قصة عن كف الأذى من الهدي النبوي
عقبة بن أبي معيط و البسل الجزور
منذ أن صدع رسول الله -صلوات ربي وسلامه عليه- بالدعوة تكاثرت عليه رجالات قريش رغم كرم أخلاق رسولنا الكريم ، أكثروا عليه الأذى والقلى، ومن ذلك حينما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُصلّي قرب الكعبة، فبينما هو-صلى الله عليه وسلم- خاشع بين يدي ربه يناجيه ويسأله في صلاته، كان أبو جهل وهو أعظم قريش كِبرًا وظلمًا وعدوانًا ينظر مع أصحابه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتفكّر كيف يمكنه أن يفتعل له نوعًا جديدًا من أنواع الأذى.
وإذا بقايا جزور قد نُحِرت أمس قريبةٌ من رسول -عليه الصلاة والسلام- فأخذ يُحمِّسهم قائلًا: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان، فيأخذه فيضعه في كتف محمد إذا سجد؟.
والجَزُور هي البعير السمينة، وسَلَاها هي اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة، فهي تُشبه مشيمة الآدمي، فكان عدوُّ الله يريد أن يؤذي رسول الله بهذه السلا القذرة، فانتهض لذلك أشقاهم الذي سيجد عاقبة فعله .
بينما رسول الله ساجد انبعث ذلك الأشقى عُقبة ابن أبي مُعَيْط فوضع السلا بين كتفي سيد البشر وإمام المرسلين، وأخذ أبو جهل وأصحابه يضحكون، ورسول الله ساجد ما رفع من سجوده، وقد حضر الموقف الصاحبي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- ولكنه لم يستطع فعل أي شيء لقوة قريش، فقال: " بيْنَما رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ له جُلُوسٌ، وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بالأمْسِ، فَقالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إلى سَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ، فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ في كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إذَا سَجَدَ؟
فَانْبَعَثَ أَشْقَى القَوْمِ فأخَذَهُ، فَلَمَّا سَجَدَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَضَعَهُ بيْنَ كَتِفَيْهِ، قالَ: فَاسْتَضْحَكُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ علَى بَعْضٍ وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ، لو كَانَتْ لي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عن ظَهْرِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَالنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ سَاجِدٌ ما يَرْفَعُ رَأْسَهُ ".
وهذه الرواية -كما ترى- لا تُبيّن لنا ذلك الأشقى، ولكن الإمام مسلم قد بيّنه في الرواية الأخرى، وفيها: "إذْ جَاءَ عُقْبَةُ بنُ أَبِي مُعَيْطٍ بسَلَا جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ علَى ظَهْرِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ" ، ولم ينفرد الإمام مسلم في بيانه، بل كذلك فعل البخاري وابن حبان وغيرهم، حتى إنه لا يُعرَف خلاف في ذلك.
فاطمة وإزالتها القذارة عن ظهر النبي
لمّا كان ذلك الحال ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساجد وسلا الجزور على كتفه الشريف أخبر إنسان فاطمةَ سيدة نساء الجنة - رضي الله عنها - فجاءت تسابق الريح فطرحت السلا عن كتف رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وأسمعت أبا جهل ومن معه شتمًا، كما روى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فقال: "وَالنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ سَاجِدٌ ما يَرْفَعُ رَأْسَهُ حتَّى انْطَلَقَ إنْسَانٌ فأخْبَرَ فَاطِمَةَ، فَجَاءَتْ وَهي جُوَيْرِيَةٌ، فَطَرَحَتْهُ عنْه، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عليهم تَشْتِمُهُمْ".
دعاء النبي على قريش
فلما قضى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- صلاته فرفع صوته داعيًا عليهم ثلاثًا، فتوقفوا عن الضحك خوفًا ممّا سمعوا من شديد الدعاء! وقد كان من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم عليك بقريش" ويقولها ثلاثًا، ثم سمّاهم بالاسم فقال: "اللَّهُمَّ، عَلَيْكَ بأَبِي جَهْلِ بنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وَشيبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بنِ عُتبَةَ، وَأُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بنِ أَبِي مُعَيْطٍ".
ولقد استجاب الله - جل وعلا- دعاء نبيه؛ حيث إنهم قد صُرِّعوا كلهم يوم بدر، لا سيما عقبة بن أبي معيط، فكان ممن أُهلِك ذلك اليوم وجُعِل في قليب بدر مع خِلّانه من أهل الفجور والكفر والفسق، فقد قال الراوي عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بالحَقِّ، لقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَومَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إلى القَلِيبِ، - قَلِيبِ بَدْرٍ - ".
وقد جاءت هذه القصة مروية بأسانيد صحيحة في كتب السنة ودواوينها ، ومن ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فقال: "بيْنَما رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ له جُلُوسٌ، وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بالأمْسِ، فَقالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إلى سَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ، فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ في كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى القَوْمِ فأخَذَهُ، فَلَمَّا سَجَدَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَضَعَهُ بيْنَ كَتِفَيْهِ.
قالَ: فَاسْتَضْحَكُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ علَى بَعْضٍ وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ، لو كَانَتْ لي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عن ظَهْرِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَالنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ سَاجِدٌ ما يَرْفَعُ رَأْسَهُ حتَّى انْطَلَقَ إنْسَانٌ فأخْبَرَ فَاطِمَةَ، فَجَاءَتْ وَهي جُوَيْرِيَةٌ، فَطَرَحَتْهُ عنْه، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عليهم تَشْتِمُهُمْ، فَلَمَّا قَضَى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، رَفَعَ صَوْتَهُ، ثُمَّ دَعَا عليهم.
وَكانَ إذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وإذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ، عَلَيْكَ بقُرَيْشٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عنْهمُ الضِّحْكُ، وَخَافُوا دَعْوَتَهُ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ، عَلَيْكَ بأَبِي جَهْلِ بنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وَشيبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بنِ عُقْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ، فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بالحَقِّ، لقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَومَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إلى القَلِيبِ، - قَلِيبِ بَدْرٍ -".
الآية التي وضحت شخصية عقبة
يرى جمهور المفسرين أنّ عقبة بن أبي معيط هو المقصود بالظالم في قول ربنا: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ** يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا}، كما هو منقول عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنه-، وهو مروي عن جلّة من أهل التفسير ممن بعد الصحابة كالشّعْبي ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير -رحمهم الله جميعًا.
ويرى الجمهور-أيضًا- أنّ المقصود بفلان هو أُبَيّ بن خَلَف، وقد وَهِم من أدخل أمية بن خلف في هذه الآية بدلًا من أخيه أُبَيّ كما رجح ذلك القاضي ابن عطية مّما يرجح ما قاله القاضي ابن عطية ما أورده الأمين الشنقيطي من وجود قراءة عن بعض الصحابة، وفيها: "ليتني لم أتخذ أبيًا خليلًا"، وهذه القراءة ليست سبعية، وهي من الشاذ الذي لا يجوز التعويل عليه تلاوةً، ولكن يؤخذ بها في باب التفسير، فتكون مُرجِّحا لتقرير مسألتنا هنا، وهي أن المقصود بالظالم هو عقبة والمقصود بفلان هو أُبَيّ.