كيف عالج الإسلام مشكلة الفقر
الفقر
يعرّف الفقر بأنّه؛ عدم القدرة على الحصول على الحاجات الأساسيّة، أو عدم الوصول إلى المستوى الأدنى للمعيشة، ويمكن القول أنّه؛ العيش في حالةٍ من المرض، سوء التغذية ، والجهل، وارتفاع مستوى وفيّات الأطفال، التي تجعل من مباهج الحياة أمراً مستحيلاً، ومن الجدير بالذكر أنّ مستويات الفقر في العالم الإسلامي مترفعةٌ، ويرجع السبب في ذلك إلى البعد عن المنهج الإسلامي وما فيه من ترشيد الإنفاق، وحفظ النعمة، والسعي والإنتاج، بالإضافة إلى الأوضاع الصعبة التي يعيشها الكثير من المسلمين الذين هاجروا من أوطانهم وعاشوا كلاجئين؛ بسبب الحروب وتدهور الأوضاع الأمنيّة فيها، كما حصل في فلسطين، وأفغانستان، والصومال، وتشاد، وأوغنده، والحبشة، والفلبين، والأوضاع السياسية المتدهورة التي تؤدي إلى تضييع الكثير من الطاقات في إعادة الإعمار، والإصلاح.
منهج الإسلام في علاج مشكلة الفقر
يمكن القول أنّ الفقر أحد أكثر المشاكل الاجتماعية والاقتصادية انتشاراً في أنحاء العالم، فلا تكاد يوجد بلدٌ من البلدان غنياً كان أم فقيراً، متطوراً أم متخلّفاً، إلا وفيه نسبةٌ من الفقر، كما أنّ للفقر آثار تهلك الكثيرين في حال عدم التصدي له؛ ولذلك عالج الإسلام الفقر بوسائل عديدةٍ، منها: المساواة بين جميع الطبقات، والأجناس، والألوان في الكرامة الإنسانيّة؛ بحيث تكون المفاضلة على أساس التقوى ، والإنتاج، والعمل الصالح، بالإضافة إلى ترسيخ مبادئ التكافل الاجتماعي؛ من خلال إيجاد حلولٍ عديدةٍ، ومنها:
- تخصيص نسبةٍ من أموال الزكاة للفقراء: حيث أوجب الله تعالى أموال الزكاة للفقراء سواءً كانوا مسلمين أو من أهل الذمة أو كبار السنّ أو النساء، تُأخذ من الأغنياء، وجعل ذلك المال حقاً للفقراء، حتى لا يكون لأحدٍ من الناس مِنّةٌ عليهم، فقد قال الله تعالى:(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، وقد سار الخلفاء الراشدون على نهج النبوّة في تفقّد أحوال الرعيّة وتقديم العون لهم بأنفسم، كما حصل عندما كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يتفقّد الرعيّة في إحدى الليالي، فسمع صوت طفلٍ يبكي، فأمر مساعده بأن يطلب من أمّ الطفل أن تسكته، فكان ردّ الأمّ أنها تريد فطام طفلها؛ لكي يُصرف له عطاء فطيمٍ من بيت مال المسلمين، فأمرها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بإرضاعه، وفي اليوم التالي أمر بأن يُصرف لكلّ مولودٍ عطاءٌ مع عطاء أبيه، ومقدار ذلك العطاء: مئة درهم، ويزداد ذلك العطاء كلّما كبر المولود، وبقي الحال كذلك في خلافة من بعده.
- الصدقة: فقد شجّع الإسلام على الصدقة بشكلٍ عامٍّ، كما قال النبيّ عليه الصّلاة والسّلام:(ما من يومٍ يصبحُ العبادُ فيه، إلا ملَكان ينزلان، فيقول أحدُهما: اللهم أعطِ مُنفقًا خلفًا، ويقول الآخرُ: اللهم أعطِ مُمسكًا تلفًا)، وحضّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على الإنفاق على الأقارب الذين لا تجب النفقة عليهم، إذ إنّ الصدقة عليهم مضاعفة الأجر، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ، وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ؛ صدَقةٌ وصِلةٌ)، بالإضافة إلى التصدّق على الجيران، وحذّر من إهمال الجار الفقير الذين ينام جائعاً.
- السعي والعمل: إذ إنّ الإسلام فرض على الحاكم المسلم أو من ينوب عنه، توفير فرص العمل للشباب القادرين عليه، وأوجب عليه متابعة أحوالهم بعد ذلك، كما أنّ الإسلام شجع الشباب على العمل، والسعي لطلب الرزق، بغض النظر عن طبيعة العمل، ما دام مشروعاً، واعتبر ذلك من العبادات التي يُثابون عليها؛ لأنّه يعود بالنفع عليهم وعلى من يعولون، فقد عمل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في رعي الأغنام والتجارة، وكان -عليه الصّلاة والسّلام- يقول:(لَأَنْ يأخذَ أحدكم حَبْلَهُ، فيَأْتِي بحِزْمَةِ الحطبِ على ظهرِهِ فيَبيعها، فيَكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ، خيرٌ لهُ من أن يسألَ الناسَ، أعطوهُ أو منعوهُ)، كما وبيّن النبيّ -عليه الصّلاة والسلّام- أنّ أفضل الطعام؛ ما يؤكل من عمل اليد، حيث قال:(ما أَكَلَ أَحَدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكلَ من عملِ يدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليهِ السلامُ كان يأكلُ من عملِ يدِه)، وعمل الصحابة -رضي الله عنهم- في أعمالٍ مختلفةٍ؛ كالزراعة والتجارة، وتجدر الإشارة إلى أنّ الإسلام قد حرّم التسوّل ، واعتبره عاراً على المسلم، إلا في ثلاث حالاتٍ، كما في قول النبيّ عليه الصّلاة والسّلام:(إنَّ المسألةَ لا تصلُحُ إلا لثلاثٍ، لذي فقرٍ مُدقِعٍ، أو لذي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أو لذي دَمٍ مُوجِعٍ).
- صلة الرحم: حيث أوجب الإسلام على الأغنياء تفقد أحوال أقاربهم الذين أصابهم الفقر؛ بسبب وفاة المعيل لهم، أو كبر سنهم وشيخوختهم، كما قال الله تعالى :(وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ)، بالإضافة إلى أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- وعد الواصل لرحمه بسعة الرزق، حيث قال:(مَن أحبَّ أن يبسُطَ لَه في رزقِه، ويُنسَأَ لَه في أثَرِه؛ فليَصِلْ رَحِمَهُ).
تعامل النبيّ مع الفقر
علّم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الناس أنّ المال مال الله تعالى، فيجب ألّا يتمكّن من القلوب، حيث كان -في أغلب الأحيان- يُنفق ما يأتيه من المال في سبيل الله، ويتحمّل صعوبة الحياة، ويكتفي بالميسور من التمر والماء، وكذلك عاش أصحابه رضي الله عنهم، وممّا يدلّ على ذلك؛ حديث عائشة رضي الله عنها، حيث قالت لابن أختها عروة بن الزبير رضي الله عنهما: (إنْ كنا لننظرُ إلى الهلالِ، ثمّ الهلالِ، ثلاثة أهِلَّةٍ في شهرينِ، وما أوقِدَتْ في أبْياتِ رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- نارٌ، فقال: يا خَالَةُ، ما كان يُعِيشُكم؟ فقالت: الأسودانِ؛ التمرُ والماءُ).