أشعار الوداع
الوداع
يحمل الوداع في طياته الحزن والألم بسبب الفراق، ويُغمر العقل فيه بالذكريات التي نقشت بالذاكرة والقلب، والمرسومة في المخيلة والتي نتمنى عودتها، وعودة تلك الأيام برفقة الأصحاب والأحباب، فالحزن الذي يملؤ لحظات الفراق هو حزن عميق لا يعرفه إلا من عاشه وعاش لحظة فراق الأحباب والأصحاب، وفي هذه المقالة سنقدم لكم أجمل القصائد التي قالها الشعراء عن الوداع.
قصيدة أسألك الرحيلا
أسألك الرحيلا للشاعر نزار قباني وهو شاعر سوري معاصر ولد في مارس عام 1923م، درس الحقوق في الجامعة السورية وتخرج منها عام 1945م، وأول ديوان له بعنوان قالت لي السمراء، ومن أشهر دواوينه طفولة نهد، والرسم بالكلمات وأسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم منشورات نزار قباني، وقال قصيدة بعنوان أسألك الرحيلا وقال فيها:
لنفترق قليلاً..
لخيرِ هذا الحُبِّ يا حبيبي
وخيرنا..
لنفترق قليلا
لأنني أريدُ أن تزيدَ في محبتي
أريدُ أن تكرهني قليلا
بحقِّ ما لدينا..
من ذِكَرٍ غاليةٍ كانت على كِلَينا..
بحقِّ حُبٍّ رائعٍ..
ما زالَ منقوشاً على فمينا
ما زالَ محفوراً على يدينا..
بحقِّ ما كتبتَهُ.. إليَّ من رسائلِ..
ووجهُكَ المزروعُ مثلَ وردةٍ في داخلي..
وحبكَ الباقي على شَعري على أناملي
بحقِّ ذكرياتنا
وحزننا الجميلِ وابتسامنا
وحبنا الذي غدا أكبرَ من كلامنا
أكبرَ من شفاهنا..
بحقِّ أحلى قصةِ للحبِّ في حياتنا
أسألكَ الرحيلا
لنفترق أحبابا..
فالطيرُ في كلِّ موسمٍ..
تفارقُ الهضابا..
والشمسُ يا حبيبي..
تكونُ أحلى عندما تحاولُ الغيابا
كُن في حياتي الشكَّ والعذابا
كُن مرَّةً أسطورةً..
كُن مرةً سرابا..
وكُن سؤالاً في فمي
لا يعرفُ الجوابا
من أجلِ حبٍّ رائعٍ
يسكنُ منّا القلبَ والأهدابا
وكي أكونَ دائماً جميلةً
وكي تكونَ أكثر اقترابا
أسألكَ الذهابا..
لنفترق.. ونحنُ عاشقان..
لنفترق برغمِ كلِّ الحبِّ والحنان
فمن خلالِ الدمعِ يا حبيبي
أريدُ أن تراني
ومن خلالِ النارِ والدُخانِ
أريدُ أن تراني..
لنحترق.. لنبكِ يا حبيبي
فقد نسينا
نعمةَ البكاءِ من زمانِ
لنفترق..
كي لا يصيرَ حبُّنا اعتيادا
وشوقنا رمادا..
وتذبلَ الأزهارُ في الأواني..
كُن مطمئنَّ النفسِ يا صغيري
فلم يزَل حُبُّكَ ملء العينِ والضمير
ولم أزل مأخوذةً بحبكَ الكبير
ولم أزل أحلمُ أن تكونَ لي..
يا فارسي أنتَ ويا أميري
لكنني.. لكنني..
أخافُ من عاطفتي
أخافُ من شعوري
أخافُ أن نسأمَ من أشواقنا
أخاف من وِصالنا..
أخافُ من عناقنا..
فباسْمِ حبٍّ رائعٍ
أزهرَ كالربيعِ في أعماقنا..
أضاءَ مثلَ الشمسِ في أحداقنا
وباسم أحلى قصةٍ للحبِّ في زماننا
أسألك الرحيلا..
حتى يظلَّ حبنا جميلا..
حتى يكون عمرُهُ طويلا..
أسألكَ الرحيلا..
قصيدة فراق ومن فارقت للمتنبي
المتنبي أحمد بن الحسين الكوفي الكندي، أبو الطيب وهو أحد مفاخر الأدب العربي، نشأ بالشام، ثم تنقل في البادية يطلب الأدب منها، ومدح سيف الدولة ابن حمدان، وابن بويه الديلمي أما قصيدته فكانت:
فِراقٌ وَمَنْ فَارَقْتُ غَيرُ مُذَمَّمِ
- وَأَمٌّ وَمَنْ يَمّمْتُ خيرُ مُيَمَّمِ
وَمَا مَنزِلُ اللّذّاتِ عِندي بمَنْزِلٍ
- إذا لم أُبَجَّلْ عِنْدَهُ وَأُكَرَّمِ
سَجِيّةُ نَفْسٍ مَا تَزَالُ مُليحَةً
- منَ الضّيمِ مَرْمِيّاً بها كلّ مَخْرِمِ
رَحَلْتُ فكَمْ باكٍ بأجْفانِ شَادِنٍ
- عَلَيّ وَكَمْ بَاكٍ بأجْفانِ ضَيْغَمِ
وَمَا رَبّةُ القُرْطِ المَليحِ مَكانُهُ
- بأجزَعَ مِنْ رَبّ الحُسَامِ المُصَمِّمِ
فَلَوْ كانَ ما بي مِنْ حَبيبٍ مُقَنَّعٍ
- عَذَرْتُ وَلكنْ من حَبيبٍ مُعَمَّمِ
رَمَى وَاتّقى رَميي وَمن دونِ ما اتّقى
- هوًى كاسرٌ كفّي وقوْسي وَأسهُمي
إذا ساءَ فِعْلُ المرْءِ ساءَتْ ظُنُونُهُ
- وَصَدَقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّمِ
وَعَادَى مُحِبّيهِ بقَوْلِ عُداتِهِ
- وَأصْبَحَ في لَيلٍ منَ الشّكّ مُظلِمِ
أُصَادِقُ نَفسَ المرْءِ من قبلِ جسمِهِ
- وَأعْرِفُهَا في فِعْلِهِ وَالتّكَلّمِ
وَأحْلُمُ عَنْ خِلّي وَأعْلَمُ أنّهُ
- متى أجزِهِ حِلْماً على الجَهْلِ يَندَمِ
وَإنْ بَذَلَ الإنْسانُ لي جودَ عابِسٍ
- جَزَيْتُ بجُودِ التّارِكِ المُتَبَسِّمِ
وَأهْوَى مِنَ الفِتيانِ كلّ سَمَيذَعٍ
- نَجيبٍ كصَدْرِ السّمْهَريّ المُقَوَّمِ
خطتْ تحتَهُ العيسُ الفلاةَ وَخالَطَتْ
- بهِ الخَيلُ كَبّاتِ الخميسِ العرَمرَمِ
وَلا عِفّةٌ في سَيْفِهِ وَسِنَانِهِ
- وَلَكِنّهَا في الكَفّ وَالطَّرْفِ وَالفَمِ
وَمَا كُلّ هَاوٍ للجَميلِ بفاعِلٍ
- وَلا كُلّ فَعّالٍ لَهُ بِمُتَمِّمِ
فِدىً لأبي المِسْكِ الكِرامُ فإنّهَا
- سَوَابِقُ خَيْلٍ يَهْتَدينَ بأدْهَمِ
أغَرَّ بمَجْدٍ قَدْ شَخَصْنَ وَرَاءَهُ
- إلى خُلُقٍ رَحْبٍ وَخَلْقٍ مُطَهَّمِ
إذا مَنَعَتْ منكَ السّياسةُ نَفْسَها
- فَقِفْ وَقْفَةً قُدّامَهُ تَتَعَلّمِ
يَضِيقُ على مَن راءَهُ العُذْرُ أن يُرَى
- ضَعيفَ المَساعي أوْ قَليلَ التّكَرّمِ
وَمَن مثلُ كافورٍ إذا الخيلُ أحجَمَتْ
- وَكانَ قَليلاً مَنْ يَقُولُ لها اقدِمِي
شَديدُ ثَباتِ الطِّرْفِ والنقعُ وَاصِلٌ
- إلى لهَوَاتِ الفَارِسِ المُتَلَثِّمِ
أبا المسكِ أرْجو منك نصراً على العِدى
- وآمُلُ عِزّاً يخضِبُ البِيضَ بالدّمِ
وَيَوْماً يَغيظُ الحاسِدينَ وَحَالَةً
- أُقيمُ الشّقَا فِيها مَقامَ التّنَعّمِ
وَلم أرْجُ إلاّ أهْلَ ذاكَ وَمَنْ يُرِدْ
- مَوَاطِرَ من غَيرِ السّحائِبِ يَظلِمِ
فَلَوْ لم تكنْ في مصرَ ما سرْتُ نحوَها
- بقَلْبِ المَشُوقِ المُستَهامِ المُتَيَّمِ
وَلا نَبَحَتْ خَيلي كِلابُ قَبَائِلٍ
- كأنّ بها في اللّيلِ حَمْلاتِ دَيْلَمِ
وَلا اتّبَعَتْ آثَارَنَا عَينُ قَائِفٍ
- فَلَمْ تَرَ إلاّ حافِراً فَوْقَ مَنْسِمِ
وَسَمْنَا بها البَيْدَاءَ حتى تَغَمّرَتْ
- من النّيلِ وَاستَذرَتْ بظلّ المُقَطَّمِ
وَأبْلَجَ يَعصِي باختِصاصي مُشِيرَهُ
- عَصَيْتُ بقَصْدِيهِ مُشيرِي وَلُوَّمي
فَسَاقَ إليّ العُرْفَ غَيرَ مُكَدَّرٍ
- وَسُقْتُ إلَيْهِ الشكرَ غيرَ مُجَمجَمِ
قدِ اخترْتُكَ الأملاكَ فاخترْ لهمْ بنا
- حَديثاً وَقد حكّمتُ رَأيَكَ فاحكُمِ
فأحْسَنُ وَجهٍ في الوَرَى وَجهُ مُحْسِنٍ
- وَأيْمَنُ كَفٍّ فيهِمِ كَفُّ مُنعِمِ
وَأشرَفُهُمْ مَن كانَ أشرَفَ هِمّةً
- وَأكثرَ إقداماً على كلّ مُعْظَمِ
لمَنْ تَطْلُبُ الدّنْيا إذا لم تُرِدْ بها
- سُرُورَ مُحِبٍّ أوْ مَساءَةَ مُجرِمِ
وَقَدْ وَصَلَ المُهْرُ الذي فوْقَ فَخْذِهِ
- منِ اسمِكَ ما في كلّ عنقٍ وَمِعصَمِ
لكَ الحَيَوَانُ الرّاكبُ الخَيلَ كلُّهُ
- وَإنْ كانَ بالنّيرانِ غيرَ موَسَّمِ
وَلَوْ كنتُ أدرِي كم حَياتي قَسَمتُها
- وَصَيّرْتُ ثُلثَيها انتِظارَكَ فاعْلَمِ
وَلَكِنّ ما يَمضِي منَ الدّهرِ فائِتٌ
- فَجُدْ لي بخَطّ البادِرِ المُتَغَنِّمِ
رَضِيتُ بمَا تَرْضَى بهِ لي مَحَبّةً
- وَقُدْتُ إلَيكَ النّفسَ قَوْدَ المُسَلِّمِ
وَمِثْلُكَ مَن كانَ الوَسيطَ فُؤادُهُ
- فَكَلّمَهُ عَنّي وَلَمْ أتَكَلّمِ
قصيدة الوداع
ولد الشاعر إبراهيم الناجي، في حي شبرا بالقاهرة عام 1898م، وتخرج من مدرسة الطب في عام 1922م، وقد عمل في وزارة المواصلات، ثم انتقل للعمل في وزارة الصحة، ثم عمل مراقباً عاماً للقسم الطبي لوزارة الأوقاف، ومن دواوينه الشعرية: وراء الغمام، وليالي القاهرة، وفي معبد الليل، والطائر الجريح، وقد نظم قصيدة الوداع وقال فيها:
حان حرماني وناداني النذيرْ
- ما الذي أعدّدْتُ لي قبل المسيرْ
زمني ضاع وما أنصفتني
- زاديَ الأولُ كالزاد الأخيرْ
ريّ عمري من أكاذيبِ المنى
- وطعامي من عفافٍ وضميرْ
وعلى كفِك قلبٌ ودمٌ
- وعلى بابِك قيدٌ وأسيرْ!
حانَ حرماني فدعني يا حبيبي
- هذه الجنةُ ليستْ من نصيبي
آه من دارِ نعيمٍ كلما
- جئتها أجتازُ جسراً من لهيبِ
وأنا إلفك في ظل الصِّبا
- والشباب الغضِّ والعمرِ القشيبِ
أنزلُ الربوةَ ضيفاً عابراً
- ثم أمضي عنك كالطيرِ الغريبِ
لِمَ يا هاجرُ أصبحتَ رحيما
- والحنانُ الجمُّ والرقةُ فيما؟!
لِم تسقينيَ من شهدِ الرضا
- وتلاقيني عطوفاً وكريما
كلُّ شيء صار مرّاً في فمي
- بعدما أصبحتُ بالدنيا عليما
آه من يأخذُ عمري كلَّه
- ويعيدْ الطفلَ والجهلَ القديما!
هل رأى الحبُّ سكارى مثلنا؟!
- كم بنينا من خيالٍ حولنا!
ومشينا في طريق مقمرٍ
- تثبُ الفرحةُ فيه قبلنا!
وتطلعنا إلى أنجمه
- فتهاوين وأصبحنَ لنا!
وضحكنا ضحك طفلينِ معاً
- وعدونا فسبقنا ظلنا!
وانتبهنا بعد ما زال الرحيق
- وأفقنا. ليتَ أنا لا نفيقْ!
يقظةٌ طاحت بأحلامِ الكَرَى
- وتولّى الليلُ، واللَّيْلُ صَدِيقْ
وإذا النُّورُ نَذِيرٌ طَالعٌ
- وإِذا الفجرُ مُطِلٌّ كالحَرِيقْ
وإذا الدُّنيا كما نعرفُها
- وإذَا الأحْبَابُ كلٌّ في طَريق
هاتِ أسعدْني وَدَعْني أسْعدُكْ
- قَدْ دَنا بعدَ التَّنائي موردُكْ
فأذقنيه فإِني ذاهِبٌ
- لا غدي يُرجَى ولا يُرجَى غدُكْ
وا بلائي من لياليَّ التي
- قرَّبَتْ حَيْني وراحَتْ تبعِدُكْ!
لا تَدَعْني للَّيالي فغداً
- تجْرَحُ الفُرْقةُ ما تأسو يَدُكْ!
أزف البينُ وقد حان الذّهابْ
- هذه اللَّحظةُ قُدَّت مِن عَذَابْ
أزف البينُ، وهل كان النَّوى
- يا حبيبي غير أن أغْلق بابْ ؟!
مَضتِ الشّمْشُ فأمسيتُ وقد
- أغلقت دونيَ أبوابُ السَّحابْ
وتلفَّتُّ على آثارِهَا
- أسْألُ اللَّيْلَ! ومَنْ لي بالجوابْ؟!
قصيدة وداع وشكوى
الشاعر إيليا أبو ماضي، ولد الشاعر في لبنان سنة 1891م، ثم غادر الى الإسكندرية، وانتقل كذلك للولايات المتحدة الأمريكية، وكان له عدة دواوين وهي: تذكار الماضي، والجداول، والخمائل، وأما قصيدته الوداع والشكوى فقال فيها:
أزفّ الرّحيل وحان أن نتفرّقا
- فإلى اللّقا يا صاحبّي إلى اللّقا
إن تبكيا فلقد بكيت من الأسى
- حتى لكدت بأدمعي أن أغرقا
وتسعّرت عند الوداع أضالعي
- نارا خشيت بحرّها أن أحرقا
ما زلت أخشى البين قبل وقوعه
- حتى غدوت وليس لي أن أفرقا
يوم النوى ، للّه ما أقسى النّوى
- لولا النّوى ما أبغضت نفسي البقا
رحنا حيارى صامتين كأنّما
- للهول نحذر عنده أن ننطقا
أكبادنا خفّاقة وعيوننا
- لا تستطيع ، من البكا، أن ترمقا
نتجاذب النظرات وهي ضعيفة
- ونغالب الأنفاس كيلا تزهقا
لو لم نعلّل باللقاء نفوسنا
- كادت مع العبرات أن تتدّفقا
يا صاحبي تصبّرا فلربّما
- عدنا وعاد الشّمل أبهى رونقا
إن كانت الأيّام لم ترفق بنا
- فمن النّهى بنفوسنا أن نرفقا
أنّ الذي قدر القطيعة والنّوى
- في وسعه أن يجمع المتفرّقا!..
ولقد ركبت البحر يزأر هائجا
- كالليث فارق شبله بل أحنفا
والنفس جازعة ولست ألومها
- فالبحر أعظم ما يخاف ويتّقى
فلقد شهدت به حكيما عاقلا
- ولقد رأيت به جهولا أخرقا
مستوفز ما شاء أن يلهو بنا
- مترّفق ما شاء أن يتفرّقا
تتنازع الأمواج فيه بعضها
- بعضا على جهل تنازعنا البقا
بينا يراها الطّرف سورا قائما
- فاذا بها حالت فصارت خندقا
والفلك جارية تشقّ عبابه
- شقّا، كما تفري رداء أخلقا