياة من خلال التوحيد، وإقامة العدل، والمساواة، وإزالة الظُلم، فكانت الأُمّة الإسلامية هي الأمة الوسط بين جميع الأُمم، لقوله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً).
ولمّا انحرف أهل الجاهلية عن التوحيد ، أرسل الله النبي محمداً -صلى الله عليه وسلم- لينقذ البشر من الجهل والشّرك، ويبيّن لهم الحق من الباطل، وليدعو جميع النّاس إلى التوحيد، ويهديهم إلى الطريق المستقيم، وهناك العديد من الأمور التي تميّزت بها الأمة الإسلامية، وكان لها الدور الأكبر في إصلاح البشر ونهضتهم، ومنها: عقيدة التوحيد، ومبدأ المساواة، وإعلان كرامة الإنسان، ومنح المرأة جميع حقوقها، والجمع بين الدين والدنيا، ومُحاربة اليأس، والدعوة إلى التفاؤل، والحثّ على استخدام العقل، وتعظيم شأن العلم. وقد ضمنت شريعة الإسلام التي دعا إليها النبيّ العديد من الحقوق للإنسان، ومنها:
- حق الكرامة الإنسانيّة: وهي أوّل المبادئ التي قامت عليها حُقوق الإنسان في الإسلام ، وهو ما يضمن عيش الإنسان في حياةٍ كريمة راقية، بعيداً عن الانحراف في السُلوك، ومن الأمثلة على ذلك قوله -تعالى-: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا).
- حق التوبة: وهو من الحُقوق التي يتميّز بها الإسلام عن باقي التشريعات الوضعيّة، فقد جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- رَجُلٌ يطلب منه إنزال عُقوبة الزنا فيه، فصرف وجهه -صلى الله عليه وسلم- عنه؛ ليجعل له فُرصة في التوبة، وبعد تكراره في الاعتراف وإصراره على طلب العُقوبة أُقيمت عليه، وعندما بدأ بتلقّي العقوبة ندم وهرب، لكن تَبِعه المأمورون بتنفيذ العقوبة، فقال النبي -صلى الله عليه- لهم: (هلَّا تركتموه، لعلَّه يتوبُ، فيتوبُ اللهُ عليه).
- حق الإنسان في حفظ نفسه، والابتعاد عمّا يُهلكُها ويُتلفُها، سواءً من الناحية المادية؛ كسلامة الجسم وأعضائه، أو المعنوية؛ كالكرامة والأفكار والمُعتقدات، فالإنسان مخلوقٌ مُكّرم، لقوله -تعالى-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ)، ولا يجوز الاعتداء على الآخرين بالقتل وغيره، لقوله -تعالى-: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا).
- حق حفظ المال وعدم الاعتداء عليه من أي شخص، لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)، وذلك يضمن سلامة المُجتمع وصلاحه.
- حق حفظ المصالح الحقيقيّة المُعتبرة: وهي حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال؛ لأنّها الأساس في حياة الإنسان.
- حق حُريّة الاعتقاد، لقوله -تعالى-: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ)، وقد قامت جميع الحقوق في الشريعة الإسلامية على العدل، وهو من أسماء الله الحُسنى ، لقوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ).
- الحُقوق الثقافيّة: فيتفكّر الإنسان في السماوات والأرض؛ ليكون إيمانه عميقاً ومبنياً على أساسٍ علميٍّ ومنطقيٍّ، فيعرف عظمة هذا الخلْق ودقّة صنعه، وينظر لنفسه بأنّه جُزءٌ من هذا الكون، وأنّه خليفةُ الله في أرضه، وهذا يُبيّن أهمية العلم، وأنه أساسٌ للكرامة الإنسانيّة، لقوله -تعالى-: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، وقد عالج الإسلام مشكلة الأُمّية، وأعلى من شأن العلم في حياة المسلم.
- الحُقوق الاجتماعيّة: ومنها كرامة الإنسان، وعدم التمييز بين إنسانٍ وآخر، وحُرية الاعتقاد وعدم الإكراه فيها، وحُرمة الاعتداء على بيوت الآخرين؛ فيجب الاستئذان قبل الدُخول إليها، وقد ضمن الإسلام للمرأة حُقوقها ؛ بمُساواتها مع الرجل في وِحدة الخلق، لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)، ومُساواتها معه في الحُقوق والواجبات تجاه بعضهم، وأعاد لها حقوقها التي كانت مسلوبةً منها قبل الإسلام في الحضارات السابقة.
- وقد حرّم الإسلام وأد البنات، وبيّن أنّ للمرأة الحُرية الكاملة في التصرُّف؛ كالتَّملُّك، والبيع، والشّراء، ولم يُفرّق بينها وبين الرجل في أهلية الولاية، لقوله -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ)، كما اهتمّ الإسلام بالأطفال وتنشئتهم تنشئةً صالحة، وهم من الفئات الضعيفة في المُجتمع، فضمِن لهم حق النفقة، واختيار الاسم المناسب لهم، وحق الرعاية الصحية، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (مَن عالَ ثلاثَ بَناتٍ، فأدَّبهُنَّ، وزوَّجهُنَّ، وأحسَنَ إليهِنَّ، فله الجَنَّةُ)، ولقد عالج الإسلام الرقّ والعُبوديّة بفتح باب العتْق على مصراعيه.
- الحُقوق السياسيّة: فحقوق الإنسان السياسية تعدّ من علامات النهوض والرقيّ في المجتمع؛ لأنّ الإنسان هو أساس السلطة وصاحب القرار فيها، وله الحق في التعبير والاختيار، ويعدّ السكوت عن المُنكر وعدم محاولة منعه من الذُنوب العظيمة في حق المجتمع، وسبباً من أسباب الهلاك، فيجب على الحاكم حماية حُقوق المواطنين، ورعاية مصالحهم بما يضمن الصلاح ودرء الفساد، والأمن وعدم الظلم في المجتمع.
- وقد حدّد القُرآن صلاحيات الحاكم بقوله -تعالى-: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه)، ويكون اختيار الحاكم مبنياً على ما جاء في أحكام البيعة والحُكم، وأوجب الإسلام للحاكم حُقوقاً على الرعيّة؛ مثل طاعته بالمعروف، وبذل النصيحة له، وتقديره، وأوجب للرعيّة حقوقاً على الحاكم؛ مثل حماية الإسلام، وإقامة شعائره، والعدل، وغيرها، وتجدر الإشارة إلى أهمية الشورى في الحياة السياسية، فقد قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
- الحُقوق المدنيّة: فالمجتمع المدنيّ مبنيٌّ على القضاء، والقضاء مبنيٌّ على العدل، والعدل يضمن حق الإنسان ويصون حياته، وهو أساسٌ للعمل، والإبداع، والعمران، ورقيّ وتحضّر المجتمعات، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، فمثلاً جريمة الزنا رغم ما فيها من اعتداءٍ على الأعراض والأنساب؛ إلا أنّه لا يُعاقب الفاعل في الشّرع إلا بعد ثبوت ارتكابه للفعل بأربعة شُهودٍ عُدول، ومن الحُقوق المدنيّة حق المُساواة وعدم التمييز بين النّاس؛ فلا تفاضُل بينهم إلا بالتقوى .
- الحُقوق الاقتصادية: فقد نظّم الإسلام الاقتصاد ورأس المال من خلال نهيه عن سيطرة بعض الأشخاص على المال دون غيرهم، وأوجب الزكاة على الأغنياء، وجعل على بيت مال المُسلمين واجب الإنفاق على المحتاجين وغير القادرين على الكسب.
حرص الرسول على هداية البشر
لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- الكثير من الأذى من المُشركين، ولكنّه كان حريصاً على دعوتهم إلى الإسلام، وكان يحزن بسبب إعراضهم وعدم استجابتهم للدعوة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّما مَثَلِي ومَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نارًا، فَلَمَّا أضاءَتْ ما حَوْلَهُ جَعَلَ الفَراشُ وهذِه الدَّوابُّ الَّتي تَقَعُ في النَّارِ يَقَعْنَ فيها، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ ويَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فيها، فأنا آخُذُ بحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وهُمْ يَقْتَحِمُونَ فيها)، ومن الأمور التي ساعدت على صبره وتحمّله؛ رحمته بالناس التي فطره الله -تعالى- عليها، وهمّته العالية في الدعوة، وتنويعه في أساليب الدعوة؛ كالترغيب والترهيب، وقد حرص على إسلام وهداية جميع الناس، وكان شديد الحرص على المؤمنين أكثر من غيرهم، قال -تعالى-: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، وكان أيضاً يشفق على المدْعوّين، ويدعو لهم بالهداية.
أسباب حب الرسول صلى الله عليه وسلم
توجد الكثير من الأسباب الداعية لمحبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومنها ما يأتي:
- محبّة النبيّ تابعةٌ لمحبة الله -تعالى-، فمحبة الله توجب محبة ما يحبّه -عزّ وجل-، قال -تعالى-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه).
- محبة الله -تعالى- له، واختياره للنبوّة، وجعله أفضل الخلق، وخاتم الأنبياء، قال -صلى الله الله عليه وسلم-: (مَثَلِي ومَثَلُ الأنْبِياءِ مِن قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيانًا فأحْسَنَهُ وأَجْمَلَهُ، إلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِن زاوِيَةٍ مِن زَواياهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ به ويَعْجَبُونَ له ويقولونَ: هَلّا وُضِعَتْ هذِه اللَّبِنَةُ؟ قالَ: فأنا اللَّبِنَةُ، وأنا خاتَمُ النبيِّينَ. وفي رِوايَةٍ: مَثَلِي ومَثَلُ النبيِّينَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ).
- محبّته من لوازم الإيمان وكماله، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن ولَدِهِ ووالِدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ).
- محبّته بسبب ما قدّمه للبشر، بإخراجهم من الظلمات إلى النور، وتعليمهم الخير، ومحبّته بسبب أخلاقه وصفاته الحسنة؛ كالرحمة، والشّفقة، والتيسير على الناس.