قصص عن الصدقة من حياة الصحابة
قصص عن الصدقة من حياة الصحابة
سطّر الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- قصصًا عظيمة في الصدقة ، فقد كانت الدنيا رخيصةً عليهم، وكانوا يبيعونها بالآخرة، وقد وردت الكثير من الآيات القرآنية التي تمتدح إنفاقهم، وتُبيّن ما أعدّ الله -تعالى- لهم من الثواب العظيم جزاءً لكرمهم ولتصدّقهم بأغلى وأنفس ما يملكون، وفيما يأتي بعض القصص التي تُدلّل وتشهد على هذا.
قصة صدقة أبي بكر وعمر في غزوة تبوك
ثبت في سنن الترمذي في ا لحديث الذي يرويه عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-، أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أمر الصحابة الكرام بالصدقة يوم غزوة تبوك حيث كان المسلمون يعانون الفقر الشديد وقتها، ولكنّ عمر كان لديه مال حينها فقال في نفسه إنّه سيسبق أبا بكر هذا اليوم حيث سيأتي بصدقة كبيرة، فقام بأخذ نصف ما لديه من مال وجلبه إلى الرسول الكريم يتصدّق به لتجهيز الغزوة.
فسأله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما أبقيتَ لأهلِكَ؟)، فأجابه عمر بأنّه قد ترك مثله أي أنّه تصدّق بنص ماله، ثمّ جاء أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بصدقته وكانت جميع ما يملك، فسأله رسول الله سؤاله لعمر فأجاب أبو بكر بقوله: (أبقيتُ لهمُ اللهَ ورسولَهُ)، فعلم عمر فضيلة أبي بكر وسبقه إلى الخيرات .
وقال: (لا أسبِقُهُ إلى شيءٍ أبدًا)، وقد جاء في تفسير قوله -تعالى-: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى* الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى* وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى* إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى* وَلَسَوْفَ يَرْضَى)، أنّ المقصود بالأتقى في هذه الآيات هو أبو بكر الصديق .
قصة حائط أبي الدحداح
ورد في كتب التفسير أنّه لمّا نزل قول الله -تعالى-: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ)، قال أبو الدحداح الأنصاري -رضي الله عنه- يا رسول الله، وإنّ الله ليريد منّا القرض؟ فأجابه رسول الله بالموافقة، فطلب من رسول الله أن يُعطيه يده وتناوله وأشهده أنّه قد جعل حائطه -بستانه- وفيه 600 نخلة في سبيل الله.
فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (كم من عِذقٍ رَداحٍ لأبي الدَّحْداحِ في الجَنَّةِ)، والمقصود بالعذق الرداح النخلة المثمرة، وقد كانت زوجته وعياله يسكنون في ذلك البستان فرجع إلى زوجته وأخبرها بأن تخرجه هي وعيالها من البستان فقد أقرضه ربّه، فقالت له أم الدحداح: "ربح بيعك يا أبا الدحداح"، ونقلت متاعها وأبناءها راضيةً بما فعل زوجها.
قصة بيرحاء أبي طلحة
ثبت في صحيح البخاري في الحديث الذي رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ أبا طلحة -رضي الله عن- كان من أكثر الأنصار أموالًا في النخيل، وكان يحب من أملاكه بيرحاء أي بستان يقع قبالة المسجد النبوي في المدينة، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يدخل إلى ذلك البستان ويشرب من مائه لأنّه كان طيّبًا، فلمّا نزل قول الله -تعالى-: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ).
ذهب أبو طلحة إلى رسول الله وقال له: (يا رَسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وتَعَالَى- يقولُ: "لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حتَّى تُنْفِقُوا ممَّا تُحِبُّونَ" وإنَّ أحَبَّ أمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وإنَّهَا صَدَقَةٌ لِلهِ، أرْجُو برَّهَا وذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا يا رَسولَ اللهِ حَيْثُ أرَاكَ اللهُ).
فأثنى رسول الله على فعل أبي طلحة وقال: (بَخٍ، ذلكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذلكَ مَالٌ رَابِحٌ، وقدْ سَمِعْتُ ما قُلْتَ، وإنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا في الأقْرَبِينَ)، فاستجاب أبو طلحة لكلام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وقسمها بين أبناء عمّه وأقاربه.