كيف أقوي علاقتي بالله
علاقة العبد بربه
لا شيء أعظم من تعلّق قلب المؤمن بربّه عز وجل، فلا إيمان ولا عبودية إلا بتعلق العباد بالله من جهة ربوبيته وإلاهيته، ويتضمن ذلك معنى الافتقار والحاجة إليه سبحانه، فيحصل الخشوع والخضوع والتوكل والغِنى بالله سبحانه، والغاية من خلق الله للناس هي العبادة، وتكون عبادة الله بتوحيده وجعل العبودية له وحده لا شريك له، ونفي تعلّق القلب بأي شيء سِواه، والمتعلّق بالله يجد ألطاف الله وكرمه وعنايته؛ فلا يخذله الله في المواقف الشديدة، ويفرّج ضيقه، ويوسّع عليه مخارجه، ويحفظه ويتولّاه، لكن من تعلّق بغيره فمصيره الخذلان والحرمان، والأهم من اعتناء الإنسان بعلاقته مع الناس هو اهتمامه بالعلاقة الأصل، وهي علاقته مع الله، حيث أن العلاقات الأخرى لا يمكن لها أن تكون ثمارها صالحة إلا إذا صلحت العلاقة مع الله، فلما طلب معاوية بن أبي سفيان من عائشة أم المؤمنين أن توصيه، كتبت إليه أنها سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: (منِ التمسَ رضا اللَّهِ بسَخطِ النَّاسِ كفاهُ اللَّهُ مؤنةَ النَّاسِ، ومنِ التمسَ رضا النَّاسِ بسخطِ اللَّهِ وَكلَهُ اللَّهُ إلى النَّاسِ).
ونرى الكثير من الناس مَن إذا حضر أقبل عليه الناس، وإذا ذُكر أثنوا عليه، تحبه قلوبهم وتمدحه ألسنتهم، وربما لم يلتقوا به، ولو تم البحث عن السبب في ذلك لكانت علاقته مع الله، والعكس من ذلك صحيح، فمن أحبه الله نادى جبريل أن يحبه، ثم أمر ملائكة السماء أن تحبه، فيحبه أهل السماء وينشر محبته بين أهل الأرض، وعليه فإن المسلم إن كانت علاقته مع الله صالحة؛ كانت أموره ميسّرة، ودعواته مستجابة، وأحواله صالحة، والإنسان حين يكون مع الله في الرخاء يكون الله معه في الشدة، فسيدنا يونس مثلاً؛ لو أنه لم يكن من المسبحين لأبقاه الله في بطن الحوت إلى يوم البعث ، وفارق كبير بين من تكون علاقته مع الناس قوية وسمعته بينهم طيبة، وعلاقته مع الله هشّة ضعيفة، ولو احتاج أمراً كان الناس هم خياره وملجأه الأول، وبين من يوقن أن النفع والضر كلّه بيد الله تعالى.
قوة الصلة بالله وأثرها على النفس
تعدّ النفس مصدر السلوك والتوجيه في الإنسان حسب ما يُملي عليها العقل من أفكار وصبغات، والاعتناء بالنفس لا يتنافى مع ما يحتاجه الجسد من المتطلبات الضرورية له؛ كالأكل والشرب، أو المطالب المعنوية للعقل وغيرها، وعلى الإنسان أن يهتم فيها حتى يحقق التوازن المادي والروحي، فتكتمل بذلك إنسانيته حتى يصل إلى الكمال البشري، ولقد اعتنى القرآن الكريم بالنفس من خلال تصحيح العقيدة الإسلامية ، وربط الإنسان مباشرة مع ربه وزرقه الاطمئنان في قلبه من خلال الإكثار من ذكره، قال تعالى: (أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ)، حيث إن ذكر الله يحقق الاطمئنان، ويهذّب الانفعالات التي تصدر عن الإنسان في مختلف أحواله.
فالإنسان بطبعه مجبول على الجزع وشدّة الحرص، إن أصابه المكروه والعسر والشدّة كان كثير الجزع والأسى، وإن أصابه الخير واليسر، كان كثير الخوف والإمساك، إلا المقيمين الصلاة من المسلمين، المحافظين على أدائها في أوقاتها التي قررها الشرع، حيث لا يلهيهم عنها شاغل من أمور الدنيا، والذين في أموالهم نصيب مقدر من أجل أداء حق الله فيها وهو الزكاة ، وفي قلوبهم إيمان بيوم الحساب وخوف من عذاب ربهم الذي لا يأمنه أحد، فيستعدون له بالأعمال الصالحة، فقد ذكرهم الله -تعالى- في كتابه، فقال: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا* إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ....).
فهذه هي الصورة التي رسمها الخالق للنفس الإنسانية حين يكون قلب الإنسان فارغاً من الإيمان، بعيداً عن الله تعالى، فلا يتبع ما أنزل الله إليه، ولا يهتدي بهديه، ولا يسير على نهجه، إلا من كان منهم متصفاً بالصفات الواردة في الآيات السابقة، وعلى رأس هذه الصفات الصلاة والمداومة عليها، ومن المعلوم أن هذه العبادات لا تحقق أثرها في النفس الإنسانية إلا بالمداومة والاستمرار، فهي بمثابة الغذاء الروحي للقلب، والغذاء الروحي كالغذاء الجسدي، لا ينتفع الإنسان منه إلا بالمداومة عليه بانتظام، فالصلاة مثلاً لا تؤتي ثمارها إلا بأدائها على أحسن وجه من الإتقان والإخلاص بطريقة منتظمة في المواعيد التي حددها لها الشرع، وفي المقادير أيضاً دون زيادة ولا نقصان.
طرق صلاح النفس والاستقامة
إن صلاح النفس البشرية واستقامتها يحتاج من الإنسان بذل الجهد ومجاهدة النفس والصدق والإخلاص، فالفتن في زماننا كثيرة ولا يسلم منها أحد، وترك النفس وعدم محاسبتها يؤدي بها إلى الهلاك، وهناك العديد من الأمور التي لو حرص عليها الإنسان وتبعها، كانت له طريقاً لصلاح النفس، وفيما يأتي بيان لهذه الأمور بشكلٍ مفصّل:
- الصحبة: فالمرء على دين خليله، إن كان صاحبه صالحاً كان صالحا، وإن كان فاسداً فهو فاسد مثله، والصحبة من أهم العوامل التي تؤثر على صلاح النفس أو فسادها؛ فهي التي تشكل شخصية الإنسان، ويستقي منها الفهم والفكر والسلوك، فعلى المرء أن يحذر عند اختيار من يصاحب.
- الاستفادة من الوقت: حيث إن الوقت هو التجارة التي يتاجر بها الإنسان مع ربه، فإن ضيع وقته ضاع عمره، ومن الناس من عرف قيمة الوقت فاستغله، ولا يزال ذكره باقياً على ما قدمه من الخير لأمته.
- العلم : فالعلم شريف ويشرّف من يتصف به، والله -عزّ وجلّ- رفع من شأن العلماء وفضّلهم على غيرهم، فقال: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، وإن الملائكة في السماء والحيتان في البحار لتستغفر لمعلمي الناس الخير، فالله -عزّ وجلّ- لم يُعصى بشيء مثل الجهل، والعلوم المحمودة لا تقتصر على العلوم الشرعية فحسب، فالعلوم في جميع مجالاتها شرّفها الله تعالى.
- الإكثار من النوافل : فيجعل الإنسان من وقته حيزاً للطاعة، ويعوّد نفسه على كثرة الذكر، فإنّ النفس إذا تعوّدت على الطاعة نفرت من المعصية، قال رسول الله: (وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه)، فمن أراد الصلاح والاستقامة فليسلك طريق الله، فهو في معيّته وعونه.
- تذكّر الموت والآخرة: فالمؤمن النبيه يعلم أن هذه الدنيا فانية، فيجتهد في كل أعماله من أجل نيل الفوز في الآخرة، لأن حصاد هذه الأعمال يبدأ بعد الموت، فلا يشغل نفسه في الدنيا ولهوها ومتاعها المنقطع، بل يشغلها بما هو أولى وأنفع لمعاده، ويكون حاله دائم الشكر لربّه، والشعور بالتقصير والندم على الساعات التي مضت من عمره ولم يستثمرها بالعبادة وذكر الله تعالى.