كيف أتخلص من ذنوبي
التوبة النصوح
للتوبة النَّصوح مجموعةٌ من الشُّروط على التائب أن يبادر إليها، ويصدُقَ فيها حتى يغفر له تقصيره وذنبه، وشروط التوبة الصادقة ما يأتي:
- الإخلاص لله -تعالى- في توبته، أي لا يكون الغرض من توبته أمراً دنيوياً يريد الحصول عليه، كمن يتوب من ذنوبه رغبةً في الحصول على عملٍ ما، لا إخلاصاً لله -تعالى-.
- ترك الذَّنب على الفور، بأن يتركه على الفور ولا يؤخِّر ترك الذَّنب حتى يرجع من السَّفر مثلاً.
- النَّدم على ما ارتكب من معاصي وآثام؛ لأنَّ النَّدم علامةٌ على توجّع القلب من المعاصي السَّابقة .
- العزم على عدم العودة إلى الذَّنب، فمن كان يترك الذَّنب وفي نيته العودة إليه فتوبته ليست توبةً نصوحةً.
- أن يردَّ الحقوق إلى أهلها، فإن عجز طلب منهم المسامحة؛ إن كانت متعلقةً بالمال، أو العرض، أو النَّفس؛ لأنَّ التَّوبة لا تعطي حقّ تملك حقوق الآخرين، بل لا تُقبل التَّوبة ما لم ترجع الحقوق إلى أصحابها.
- أن يتوب العبد قبل أن يصل إلى مرحلة خروج الروح، فعندها لا تُبقل التَّوبة أبداً.
الإكثار من الاستغفار
ثبت في الصَّحيح أنَّ عبداً كرَّر الذَّنب ثمَّ كرَّر الاستغفار، فغفر الله -تعالى- له ذنوبه لحرصه على الاستغفار، يقول -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربِّه: (قالَ تعالى: أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فأذْنَبَ، فَقالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فأذْنَبَ فَقالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، اعْمَلْ ما شِئْتَ فقَدْ غَفَرْتُ لَكَ، قالَ عبدُ الأعْلَى: لا أَدْرِي أَقالَ في الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: اعْمَلْ ما شِئْتَ).
إتباع السيئات بالحسنات
يقول الله -تعالى-: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ﴾،فالرُّجوع إلى الله -تعالى- بالأعمال الصَّالحة التي تعمل على محو الذُّنوب وتكفير الخطايا، والحسنات المقصودة هنا هي الصَّلوات المكتوبة أو الأذكار المشروعة.
ويقول رسول الله -صلى الله عيه وسلم-: (وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها)، فالعبد يُذْنِب بالسِّر والعلن، وعليه أن يقوم بالحسنات التي تقابل ما فعل من السيئات، فسماع المنكر يقابل استماع القرآن ، وشُرْب الحرام يقابله شرب ما أحلَّ الله -تعالى- له.
رد الحقوق لأصحابها
يُشترط بالتَّوبة النَّصوحة حتى تُقبل من صاحبها أن يقوم بردِّ الحقوق إلى أصحابها، فإذا أخذ مالاً عليه أن يردَّه إلى صاحبه، وإذا وقع في عرض أخيه وجب عليه أن يطلب منه المسامحة وهكذا، فحقوق العباد لا تسقط بالتَّوبة، وعليه أن يجتهد بردِّ الحقوق إلى أصحابها مباشرةً، فإن لم يستطع يعطيها لورثتهم، فإن لم يستطع يتصدَّق بها عنهم.
والتائب عليه أن يردَّ حقوق النَّاس إليهم، وإلَّا كان من المفلسين الذين ذكرهم النَّبيُّ -صلى الله عله وسلم- بقوله: (إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ).
الابتعاد عن أسباب المعاصي
التَّوبة النَّصوحة تحتاج من صاحبها أن يبادر إلى ترك المعاصي والآثام وعلى الفور، بل يُطلب منه أن يبتعد عن كلِّ ما يقرّبه من المعاصي والآثام؛ مثل الرِّفقة الفاسدة ، والعمل الحرام، وفي حديث قاتِل المئة نفس اشترط العالم على التائب أن يترك أرضه؛ لأنَّها أرض سوءٍ تذكّره بالعاصي، وتشجّعه عليها، حيث جاء في الحديث: (انْطَلِقْ إلى أرْضِ كَذا وكَذا، ولا تَرْجِعْ إلى أرْضِكَ، فإنَّها أرْضُ سَوْءٍ).
مرافقة الصالحين
يحتاج التائب إلى أعوانٍ على الخير، يذكّرونه بالله -تعالى-، ويثبّتونه عند اقتراب المعاصي، فالصَّاحب الصَّالح ينصح وينبِّه، ويشجِّع على الخير، ويُبشّع المعصية ويذكِّره بالله -تعالى-، وفي حديث قاتل المئة اشترط العالم على التائب أن يجالس الأخيار ويعبد الله -تعالى- معهم، حيث جاء في الحديث: (انْطَلِقْ إلى أرْضِ كَذا وكَذا، فإنَّ بها أُناسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فاعْبُدِ اللَّهَ معهُمْ).
و الرَّفيق الصَّالح كبائع العطر يُرشد على الخير بمجالسه، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والسَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ: إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمَّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً).
تذكّر الموت
يقول -صلى الله عليه وسلم-: (الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لما بعدَ المَوتِ)، فإذا أكثر التَّائب من ذكر الموت استفاد من ذلك بإدراكه لقيمة وقته، فينشط في تحصيل الأجر والثَّواب لما بعد موته، ويدرك أنَّ المعصية خطيرةٌ وقد يُقبض عليها في أي لحظة، لذا التَّائب يَعتبر كلَّ وفاةٍ هي تحذيرٌ له، وكلَّ زيارةٍ للمقابر هي إنذارٌ له وتذكيرٌ بالتَّوبة وترك الذُّنوب والمعاصي.
عدم اليأس
يسعى الشَّيطان إلى إدخال التائب باليأس من غفران ذنوبه، واليأس من غفران الذنوب ذنبٌ آخر قد يقع به التائب، قال -عزَّ وجل-: ﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾،إذ إن اليأس من رحمة الله -تعالى- كأنَّه يظنُّ أنَّ ذنوبه أكبر من رحمة الله -تعالى-.
وقد سُئِلَ الحسن البصري -رحمه الله-: "ألا نستحي من الله -تعالى- لكثرة رجعتنا للذنوب؟ فردَّ عليهم وقال: ود الشيطان لو يوقعكم في ترك التَّوبة خجلاً من تكرار المعصية"، لذا على التائب مهما عظم ذنبه وكثرة معاصيه أن لا يترك التَّوبة و الرجوع لله -تعالى- أبداً، ولا ييأس من رحمة الله -تعالى-، فالله -تعالى- توابٌ وغفورٌ رحيم.
يقول النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي يرويه عن ربِّه: (يا ابنَ آدمَ، لو بلغَتْ ذنوبُكَ عنانَ السماءِ ثُمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ ولَا أُبالِي)، فبعد هذا الحديث لا يصحُّ للتَّائب أن ييأس من رحمة الله -تعالى-.