كيف تصنع مسبحة
المسبحة
تُعرَّف السُّبحة أو المِسْبَحة بأنّها عبارة عن قلادة تتكوّن من خَرَزات مثقوبة، يتمّ جمعها بواسطة خيط يمرُّ من خلال هذه الثقوب، ليتشكّل منها حلقة تُجمَع في النهاية بقبضة، وتُعدّ السُّبحة من الدلالات الدينيّة التي عرفتها الحضارات القديمة منذ ما يُقارب 5000 سنة، كالحضارة السومريّة، والفرعونيّة ، والهنديّة، والفارسيّة، وغيرها، كما أنّ الحُجّاج المسلمين على اختلاف هويّاتهم ومُعتقداتهم، اهتمّوا بشرائها من أرض الحرمين، وذلك كتذكار لذويهم، بل وتنافس المُتديِّنون الإسلاميّون على حملها؛ لتكون علامة من علامات التقوى والإيمان، على الرغم من أنّ بعضهم يُنكِرُ استخدامَها؛ باعتبارها بدعة مُستحدَثة وُضِعَت للتسبيح ، وتُشبه إلى حدٍّ كبير مُتعلّقات الديانات الأُخرى، إلّا أنّ المِسْبَحة قد كَسَرَت هذا الحاجز.
تختلف المِسْبَحة من حيث أشكالها، وألوانها، وأحجامها، كما تختلف أسعارها باختلاف المادّة التي يتمّ صُنعها منها، فكلّما كانت مُتقنة الصُّنع، وأحجارها مُلفتة للنّظر، كانت أغلى ثمناً، وعلى الرغم من أنّ الغرض منها عبادة الله تعالى، إلّا أنّها أصبحت كالمجوهرات، يتحدّد ثمنها من خلال حجمها، وما تحتويه من أحجار كريمة ، ومن أشهر المسابح على مَرّ التاريخ؛ سُبحة زبيدة بنت جعفر المنصور؛ إذ تمّت صناعتها من تواقيت رمانيّة، كالبنادق، كما اشتُهِرت سُبحة هارون الرشيد المصنوعة من عشر حبّات من اللؤلؤ، بينما يبلغ ثمن أغلى سُبحة في العالم 156000 دولار؛ فهي مصنوعة من الزمرد، ويمتلكها رجل سعوديّ.
كيف تصنع المسبحة
تتكوّن المِسْبَحة من خامة رئيسيّة، وهي خامة الحبات، ويمكن تطعيمها بخامة أخرى، حيث تُفضّل متانة الخامة؛ وذلك لأنّ المِسْبحة تتحرّك من مكان إلى آخر، وحتّى لا تتعرّض للكسر، كما أنّ من المهم استخدام خيط قويّ لجمع حبّات المسابح فيه، والابتعاد عن استخدام خُيوط تتسبَّب في انفراط حبّاتها بسهولة، أمّا الخامات فتكون عبارة عن: خامة المِسْبَحة الرئيسيّة، والصنفرة، والمقصّ، بينما الأدوات فتحتاج إلى: مقصّ، وزاوية، وإبرة، وخيط من البلاستيك ، أو المعدن، أو القُطن -ويراعى سمكه-، وفرشاة التلميع، ومثقاب، ومنشار، وماكينة تدوير حبّة المِسْبَحة، وتمرُّ صناعة المِسْبَحة بعدّة مراحل، هي على النحو الآتي:
- مرحلة التثقيب بواسطة ماكينة خاصّة.
- الرّسم بواسطة قلم الرابيدو، والتحديد بقلم رصاص، ثمّ يبدأ التثقيب، والدقّ فوق النَّقْش بالبنطة، ومن ثمّ تطعيمها بالفضّة ، أو الأحجار، أو أيّ نوع من المعادن، ثمّ يتمّ تلميعها.
- إدخال المعدن بالقصافة.
- تجهيز الكوك بالخَرْط، والصِّباغة.
- مرحلة المأذنة، باستخدام المِبرَد، وموتور لفّ القطعة.
- مرحلة تجميع الحبّات باستخدام خيوط بلاستيكيّة، أو معدنيّة.
- الشرابة، وهي عبارة عن إضافة مُلحَقات أخرى عند نهاية عُقدة خيط المِسْبَحة؛ لإضفاء لمسة جماليّة إضافيّة عليها.
إنّ أشكال الحبّات التي تتكوّن منها المِسْبَحة تختلف من بلد إلى آخر؛ فمنهم من يُفضّل أن تكون الحبّات كبيرة، كالعراقيّين، بينما يُفضّل الأتراك الحبّات الصغيرة، أمّا في مصر فإنّهم يميلون إلى الحبّة ذات الحجم المُتوسِّط، والسُبحة تَستلهمُ اسمها من شكل الحبّة، حيث تتنوّع الأشكال وتتعدّد لتشمل: الزيتون، وعين الكتكوت، وكمثرى، وترمس، وبيضاوي، وتركي (إسطمبولي)، وخرطة فلاحي، وبلية، وزتونة استمبولي، وشكل هندسي (مُربّع أو دائري)، وكانت خامات المسابح في الماضي تُصنَع من القواقع، والطين الأحمر، والطين الأبيض، والعاج، والبذور، والزجاج .
والمسابح قد تكون مصنوعة من الأحجار الكريمة، كالفيروز ، والزمرُّد، والعقيق، والكهرمان، كما أنّ الخشب يدخل في صناعتها، ويُناسب كلّ الفئات، ومن الأمثلة عليه: خشب الزيتون، وخشب الكوك، وخشب الأبنوس، كما تُستخدَم المعادن في صناعتها، كالذهب، والفضّة، والألومنيوم، والمُخلّفات المعدنيّة من خردة، وأسلاك، كما دخلَت الخامات الصناعيّة في تشكيل المسابح، كالمسابح البلاستيكيّة التي تتميّز بثمنها الرخيص، كما يمكن استعمال الخَزَف والجِبْس في صناعتها أيضاً.
المسبحة في الأديان السماوية
تقول المصادر المعرفيّة أن السُّبحة دخيلة على الأديان السماويّة ، لكنّها معروفة منذ عام 800م، حيث كانت من وسائل التعبُّد لدى البوذيّين؛ إذ كانت تَربطُ الصلوات اللفظيّة بالصلوات الفعليّة، ومن ثمّ انتقلت إلى البراهمة في الهند، وغيرها، ومن ثمّ إلى النصارى عند القِسِّيسين، والرُّهبان، والراهبات، ومن الهند انتقلت إلى غرب آسيا، وتتكوّن المِسْبَحة عند المسيحيّين الكاثوليك من خمسين حبّة صغيرة، وهي مُقسّمة إلى أربع حبّات كبيرة، وإلى أقسام مُتساوية، ويتدلّى من المِسْبَحة قلادة تتكوّن من حبّتين كبيرتين، وثلاث حبّات صغيرة، وصليب، بحيث تُستخدَم الحبّات الكبيرة في ترتيل صلوات الرب، وتُستخدَم الحبّات الصغيرة في ترتيل صلوات مريم العذراء ، وتُسمّى هذه الصلوات بالسلام المريميّ.
أمّا المسلمون، فلم يعرفوها عند أوّل ظهور الإسلام ؛ إذ كانوا يحسبون أذكارهم إمّا باستخدام أنامِلِهم، أو الحصى، أو نواة البلح، أو الأشجار، أو باستخدام الخيوط المعقودة، حيث يقول العلّامة الزبيديّ فيما نقله عن شيخه، إنّ المِسْبَحة لم يكن يعرفُها العرب، وإنّما حدثت في الصدر الأوّل لتعين على الذِّكر، ومن ثمّ بدأَت تدخلُ بين المسلمين في القرن الثاني للهجرة، ويظهر ذلك جليّاً في شعر أبي نوّاس عندما ذكرها وهو في السجن، لدى مخاطبته للوزير ابن الربيع بها.
وفي القرن الخامس للهجرة انتشرَت المِسْبَحة لدى الطائفة الصوفيّة ، وصارت من اختصاص النساء الصوفيّات، إلى أن انتشرَت بعدها، واستحسنَ استعمالَها، وأصبحت وسيلة لذِكر الله الخالص وليس الرياء، وعدد حبّاتها 99 خرزة، وهناك السُّبحة الثلثيّة، والتي تتكوّن من 33 خرزة، والسُّبحة الألفيّة، والتي تتكوّن من 1000 خرزة، والتسبيح يكون ثلاثاً وثلاثين مرّة، والتكبير أربعاً وثلاثين مرّة، والتحميد ثلاثاً وثلاثين مرّة، فيكون مجموعها مائة، والمِسْبَحة لدى اليهود لا فرق بينها وبين مسابح المسلمين، إلّا أنّها تختلف في عدد الحبّات، حيث تتكوّن من 45 حبّة.