قراءة القرآن الكريم
قراءة القرآن الكريم
صِفة قراءة القرآن الكريم
يتمثّل الأدب في قراءة القرآن بأن تكون القراءة بتمهُّل، ووقار، وتدبُّر؛ فقد كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يُبيّن الحروف، ويُظهرها، ويُخرجها من مَخارجها حين يقرأ القرآن، وذهب العلماء إلى أنّ تلاوة القرآن بالأحكام واجبٌ شرعاً على كلّ مسلم؛ فقراءة القرآن، وإعطاؤه حقّه؛ بالتلاوة دون تحريف، أو تبديل، تُعَدّ إحدى الصفات التي أثنى الله -تعالى- بها على عباده المؤمنين؛ قال -عزّ وجلّ-: (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).
كيف تكون قراءة القرآن الكريم
تختصّ قراءة القرآن الكريم بكيفيّات أربع، بيانها فيما يأتي:
- الترتيل: وهو يعني إعطاء كلّ حرف من حروف القرآن حَقّه، ومُستحَقّه من المَخرج، والصفة، والحرص على إظهار التشديد في مكانه، وإتمام الحركة، وإظهار الحرف، وتطبيق أحكام النون ، والتنوين؛ من إظهارٍ، وإدغامٍ، وقلبٍ، وإخفاءٍ، ونحوها، وتفخيم المُفخَّم من الحروف، وترقيق المُرقَّق منها، والحرص على الوَقْف، والابتداء الصحيحَين، والالتزام بكافّة أحكام التجويد التي فصَّل فيها العلماء، فإن طبَّقها القارئ، فقد أتقنَ بذلك القراءة، وأجادَها.
- التحقيق: ويعني ترتيل القرآن بما ذُكِر سابقاً مع زيادة في الطمأنينة، والبُعد عن الإسراع، وهي القراءة التي تصلح للتعليم والتلقّي عن الشيوخ.
- الحَدر: ويعني ترتيل القرآن، والإتيان بأحكام القراءة كلّها مع الإسراع فيها، والحذر من التقليل في الحركات والغُنَن، أو بَتْر الحروف.
- التدوير: ويكون في حالة وُسطى بين التحقيق، والحَدر؛ وهو الترتيل بالإتيان بكلّ الأحكام، والقواعد، وتُعَدّ قراءة أغلب القُرّاء.
أنواع قراءة القرآن الكريم
تتنوّع أنواع قراءة القرآن الكريم بتنوُّع مقاصدها، وأهدافها، وبيانها فيما يأتي:
- النوع الأوّل: القراءة بقَصد خَتم القرآن ، وتحصيل الثواب، وهنا يهتمّ القارئ بقراءة أكبر قَدر من الآيات، والإكثار من الخَتمات؛ إذ إنّه ينال الأجر بمُجرَّد القراءة؛ فلم يحصر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الأجر في الفَهم، والتدبُّر، والقراءة المُحقَّقة فقط، وإنمّا جَعلها في النُّطق بحروف القرآن أيضاً، وهذا النوع من القراءة هو الأكثر انتشاراً بين المسلمين؛ سواءً الناطقين باللغة العربيّة، أو الأعاجم؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ).
- النوع الثاني: القراءة بقَصد التدبُّر والتفكُّر في المقروء، وبهذه القراءة يتحصّل المَقصد من نزول القرآن على الناس؛ إذ يتعلّمون منه أحكام الشَّرع، ومَقاصده؛ قال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، وهي أشرف أنواع القراءة، وبها تميّزت طبقة المُفسِّرين الأوائل من الصحابة، وتختلف درجة التدبُّر باختلاف المستوى العلميّ للشخص، ومَقصده، وهَدفه، ومن درجاتها ما يستعين به الأكاديميّون في بحوثهم، ودراساتهم.
- النوع الثالث: القراءة بقَصد حِفظ كتاب الله -تعالى-، ومُراجعة المحفوظ؛ فيُكرِّر الحُفّاظ المُقرَّرَ من الآيات حتى يحفظوها في صدورهم أوّل مرّة، ثمّ يجعلون لهم نصيباً يوميّاً من المُراجعة والتكرار لِما حَفِظوه، وتكرار المَحفوظ وتعاهُده أدعى لثباته في الصدور، واستحضاره عند الحاجة؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (تَعاهَدُوا هذا القُرْآنَ، فَوالذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ لَهو أشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإبِلِ في عُقُلِها).
- النوع الرابع: القراءة بقَصْد الترتيل، والتجويد؛ فتكون القراءة بإتقان، وإحسان، بهدف التدرُّب على قراءة القرآن وِفق أحكام التجويد ؛ امتثالاً لقوله -تعالى-: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا)؛ أي لتقرأه بتمهُّل، وتأنٍّ، وقد أدّت العناية بهذا النوع من القراءة عند عدد من القُرّاء إلى ظهور ما يُعرَف بطبقة قُرّاء القراءات ؛ وهم مجموعة من القُرّاء الذين يَعتنون بإتقان التلاوة، والعناية بأحكام التجويد، وتجميل الصوت في القراءة.
فضل قراءة القرآن الكريم
جعل الله -تعالى- لِمَن يقرأ من كتابه حَرفاً عشرَ حَسَنات؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقول الم حرفٌ ولَكن ألفٌ حرفٌ ولامٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ)، وهذا من بركة القرآن الكريم، وفَضله، كما أنّ تلاوته وتعاهُده سببٌ في شفاعته لصاحبه يوم القيامة ؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ)، ومن عِظَم فَضله وبركته أنّ الله -تعالى- جعلَ لِمَن قرأ منه في الصلاة أجراً عظيماً؛ وذلك أنّه كَمَن رجعَ إلى أهله بحُمر النّعم؛ وهي النوق الحوامل؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَيُحِبُّ أحَدُكُمْ إذا رَجَعَ إلى أهْلِهِ أنْ يَجِدَ فيه ثَلاثَ خَلِفاتٍ عِظامٍ سِمانٍ؟ قُلْنا: نَعَمْ، قالَ: فَثَلاثُ آياتٍ يَقْرَأُ بهِنَّ أحَدُكُمْ في صَلاتِهِ، خَيْرٌ له مِن ثَلاثِ خَلِفاتٍ عِظامٍ سِمانٍ)، ومَن قرأ في صلاة الليل مئةَ آية، كُتِب عند الله -تعالى- من القانتين، وكُتِب له قنوت ليلة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن قرأَ في ليلةٍ مائةَ آيةٍ لَم يُكتَبْ مِن الغافلينَ ، أو كُتِبَ مِن القانتينَ).
وقد ورد في السنّة النبويّة الكثير من النصوص التي تدلّ على فَضل القرآن، وشَرَف حامله، ومنها إشارة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى أنّ حامل القرآن وقارءه محسودٌ عليه؛ والحسد هنا بمعنى الغِبْطة المَحمودة؛ إذ قال: (لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ القُرْآنَ فَهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيْلِ وآناءَ النَّهارِ)، وبالقرآن تُرفَع درجات قارئه في الجنّة؛ فتكون درجته في الجنّة بحَسب تلاوته للقرآن، وعَمَله به، ويُستحَبّ أن يُحافظ المسلم على حِزبٍ يقرؤه في الليل؛ فإن نام عنه، أو نَسِيه، قرأه قبل صلاة الظهر ؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (من نامَ عن حِزْبِهِ، أوْ عن شيءٍ منه، فَقَرَأَهُ فِيما بيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ، وصَلاةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ له كَأنَّما قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ).
ووعد الله -سبحانه تعالى- مَن يقرأ القرآن، فيُجوّده، ويُرتِّله بالحَشر مع الملائكة السَّفَرة؛ والسَّفَرة هم رُسُل الله -تعالى- من الملائكة الذين يُحصون أعمالَ العباد، ويرفعونها إليه -سبحانه وتعالى-، وقد ورد ذلك في حديث الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ، والذي يَقْرَأُ وهو يَشْتَدُّ عليه له أجْرانِ)؛ فمَن قرأه وهو صعب عليه، فله أجران، أمّا من قرأه قراءة سليمة، وحَسَّن صوته في القرآن وتغنّى به، فقد أجزل الله -تعالى- له المَثوبة.
ما يُعين على قراءة القرآن الكريم
أفردَ العلماء العديد من الكُتب والبُحوث التي يتحدّثون فيها عن كيفيّة تدبُّر القرآن الكريم، والوسائل التي يتحصّل بها حُبّ القرآن الكريم في قلب العبد، وما يُعينه على الإقبال على تلاوته، ومن هذه الوسائل ما يأتي:
- الوسيلة الأولى: الإقبال على الله -تعالى-، واللجوء إليه، والاستعانة به، والتوكُّل عليه في تدبُّر كتابه، كما يجعل العبد للقرآن نصيباً من دعائه؛ فيسأل الله -تعالى- أن يكون من أهل القرآن، وأن يرزقه حُبّه، والإيمان به، والأحرى به أن يُلحّ في المسألة، ويُكرِّرها حتى يفتح الله -تعالى- عليه.
- الوسيلة الثانية: معرفة فضل القرآن الكريم مِمّا ورد في القرآن نفسه من فضائل، إضافة إلى ما ورد من فضائله في السنّة النبويّة -وقد تمّ بيان ذلك في ما سبق-، والقراءة عن عَظَمته، ومكانته، والاقتداء بالصالحين من سَلَف الأُمّة في حالهم مع القرآن؛ فيُفرد في جدوله اليوميّ وقتاً مُخصَّصاً لحِفظ النصوص والمُتون التي تتحدّث عن القرآن، ثمّ يقرأ شَرْحها، ويفهمها، ويحاول تطبيقها.
- الوسيلة الثالثة: استحضار الهدف من قراءة القرآن ؛ فالنيّة هي التي تُميّز العمل، وإخلاص النيّة وعُلوّ الهمّة يعني عِظَم الأجر والثواب، ومن الأهداف التي يمكن أن يستحضرها القارئ عند قراءة القرآن، ما يأتي:
- تحصيل الثواب: وقد ورد ذلك في قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَلَا وإنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَحَدُهُما كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، هو حَبْلُ اللهِ، مَنِ اتَّبَعَهُ كانَ علَى الهُدَى، وَمَن تَرَكَهُ كانَ علَى ضَلَالَةٍ).
- الاستزادة من العِلم: وقد ورد ذلك في قوله -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب)؛ وذلك بفَهم زبدة القراءة، ومقصودها الأوّل والأعظم، وهي حاصل التدبُّر والتفكُّر في آيات القرآن، وهذا هو العلم الذي يُنجّي المسلم في دُنياه، وآخرته؛ فيتولّد فيه الدافع للعلم، وتزداد إرادته وعزيمته للعمل، ويتّخذه مرجعاً له في شؤونه كلّها، وفي ما يقع له من إشكاليّات، وأسئلة.
- شفاء القلب والبَدَن: وقد ورد ذلك في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)؛ فالقرآن شفاءٌ للصدور ممّا يعتريها من هَمٍّ، وحُزن، وشفاءٌ للأبدان بالرُّقية الشرعيّة، وشفاءٌ للنفس، والقلب من أمراض الشَّهوات، والشُّبهات، كما تتحصّل الفائدة والشفاء بالقرآن بتلاوته في صلاة الليل، وفي آناء النهار، وسماعه في كلّ وقت وحِين.
- مُناجاة الله وسؤاله: يستشعر المسلم حين يقرأ القرآن أنّ ربّه يُخاطبه، وأنّه يسمعه، ويراه؛ فيسأل الله -تعالى- بما يمرّ على خاطره من دعاء، ويسأل الله -تعالى- الجنّة ، ويستعيذ من النار إن مَرّ به ذِكْرهما.
- العَمل بما ورد فيه: يبدأ المسلم بنيّة العمل بالقرآن أوّلاً، ثمّ يلتزم بالأوامر التي ذُكِرت فيه، ويجتنب المُحرَّمات التي نُهِي عنها، ويتجمّل بمَكارم الأخلاق، وفضائل الأعمال التي وردت فيه، ويُصلح ما يراه من خَلَل في نفسه بما يقرؤه من الآيات.
آداب قراءة القرآن الكريم
يلتزم قارئ القرآن الكريم بآداب تلاوته، ومن هذه الآداب ما يأتي:
- الإخلاص: يقصد قارئ القرآن وجه الله -تعالى- وحدَه، وعدم إرادة ما سواه، وتنزيه القلب من النوايا التي قد تشوبه، كالرياء ، وطلب السُّمعة، أو الرِّياسة، أو الوَجاهة، أو ابتغاء مَدح الناس وثنائهم.
- الطهارة: إذ تُستحَبّ طهارة الإنسان عند قراءة القرآن الكريم.
- السِّواك: يُطهّر قارئ القرآن فَمه بالسِّواك قَبل البدء بالتلاوة.
- نظافة المكان: يختار قارئ القرآن أفضل الأماكن، وأبعدها عن الضوضاء، والأوساخ، وأفضل مكان لقراءة القرآن هو المسجد ؛ حيث يجتمع فيه شَرَف المكان مع النظافة والهدوء، مع جواز القراءة في أيّ مكان غيره.
- استقبال القبلة: يُستحَبّ لقارئ القرآن استقبال القِبلة ؛ والجلوس بخشوع، وسكينة.
- الاستعاذة والبَسْملة: يبدأ قارئ القرآن بالاستعاذة ؛ امتثالاً لقول الله -تعالى-: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)، ولا تضرّ الاستعاذة بأيّ صيغة أخرى.
- الترتيل: يُستحَبّ لقارئ القرآن أن يُرتّل القرآن؛ وذلك امتثالاً لأمر الله -تعالى- الوارد في قوله: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)، وذلك أدعى لحضور القلب، وخشوعه.
أفضل وقت لقراءة القرآن الكريم
هناك تفاضُل في الوقت المُستحَبّ لقراءة القرآن الكريم؛ فقراءته بعد الفجر أفضل منها آخر النهار؛ إذ إنّ قرآن الفجر مشهودٌ كما قال -تعالى-: (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)، والشهود يعني: شهود ملائكة الليل وملائكة النهار جميعهم على صلاة الفجر؛ ففي ذلك الوقت تصعد ملائكة الليل، وتنزل ملائكة النهار، كما أنّ الفجر من الأوقات التي كانت مُحبَّبة إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان يقرأ فيه القرآن.