قصة سورة عبس
قصة نزول سورة عبس
ثبت عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (أُنْزِلَ: عَبَسَ وَتَولَّى في ابنِ أمِّ مَكْتومٍ الأعمى، أتى رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- فجعلَ يقولُ: يا رسولَ اللَّهِ أرشِدني، وعندَ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- رجلٌ من عُظماءِ المشرِكينَ، فجعلَ رسولُ اللَّهِ يُعرضُ عنهُ ويُقبلُ على الآخَرِ، ويقولُ: أترى بما أقولُ بأسًا؟ فيقولُ: لا، ففي هذا أُنْزِلَ).
نزلت سورة عبس حين جاء عبد الله بن أمّ مكتوم إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان عبد الله -رضي الله عنه- قد أصابه العمى في عينيه، فلما قدم إلى رسول الله كان -صلى الله عليه وسلم- منشغلاً بمجموعة من صناديد قريش؛ يدعوهم إلى الإسلام، وهم أبو جهل بن هشام ، والعباس بن عبد المطلب، وعتبة وشيبة أبناء أبي جهل، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة.
وقد كان رسول الله حريصاً على إسلام هذه الفئة من قريش؛ لما في إسلامهم من إسلام أتباعهم، ودخول أمم كثيرة منهم في دين الله، وقد كان مجيء عبد الله بن أمّ مكتوم لرسول الله لطلب العلم، وليعلّمه ممّا علمه الله، وليروي عليه من الحديث، ولم يعلم عبد الله بانشغال رسول الله بدعوة القوم لما فيه من العمّى، فلما قطع على رسول الله أمره الذي يقوم به؛ عبس رسول الله وأعرض عنه.
وهنا أنزل الله سورة عبس معاتبةً منه لنبيّه -صلّى الله عليه وسلّم- على ما صدر منه، وكان عتاب الله لنبيّه عتاباً لطيفاً القصد منه لفت انتباه النبيّ لابن أم مكتوم، وقيل إنّ رسول الله كان إذا رآه يرحّب به، ثمّ يسأله إن كان له حاجة، وقد استخلفه بعد ذلك على المدينة مرّتين.
التعريف بسورة عبس
سورة عبس من السور المكية في القرآن الكريم، نزلت بعد سورة النجم، وسُمّيت بهذا الاسم لحديثها عن قصة عبوس النبيّ في وجه ابن أم مكتوم، قال -تعالى-: (عَبَسَ وَتَوَلَّى)، ويأتي ترتيبها في القرآن الكريم بعد سورة النازعات التي ورد فيها قول الله -تعالى-: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا).
وسورة عبس جاءت مناسبة لِما قبلها، حيث بيّنت سورة النازعات حال من نَفَعه النّذير؛ فكان من المُنذَرين المستجيبين، ثمّ جاءت سورة عبس تبيّن حال من لم يستجبْ لهذا النذير، ودعوة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لهم.
مقاصد سورة عبس
تتمثل مقاصد السورة الكريمة في بيان حال الأعمى الذي قدم إلى رسول الله لطلب الدّعوة، وحال أبي جهل وتكذيبه بالبعث والجزاء ويوم القيامة، وقد عرضت البراهين والأدلة على قيام ذلك، وبيّنت تفاوت أحوال الناس يوم القيامة.
قال -تعالى-: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ* ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ* وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ* تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ* أُولَـئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ)، وهذه المقاصد عموماً على النحو الآتي:
- معاتبة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على ما صدر منه تجاه عبد الله بن أمّ مكتوم عتاباً لطيفاً بقصد التوجيه.
- بيان منزلة القرآن وتعظيمه، وما فيه من الموعظة والعبرة لمن تفكّر فيه ووعاه.
- طرح الأدلة على قدرة الله ووحدانيته ؛ من خلال خلق الإنسان، والنظر في طعامه وشرابه.
- مشاهد يوم القيامة، وما فيه من الأحداث والأهوال.
- أحوال الناس يوم القيامة وأقسامهم، فمنهم السعيد ومنهم الشقيّ.
فضل سورة عبس
جاء في فضل سورة عبس أحاديث لا أصل لها، لكن القارئ لسورة عبس ينال الأجر المتحصل من قراءة القرآن الكريم بشكل عام؛ ذلك لأنها سورة من سوره وآياتها من آياته، وهذه الفضائل ثبتت في النصوص الشرعية في القرآن الكريم و السنّة النبوية الشريفة .
قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ).
ومن السنة النبوية الشريفة ما رواه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (يقالُ لصاحِبِ القرآنِ: اقرأ، وارتَقِ، ورتِّل كَما كُنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا، فإنَّ منزلتَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بِها).