قصائد حافظ إبراهيم في الحب
غضي جفون السحر أو فارحمي
غُضّي جُفونَ السِحرِ أَو فَاِرحَمي
- مُتَيَّماً يَخشى نِزالَ الجُفون
وَلا تَصولي بِالقَوامِ الَّذي
- تَميسُ فيهِ يا مُنايَ المَنون
إِنّي لَأَدري مِنكِ مَعنى الهَوى
- يا جولِيا وَالناسُ لا يَعرِفون
أعيذك من وجد تغلغل في صدري
أُعيذُكَ مِن وَجدٍ تَغَلغَلَ في صَدري
- خَليلَيَ هَذا اللَيلُ في زَيِّهِ أَتى
فَقُم نَلتَمِس لِلسُهدِ دِرعاً مِنَ الصَبرِ
- وَهَذا السُرى نَحوَ الحِمى يَستَفِزُّنا
فَهَيّا وَإِن كُنّا عَلى مَركَبٍ وَعرِ
- خَليلَيَ هَذا اللَيلُ قَد طالَ عُمرُهُ
وَلَيسَ لَهُ غَيرُ الأَحاديثِ وَالذِكرِ
- فَهاتِ لَنا أَذكى حَديثٍ وَعَيتَهُ
أَلَذُّ بِهِ إِنَّ الأَحاديثَ كَالخَمرِ
يأيها الحب امتزج بالحشى
يَأَيُّها الحُبُّ اِمتَزِج بِالحَشى
- فَإِنَّ في الحُبِّ حَياةَ النُفوس
وَاِسلُل حَياةً مِن يَمينِ الرَدى
- أَوشَكَ يَدعوها ظَلامُ الرُموس
كم ذا يكابد عاشق ويلاقي
أَنا العاشِقُ العاني وَإِن كُنتَ لا تَدري
- كَم ذا يُكابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي
في حُبِّ مِصرَ كَثيرَةِ العُشّاقِ
- إِنّي لَأَحمِلُ في هَواكِ صَبابَةً
يا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطواقِ
- لَهفي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً
يَحمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقي
- كَلِفٌ بِمَحمودِ الخِلالِ مُتَيَّمٌ
بِالبَذلِ بَينَ يَدَيكِ وَالإِنفاقِ
- إِنّي لَتُطرِبُني الخِلالُ كَريمَةً
طَرَبَ الغَريبِ بِأَوبَةٍ وَتَلاقي
- وَتَهُزُّني ذِكرى المُروءَةِ وَالنَدى
بَينَ الشَمائِلِ هِزَّةَ المُشتاقِ
- ما البابِلِيَّةُ في صَفاءِ مِزاجِها
وَالشَربُ بَينَ تَنافُسٍ وَسِباقِ
- وَالشَمسُ تَبدو في الكُئوسِ وَتَختَفي
وَالبَدرُ يُشرِقُ مِن جَبينِ الساقي
- بِأَلَذَّ مِن خُلُقٍ كَريمٍ طاهِرٍ
قَد مازَجَتهُ سَلامَةُ الأَذواقِ
- فَإِذا رُزِقتَ خَليقَةً مَحمودَةً
فَقَدِ اِصطَفاكَ مُقَسِّمُ الأَرزاقِ
- فَالناسُ هَذا حَظُّهُ مالٌ وَذا
عِلمٌ وَذاكَ مَكارِمُ الأَخلاقِ
- وَالمالُ إِن لَم تَدَّخِرهُ مُحَصَّناً
بِالعِلمِ كانَ نِهايَةَ الإِملاقِ
- وَالعِلمُ إِن لَم تَكتَنِفهُ شَمائِلٌ
تُعليهِ كانَ مَطِيَّةَ الإِخفاقِ
- لا تَحسَبَنَّ العِلمَ يَنفَعُ وَحدَهُ
ما لَم يُتَوَّج رَبُّهُ بِخَلاقِ
- كَم عالِمٍ مَدَّ العُلومَ حَبائِلاً
لِوَقيعَةٍ وَقَطيعَةٍ وَفِراقِ
- وَفَقيهِ قَومٍ ظَلَّ يَرصُدُ فِقهَهُ
لِمَكيدَةٍ أَو مُستَحَلِّ طَلاقِ
- يَمشي وَقَد نُصِبَت عَلَيهِ عِمامَةٌ
كَالبُرجِ لَكِن فَوقَ تَلِّ نِفاقِ
- يَدعونَهُ عِندَ الشِقاقِ وَما دَرَوا
أَنَّ الَّذي يَدعونَ خِدنُ شِقاقِ
- وَطَبيبِ قَومٍ قَد أَحَلَّ لِطِبِّهِ
ما لا تُحِلُّ شَريعَةُ الخَلّاقِ
- قَتَلَ الأَجِنَّةَ في البُطونِ وَتارَةً
جَمَعَ الدَوانِقَ مِن دَمٍ مُهراقِ
- أَغلى وَأَثمَنُ مِن تَجارِبِ عِلمِهِ
يَومَ الفَخارِ تَجارِبُ الحَلّاقِ
- وَمُهَندِسٍ لِلنيلِ باتَ بِكَفِّهِ
مِفتاحُ رِزقِ العامِلِ المِطراقِ
- تَندى وَتَيبَسُ لِلخَلائِقِ كَفُّهُ
بِالماءِ طَوعَ الأَصفَرِ البَرّاقِ
- لا شَيءَ يَلوي مِن هَواهُ فَحَدُّهُ
في السَلبِ حَدُّ الخائِنِ السَرّاقِ
- وَأَديبِ قَومٍ تَستَحِقُّ يَمينُهُ
قَطعَ الأَنامِلِ أَو لَظى الإِحراقِ
- يَلهو وَيَلعَبُ بِالعُقولِ بَيانُهُ
فَكَأَنَّهُ في السِحرِ رُقيَةُ راقي
- في كَفِّهِ قَلَمٌ يَمُجُّ لُعابُهُ
سُمّاً وَيَنفِثُهُ عَلى الأَوراقِ
- يَرِدُ الحَقائِقَ وَهيَ بيضٌ نُصَّعٌ
قُدسِيَّةٌ عُلوِيَّةُ الإِشراقِ
- فَيَرُدُّها سوداً عَلى جَنَباتِها
مِن ظُلمَةَ التَمويهِ أَلفُ نِطاقِ
- عَرِيَت عَنِ الحَقِّ المُطَهَّرِ نَفسُهُ
فَحَياتُهُ ثِقلٌ عَلى الأَعناقِ
- لَو كانَ ذا خُلُقٍ لَأَسعَدَ قَومَهُ
بِبَيانِهِ وَيَراعِهِ السَبّاقِ
- مَن لي بِتَربِيَةِ النِساءِ فَإِنَّها
في الشَرقِ عِلَّةُ ذَلِكَ الإِخفاقِ
- الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها
أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
- الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا
بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
- الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى
شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ
- أَنا لا أَقولُ دَعوا النِساءَ سَوافِراً
أقضيه في الأشواق إلا أقله
أُقَضّيهِ في الأَشواقِ إِلّا أَقَلَّهُ
- بَطيءَ سُرىً إِلى اللُبثِ مَيلَهُ
وَلَيسَ اِشتِياقي عَن غَرامٍ بِشادِنٍ
- وَلَكِنَّهُ شَوقُ اِمرِئٍ فاتَ أَهلَهُ
فَيالَكَ مِن لَيلٍ أَعَرتُ نُجومَهُ
- تَوَقُّدَ أَنفاسي وَعانَيتُ مِثلَهُ
وَمَلَّ كِلانا مِن أَخيهِ وَهَكَذا
- إِذا طالَ عَهدُ المَرءِ بِالشَيءِ مَلَّهُ
مرت كعمر الورد بينا أجتلي
مَرَّت كَعُمرِ الوَردِ بَينا أَجتَلي
- اِصباحَها إِذ آذَنَت بِرَواحِ
لَم أَقضِ مِن حَقِّ المُدامِ وَلَم أَقُم
- في الشارِبينَ بِواجِبِ الأَقداحِ
وَالزَهرُ يَحتَثُّ الكُؤوسَ بِلَحظِهِ
- وَيَشوبُها بِأَريجِهِ الفَيّاحِ
أَخشى عَواقِبَها وَأَغبِطُ شَربَها
- وَأُجيدُ مِدحَتَها مَعَ المُدّاحِ
وَأَميلُ مِن طَرَبٍ إِذا مالَت بِهِم
- فَاِعجَب لِنَشوانِ الجَوانِحِ صاحي
أَستَغفِرُ اللَهَ العَظيمَ فَإِنَّني
- أَفسَدتُ في ذاكَ النَهارِ صَلاحي
قالت الجوزاء حين رأت جفنه
قالَتِ الجَوزاءُ حينَ رَأَت
- جَفنَهُ قَد واصَلَ السَهَرا
ما لِهَذا الصَبِّ في وَلَهٍ
- أَتُراهُ يَعشَقُ القَمَرا
أذنتك ترتابين في الشمس والضحى
أَذِنتُكِ تَرتابينَ في الشَمسِ وَالضُحى
- وَفي النورِ وَالظَلماءِ وَالأَرضِ وَالسَما
وَلا تَسمَحي لِلشَكِّ يَخطِرُ خَطرَةً
- بِنَفسِكِ يَوماً أَنَّني لَستُ مُغرَما
كم تحت أذيال الظلام متيم
كَم تَحتَ أَذيالِ الظَلامِ مُتَيَّمُ
- دامي الفُؤادِ وَلَيلُهُ لا يَعلَمُ
ما أَنتَ في دُنياكَ أَوَّلُ عاشِقٍ
- راميهِ لا يَحنو وَلا يَتَرَحَّمُ
أَهرَمتَني يا لَيلُ في شَرخِ الصِبا
- كَم فيكَ ساعاتٍ تُشيبُ وَتُهرِمُ
لا أَنتَ تَقصُرُ لي وَلا أَنا مُقصِرٌ
- أَتعَبتَني وَتَعِبتَ هَل مَن يَحكُمُ
لِلَّهِ مَوقِفُنا وَقَد ناجَيتُها
- بِعَظيمِ ما يُخفى الفُؤادُ وَيَكتُمُ
قالَت مَنِ الشاكي تُسائِلُ سِربَها
- عَنّي وَمَن هَذا الَّذي يَتَظَلَّمُ
فَأَجَبنَها وَعَجِبنَ كَيفَ تَجاهَلَت
- هُوَ ذَلِكَ المُتَوَجِّعُ المُتَأَلِّمُ
أَنا مَن عَرَفتِ وَمَن جَهِلتِ وَمَن لَهُ
- لَولا عُيونُكِ حُجَّةٌ لا تُفحَمُ
أَسلَمتُ نَفسي لِلهَوى وَأَظُنُّها
- مِمّا يُجَشِّمُها الهَوى لا تَسلَمُ
وَأَتَيتُ يَحدو بي الرَجاءُ وَمَن أَتى
- مُتَحَرِّماً بِفِنائِكُم لا يُحرَمُ
أَشكو لِذاتِ الخالِ ما صَنَعَت بِنا
- تِلكَ العُيونُ وَما جَناهُ المِعصَمُ
لا السَهمُ يَرفُقُ بِالجَريحِ وَلا الهَوى
- يُبقي عَلَيهِ وَلا الصَبابَةُ تَرحَمُ
لَو تَنظُرينَ إِلَيهِ في جَوفِ الدُجى
- مُتَمَلمِلاً مِن هَولِ ما يَتَجَشَّمُ
يَمشي إِلى كَنَفِ الفِراشِ مُحاذِراً
- وَجِلاً يُؤَخِّرُ رِجلَهُ وَيُقَدِّمُ
يَرمي الفِراشَ بِناظِرَيهِ وَيَنثَني
- جَزِعاً وَيُقدِمُ بَعدَ ذاكَ وَيُحجِمُ
فَكَأَنَّهُ وَاليَأسُ يُنشِفُ نَفسَهُ
- لِلقَتلِ فَوقَ فِراشِهِ يَتَقَدَّمُ
رُشِقَت بِهِ في كُلِّ جَنبٍ مُديَةٌ
- وَاِنسابَ فيهِ بِكُلِّ رُكنٍ أَرقَمُ
فَكَأَنَّهُ في هَولِهِ وَسَعيرِهِ
- وادٍ قَدِ اِطَّلَعَت عَلَيهِ جَهَنَّمُ
هَذا وَحَقِّكَ بَعضُ ما كابَدتُهُ
- مِن ناظِرَيكَ وَما كَتَمتُكَ أَعظَمُ
قالوا أَهَذا أَنتَ وَيحَكَ فَاِتَّئِد
- حَتّامَ تُنجِدُ في الغَرامِ وَتُتهِمُ
كَم نَفثَةٍ لَكَ تَستَثيرُ بِها الهَوى
- هاروتُ في أَثنائِها يَتَكَلَّمُ
إِنّا سَمِعنا عَنكَ ما قَد رابَنا
- وَأَطالَ فيكَ وَفي هَواكَ اللُوَّمُ
فَاِذهَب بِسِحرِكَ قَد عَرَفتُكَ وَاِقتَصِد
- فيما تُزَيِّنُ لِلحِسانِ وَتوهِمُ
أَصغَت إِلى قَولِ الوُشاةِ فَأَسرَفَت
- في هَجرِها وَجَنَت عَلَيَّ وَأَجرَموا
حَتّى إِذا يَئِسَ الطَبيبُ وَجاءَها
- أَنّي تَلِفتُ تَنَدَّمَت وَتَنَدَّموا
وَأَتَت تَعودُ مَريضَها لا بَل أَتَت
- مِنّي تُشَيِّعُ راحِلاً لَو تَعلَمُ
أَقسَمتُ بِالعَبّاسِ إِنّي صادِقٌ
- فَمُريهِمُ بِجَلالِهِ أَن يُقسِموا
مَلِكٌ عَدَوتُ عَلى الزَمانِ بِحَولِهِ
- وَغَدَوتُ في آلائِهِ أَتَنَعَّمُ
النَجمُ مِن حُرّاسِهِ وَالدَهرُ مِن
- خُدّامِهِ وَهوَ العَزيزُ المُنعِمُ
هَلَّلتُ حينَ رَأَيتُ رَكبَكَ سالِماً
- وَرَأَيتُ عَبّاساً بِهِ يَتَبَسَّمُ
وَحَمِدتُ رَبّي حينَ حَلَّ عَرينَهُ
- مُتَجَدِّدَ العَزَماتِ ذاكَ الضَيغَمُ
خَفَقَت قُلوبُ المُسلِمينَ وَأَشفَقَت
- دارُ الخِلافَةِ وَالمَليكُ الأَعظَمُ
وَدَعا لَكَ البَيتُ الحَرامُ فَأَمَّنَت
- بَطحاءُ مَكَّةَ وَالحَطيمُ وَزَمزَمُ
وَدَوى بِمِصرَ لَكَ الدُعاءُ فَنيلُها
- وَسُهولُها وَفَصيحُها وَالأَعجَمُ
وَمَشى الصَغيرُ إِلى الكَبيرِ مُسائِلاً
- يَتَسَقَّطُ الأَخبارَ أَو يَتَنَسَّمُ
حَتّى اِطمَأَنَّت بِالشِفاءِ نُفوسُهُم
- وَطَلَعتَ بِالسَعدِ العَميمِ عَلَيهِمُ
مَولايَ أُمَّتُكَ الوَديعَةُ أَصبَحَت
- وَعُرا المَوَدَّةِ بَينَها تَتَفَصَّمُ
نادى بِها القِبطِيُّ مِلءَ لَهاتِهِ
- أَن لا سَلامَ وَضاقَ فيها المُسلِمُ
وَهمٌ أَغارَ عَلى النُهى وَأَضَلَّها
- فَجَرى الغَبِيُّ وَأَقصَرَ المُتَعَلِّمُ
فَهِموا مِنَ الأَديانِ ما لا يَرتَضي
- دينٌ وَلا يَرضى بِهِ مَن يَفهَمُ
ماذا دَها قِبطِيَّ مِصرَ فَصَدَّهُ
- عَن وُدِّ مُسلِمِها وَماذا يَنقِمُ
وَعَلامَ يَخشى المُسلِمينَ وَكَيدَهُم
- وَالمُسلِمونَ عَنِ المَكايِدِ نُوَّمُ
قَد ضَمَّنا أَلَمُ الحَياةِ وَكُلُّنا
- يَشكو فَنَحنُ عَلى السَواءِ وَأَنتُمُ
إِنّي ضَمينُ المُسلِمينَ جَميعُهُم
- أَن يُخلِصوا لَكُم إِذا أَخلَصتُمُ
رَبِّ الأَريكَةِ إِنَّنا في حاجَةٍ
- لِجَميلِ رَأيِكَ وَالحَوادِثُ حُوَّمُ
فَأَفِض عَلَينا مِن سَمائِكَ حِكمَةً
- تَأسو القُلوبَ فَإِنَّ رَأيَكَ أَحكَمُ
وَاِجمَع شَتاتَ العُنصُرَينِ بِعَزمَةٍ
- تَأتي عَلى هَذا الخِلافِ وَتَحسِمُ
فَكِلاهُما لِعَزيزِ عَرشِكَ مُخلِصٌ
- وَكِلاهُما بِرِضاكَ صَبٌّ مُغرَمُ