كيف أصلي وأنا جالسة
كيف أصلي وأنا جالسة
تجوز الصلاة جلوساً للعاجزة عن القيام، وقد تعدّدت آراء الفقهاء في طريقة الجلوس المسنونة في الصلاة، وبيان أقوالهم فيما يأتي:
- الحنفيّة: تجلس في حال القراءة والرُكوع على أيِّ كيفيةٍ شاءت، والأفضل أن تكون كهيئة الجُلوس للتشهُّد.
- المالكيّة: يُسنُّ التربّع إلا في حالة السجود، والجُلوس بين السجدتين، والجُلوس للتشهُّد.
- الشافعيّة: يُسنُّ لها أن تجلس كحال الافتراش* إلا في حالة السُجود والتشهُّد الأخير، ففي السُجود تَضَعُ باطن أصابعِ قدميها على الأرض، وفي حال التشهُّد الأخير يُسنُّ لها التوَرّك*.
- الحنابلة: يُسنُّ لها الجُلوس مُتربعةً إلا في حالتي الرُكوع والسُجود، فإنِّها تُثني رجليها وتجلس كيفما تشاء.
ويجوزُ لغير القادرة التربُّع في حال العُذر، وأمّا مدُّ الرجلين في الجُلوس فغيرُ جائزٍ إلا لِعُذرٍ أيضاً، كما يجوز لها الصلاةُ مُضطجعة* في حال عدم الجُلوس، سواءً في صلاةِ الفرض أو النافلة، والاضطجاع يُسنُّ أن يكونُ على الجنب الأيمن، مُستقبلةً القبلة، وإن كانت لا تستطيعُ ذلك فعلى أيِّ هيئةٍ كانت، وأمّا إن كانت تُصلّي في الطائرة أو السفينة فيجبُ عليها القيام، فإن لم تستطع مخافة السقوط أو الغرق فيجوزُ لها أن تُصلّي جالسةً إيماءً بِركوعها وسُجودها.
ويجدر بالذكر أنّه يجبُ على المرأة أن تُصلّي قائمةً وتؤدّي جميع أحوال الصلاة إن قَدِرُت على فعلها، ولا يُجوزُ لها أن تُصلّي على جنبها وهي قادرةٌ على الصلاة جالسة، وإن قدرت على القيام والقُعود من غير الرُكوعِ أو السُجود فتُصلّي قائمة، وتُؤمئ في رُكوعها وسُجودها، وإن كانت لا تستطيعُ ذلك فتركع وتسجُد جالسة، ويكون رُكوعها أخفض من جُلوسها، وسُجودها أخفض من رُكوعها، مع وضع اليدين على الرُكبتين، ولا ترفع شيئاً على جبهتها للسُجودِ عليها؛ كالوسادة، وإن صلّت في جماعة فلا يجوزُ لها التّقدُمُ عن إمامها، فلو تقدّمت على إمامها ولو بإحرام الصلاة ثُمّ رجعت لم تصحَّ الصلاة.
حكم الجلوس في الصلاة لغير القادر
اتّفق الفُقهاء على جواز الصلاة جالسةً في حال عدم القدرة على القيام، والقيام في صلاة الفرض واجبٌ على القادر، والتي لا تستطيع القيام يَجوز لها الصلاةُ جالسةً، أمّا في صلاة النافلة فقد نقل ابنُ قُدامة الاتّفاق على جواز الجلوس فيها بالصلاة حتى للقادر، ولكنّه خلافُ الأَولى، ويترتب على ذلك فقدانُ نصف الأجر، لِجواب النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن صَلَاةِ الرَّجُلِ وهو قَاعِدٌ، فَقالَ: مَن صَلَّى قَائِمًا فَهو أفْضَلُ، ومَن صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أجْرِ القَائِمِ، ومَن صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أجْرِ القَاعِدِ)، ويجوز الجلوس لكثرة الناس التي يَشقُّ عليهم طول القيام، ولتحفيزهم على التطوّع والزيادة في الصلاة ، وأمّا السُنن الرواتب فقد كَرِه العديد من الفقهاء الجُلوس فيها في حال القُدرة على القيام.
حكم القيام في الصلاة
يُعدُّ القيام في صلاة الفرض من الأمور الواجبة، وثبت ذلك بالعديد من الأدلّة، كقولهِ -تعالى-: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ)، وقولِ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (صَلِّ قَائِمًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ)، والمقصود بذلك القيامُ في صلاة الفريضة، وأمّا في صلاة النافلة فيجوزُ الصلاة جلوساً مع القُدرةِ على القيام، إلا أنّ ذلك يُنقص من أجر الصلاة إلى النصف، لكنّ التي لا تستطيع القيام في الفرض فيجوزُ لها الصلاةُ قاعدةً حسب قدرتها واستطاعتها، ويُحسب لها الأجر كاملاً، فالواجبُ القيامُ في حال الفرض، وإن جلست المرأة لِعُذرٍ؛ كالمرض، فإنّها تُصلّي بحسب حالتها؛ إمّا جالسة أو على جنبها، وأمّا في صلاة النفل؛ فالقيام فيها سُنّة وليس رُكناً، ولكنَّ صلاتَها قائمة أفضل من صلاتها جالسة.
ويُشترطُ لتكبيرة الإحرام القيام بها في حال الفرض، وتكون باتّجاه القبلة، والقيام في الصلاة رُكنٌ من أركانها في الفرض أو صلاة النذر أو صلاةُ الكفاية للقادر، ويكونُ القيام بالاعتمادِ على القدمين مع نصْب عظام الظهر، ويُكره لها القيام على ظهر القدمين أو السجود على هذه الهيئة. فإن لم تستطع المرأة فتُصلّي مُنحنيّةً أو مُتكئةً على شيء، فإن لم تقدر فتُصلّي جالسة، فإن لم تستطع فتُصلّي مُضطجعة على الجنب اليمين، ويُكره على الجنب الأيسر إلّا في حال العُذر، فإن لم تستطع فتُصلّي مُستلقيةً على ظهرها مع رفع الرأس قليلاً، وتومئ بِرُكوعها وسُجودها بقدر إمكانها، فإن لم تستطع فتُصلّي بإمرارِ أركان الصلاةِ على قلبها.
التيسير في الشريعة الإسلامية
رفعت الشريعةُ الإسلاميّة الحرج والمشقّة عن الإنسان في جميعِ التكاليف الشرعيّة، فقد راعت في ذلك جانبَ التخفيف والتيسير على الناس، فمثلاً أوجبت الصلوات الخمس في وقتٍ لا تزيدُ فيها كُلُّ صلاةٍ عن دقائق بسيطة، وأباحت الجُلوس فيها لمن لا يستطع القيام، بالإضافة إلى إباحة الفطر في رمضان للمريض والمُسافر وغيرهما، كما شُرعت الكفارات لتكفير الذُنوب؛ وذلك للتخفيفِ عن الناس، ورفع الحرج عنهم، ونهت عن التّعمُق في المسائل والتشديدِ فيها.
وجاءت الكثير من الأدلّة التي تُبيّنُ ذلك، كقولهِ -تعالى-: (مَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ)، ومن الأدلّة التي تُبيّنُ رفع الحرج عن بعض الأصنافِ خاصّة قولهِ -تعالى-: (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)، ومن مظاهر رفع الحرج والمشقّة في الشريعة الإسلامية؛ ما جاء من رفع الإصر والشِّدّة التي كانت في الأُمم السابقة، وتشريع الرُخص في بعض الأحوال والظُروف الطارئة؛ كقصر الصلاة في حال السفر، والصلاة جالساً في حالِ عدم القُدرةِ على القيام، وغير ذلك من الرُخص، كما أنّ الشريعة لم تُكلّف الإنسان بما لا يقدرُ على فعله ابتداءً، ورفعت الحرج عنه في العبادات والمُعاملات، كما أنّ الأصل فيها الإباحة والحِلّ، لِقولهِ -تعالى-: (قُل مَن حَرَّمَ زينَةَ اللَّـهِ الَّتي أَخرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزقِ).
______________________________________
الهامش
*الافتراش: هو أن يجلس المصلي فيفترش رجله اليسرى تحته وينصب قدمه اليمنى.
*التورّك: يضع المصلي وركه الأيمن على رجله اليمنى منصوبةً مصوِّباً أَطرافَ أَصَابعها إِلى القِبلة، ويلصق وَرِكَه الأيسر بالأَرض مخرجاً رجله اليسرى من جهة يمينه.
*الاضطجاع: الاستلقاء ووضع الجنب على الأرض.