كيف أقوي ثقتي بالله
كيف أُقوّي ثقتي بالله
كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يُعلّم الصحابة الكِرام -رضي الله عنهم- الثقةَ بالله -تعالى-، ومن الأمور التي تزيد الثقة بالله -تعالى- ما يأتي:
- حُسن الظنّ به -تعالى-؛ لِما جاء في الحديث القُدسيّ، قال -عليه الصلاة والسلام- على لسان ربّه: (أنا عندَ ظَنِّ عَبدي بي ؛ فَلْيَظُنَّ بي ما شاءَ). بالإضافة إلى تسليم أموره جميعها لخالقه؛ لأنّه يعلم كُلّ شيء، ولا تخفى عليه خافية، والاعتقاد الجازم بأنّه يُريد له الخير دائماً، حتى وإن كان يرى بعض الأمور في ظاهرها الشرّ؛ فاختيار الله -تعالى- له أفضل من اختياره لنفسه، مع تحلّيه بالصبر فيما يُصيبه من مصائب؛ لأنّه مُوقِنٌ بأنّها زائلة؛ قال -تعالى-: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً).
- كثرة ذِكره -تعالى-، مع معرفة أسمائه، وصفاته؛ فالإنسان الذي يعرف ربّه ، تجده أكثر الناس توكُّلاً عليه؛ ولذلك كان الأنبياء هم أكثر الناس توكُّلاً على الله -تعالى-؛ لأنّهم يعرفونه حَقّ المعرفة، ويعلمون أنّ كُلّ شيءٍ بِيَده، وقد كان من دُعاء النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بعد كُلّ صلاة مفروضة قوله: (اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِما أعْطَيْتَ، ولَا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ، ولَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ)، والإنسان الذي لا يعرف ربَّه، ولا أسماءه، ولا صفاته، تجده يُسيء الظنّ به، ومن ذلك أنّ الذي يثق بأنّ الله -تعالى- هو الرزّاق والمُنعِم، لا يخاف على رزقه؛ فقد قال -عزّ وجلّ-: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ).
- المُحافظة على العبادات بأنواعها جميعها، كأداء الفرائض، والسُّنَن، وقراءة القُرآن؛ لأنّ ذلك في ذلك تثبيتٌ لقلب المسلم، وإبعادٌ لوساوس الشيطان عنه، كما يحرص المُسلم على الإكثار من قول: "لا حول ولا قوّة إلّا بالله"؛ لِما فيها من اعتراف بضَعف العبد أمام قوّة الله -تعالى-، بالإضافة إلى أنّه يُبعد عن نفسه التكبُّر والثقة الزائفة، ويلتزم بتعظيم الله -تعالى-، ومَحبّته؛ فقد قال -تعالى-: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)، والذي يحول بين العبد وقلبه، قادرٌ على تغيير حاله.
- الرضا بما قسم الله -تعالى-، وأن يكون ما عند الله -تعالى- أوثق مِمّا عند العبد، مع اليقين بأنّ الله -تعالى- مُطَّلعٌ عليه، وهو العالم بقلبه، وبجوارحه جميعها.
- كثرة الدُّعاء ؛ قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
- الاقتداء بأهل الصلاح، وأصحاب العزيمة، والدِّين؛ لِما في ذلك من تشبُّه بهم؛ فقد قال لقمان الحكيم لابنه: "يا بني كُن عبداً للأَخيار ولا تكن خَليلاً للأَشرار".
- توجيه القلب لله -تعالى-، وإخراج ما سواه منه، مع الاعتماد عليه فقط، بالإضافة إلى تمكين الإيمان الذي يدفع صاحبه إلى تحمُّل مَشاقّ العبادة، والبُعد عن الحرام، مع عِلم المؤمن أنّ كُلّ شيءٍ بِيَد الله -تعالى- وحده؛ فلا أحد يضرُّه، أو ينفعه إلّا هو، إلى جانب عِلمه أنّ مشيئة الله -تعالى- هي التي تسير في ما يكون، أو لا يكون.
- تعلُّق المؤمن بخالقه فقط، ومُراقبة نفسه في أفعاله، وتصرُّفاته جميعها، مِمّا يُؤدّي به إلى مَحبّة الله -تعالى-، والتي تُعَدّ الطريق المُوصل إلى الثقة به، والتي هي ثمرة المَحبّة؛ من خلال التحرُّر من التعلُّق بالخَلْق، واليأس مِمّا عندهم؛ فلا يسأل إلّا الله -تعالى-؛ الأمر الذي يُكسبه المَزيد من العِزّ، والشَّرَف، وحِفظ ماء وجهه، وكرامته من سؤال غير الله -تعالى-.
- تفقُّه العبد في دينه، وخاصّةً في باب القضاء والقَدَر، مع مُلازمته العُلماء؛ ليتعلّم كيفيّة التعامل مع الموضوعات بشكلٍ صحيح.
الثقة بالله تعالى
عرَّف الإمام ابن القيِّم الثقة بالله -تعالى- بأنّها: "سَوَادُ عَيْنِ التَّوَكُّلِ، وَنُقْطَةُ دَائِرَةِ التَّفْوِيضِ، وَسُوَيْدَاءُ قَلْبِ التَّسْلِيم"، وهي مدار الإيمان، وقد شبَّهَها بالسواد؛ لأنّ أفضل ما في العين سوادها، وذلك يعني: التوكُّل على الله -تعالى-، وتفويض الأمر إليه، مع التسليم الكامل له، ومن ذلك ما قاله -تعالى- لأُمّ موسى: (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي)، واستجابتها؛ بإلقاء ولدها في البحر الذي تتلاعب به الأمواج هو كمال الثقة بالله -تعالى-، وخُلاصة الثقة التوكُّل على الله -تعالى-، والتفويض هو الشيء الأساسيّ فيه.
ثمرات الثقة بالله
يحصل الواثق بالله -تعالى- على العديد من الثمرات، ومنها ما يأتي:
- الحصول على راحةٍ في باله، وحاله، وابتعاد كَيد الأشرار عنه؛ وذلك لأنّه مُتوكِّل على الله -تعالى- وحده.
- الحصول على العون والتأييد من الله -تعالى- على أداء العبادات ، والبُعد عن المُحرَّمات؛ فالإنسان بطبيعته ضعيف أمام أداء العبادات، وخاصّة مع وجود وساوس الشيطان، إلّا أنّ ثقته بخالقه تُقوّيه، وتجعله أكثر حرصاً على أداء العبادات على الوجه الأكمل.
- الحصول على الوقاية من كُلّ ما يكره، وحِفظه من الشرور؛ قال -تعالى-: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ*فَوَقَاهُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا)؛ وهو من الأدلّة الواضحة على حِفظ الله -تعالى- لِمَن توكّلَ عليه، ووثق به، ومن الآيات التي تُبيّن كفاية الله -تعالى- لِمَن يتوكّل عليه، ويثق به، قوله -عزّ وجلّ-: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).