أشعار الرافعي في الحب
بليت بهذا الحب أحمله وحدي
بليتُ بهذا الحبِّ أحملهُ وحدي
- وكلٌّ لهُ وجدُ المحبِّ ولا وجدي
هي الحسنُ في تمثالها وأنا الهوى
- فلا عاشقٌ قبلي ولا عاشقٌ بعدي
وفي كلِّ وادٍ للغرامِ بشاشةٌ
- فشأني في باريسَ شأني في نجدِ
ولم أنسَ يوماً جئتها ذاتَ صبحة
- عليلاً كما هبَّ النسيمُ بلا وعدِ
وكنتَ وكانت والدلالُ يصدُّها
- فتبدي الذي أخفي وتخفي الذي أبدي
وما زلتُ حتى كاتمتني قبلةً
- على حذرٍ حتى من الحليْ والعقدِ
وكنا كمثلِ الزهرِ يلثمُ بعضهُ
- ولا صوتَ للنسرينِ في شفةِ الوردِ
وكانَ فمي فيهِ إليها رسالةً
- فسلمها فاها وحمِّلض بالردِ
إذا لم يكنْ عندَ الحبيبةِ لي جوىً
- فقولوا لماذا لا يكونُ الجوى عندي
أنت غرست الحب في أضلعي
أنتَ غرستَ الحبَّ في أضلعي
- فكيفَ لا أسقيهِ من أدمعي
لو شئتَ يا حلوَ اللمى لم تبتْ
- غلةَ هذا القلبِ لم تنقعِ
ولم أبتْ ليلةَ جافيتني
- من مضجعٍ جافٍ إلى مضجعِ
إذا دعاني السهدُ لبيتهُ
- وإن دعوتُ النومَ لم يسمعِ
أسألُ ليليَ ما لهُ لم يغبْ
- وما لنجمِ الصبحِ لم يطلعِ
وأحسبُ الطيرَ إذا رجعتْ
- حنتْ لمن أهوى فناحتْ معي
ذو هيفٍ يقنعني طيفهُ
- وهو بغيرِ الروحِ لم يقنعِ
لم ألقَ ممن نظروا وجههُ
- الا فتىً يعشقُ أويدعي
يا هاجراً أسقمني طرفهُ
- كلُ دواءٍ فيَّ لم ينجع
كم حرقةٍ قد ضاقَ صدري بها
- ولوعةٍ كاتمتها اضلعي
وحسرةٍ في النفسِ ما غادرتْ
- قلب الفتى العذريِّ حتى نُعي
أخلفها بعدي لأهلِ الهوى
- من موجعِ القلبِ إلى موجعِ
تستنزلُ المالكَ عن عرشهِ
- بينَ يدي عرشِ الهوى الأرفعِ
وتبعث الروعة يوم الوغى
- إلى فؤاد البطل الأورعِ
فابعث لقلبي منكَ تسليمةً
- أبثها في ذلكَ الموضعِ
تسترجع النومَ إلى أعيني
- فقد مضى النومُ ولم يرجعِ
كم أمرَ الحبُّ وكم قد نهى
- فبتُّ باكي العينِ لم أهجعِ
ومن يكنْ قائُدُهُ حُبُّهُ
- يقدهُ بالرغمِ إلى المصرعِ
قتل الحب يا ليالي الوداد
قُتِلَ الحبُّ يا ليالي الودادِ
- فاسلمي بالقلوبِ والأكبادِ
مهجةٌ تتلظى غراماً ولكنْ
- ألفُ قلبٍ يغلي من الأحقادِ
وصدورٌ كالنارِ غطّىَ عليها
- من سوادِ الرياءِ شبهُ الرمادِ
وهمومُ الحياةِ تخلقُ للقل
- بِ وأيُّ امرئٍ بغيرِ فؤادِ
ما أمِنَّا الزمانَ إلا كما يأ
- منُ إبليسَ زاهدُ الزهادِ
كلُّ يومٍ يصيحُ بالناسِ صوتاً
- كضجيجِ الساعاتِ في الميعادِ
أينَ من يأمنُ العواديَ والنا
- سُ بأجناسهم ثمارُ العوادي
من تَدَعْهُ فريثما يدركُ النض
- جُ وربُّ البستانِ بالمرصادِ
وقتيلٌ من كانَ في الغابِ حيّاً
- تتولاهُ أعينُ الآسادِ
أرقني يا حمام ذا الكمد
أرقني يا حمامُ ذا الكمدُ
- فهل وجدْتَ الهوى كما أجدُ
بتُّ على الغصنِ نائحاً غرِداً
- وبتُّ أبكي الذينَ قدْ بعدوا
وأعيني ما تزالُ واكفةً
- وأضلعي ما تزالُ تتقدُ
إنا كلانا لعاشقٌ دنفٌ
- طارَ بنومي ونومكَ السهدُ
فنحِّ رويداً فما سوى كبدي
- تذوبُ يا باعثَ الجوى كبدُ
لي مهجةٌ تعشقُ الجمالَ وهلْ
- يلامُ في حبِّ روحهِ الجسدُ
عذبها بالصدودِ ذو هيفٍ
- أغيدٌ قد زانَ جيدَهُ الجيدُ
تعزُّ في حسنهِ الظباءُ وقد
- ذللَ في ملكِ حسنِهِ الأسدُ
قفا على دارهِ فاسألاهُ
- أقلُ من وعدِهِ الذي يعدُ
وغنيا إن رأيتما طللاً
- أقفرَ بعدَ الأحبةِ البلدُ
عصافير يحسبن القلوب من الحب
عصافيرُ يحسبنَ القلوبَ من الحبِّ
- فمنْ لي بها عصفورةٌ لقطتْ قلبي
وطارتْ فلما خافتِ العينُ فوتها
- أزالتْ لها حباً من اللؤلؤ الرطبِ
فيا ليتني طيرٌ أجاور عشها
- فيوحشُها بعدي ويؤنسُها قربي
ويا ليتها قد عششتْ في جوانبي
- تغردُ في جنبٍ وتمرحُ في جنبِ
ألا يا عصافيرَ الربا قد عشقتُها
- فهبي أعلمكِ الهوى والبكا هبي
أعلمكِ النوحَ الذي لو سمعتِهِ
- رثيتِ لأهلِ الحب من شغفِ الحبِ
خذي في جناحيكِ الهوى من جوانحي
- وروحي بروحي للتي أخذتْ لبي
نظرتُ إليها نظرةً فتوجعتْ
- وثنيتُ بالأخرى فدارتْ رحى الحربِ
فمن لحظةٍ يرمى بها حدَ لحظهِ
- كما التحمَ السيفانِ عضباً على عضبِ
ومن نظرةٍ ترتدُ من وجهِ نظرةٍ
- كما انفلبَ الرمحانِ كعباً إلى كعبِ
فساقتْ لعيني عينها أي أسهمٍ
- قذفنَ بقلبي كلَّ هولٍ من الرعبِ
وساق لسمعي صدرها كلَّ زفرةٍ
- أقرت بصدري كلّ شيءٍ من الكربِ
ودارت بي الألحاظُ من كل جانبٍ
- فمنهنَّ في سلبي ومنهنَّ في نهبي
فقلتُ خدعنا إنها الحربُ خدعةً
- وهون خطبي أن أسر الهوى خطبي
فقالت إذا لم تنجُ نفسٌ من الردى
- فحسبكَ أن تهوى فقلتُ لها حسبي
وليَ العذرُ إما لامني فيكِ لائمٌ
- فأكبرُ ذنبي أن حبكِ من ذنبي
ويا منْ سمعتمْ بالهوى إنما الهوى
- دمٌ ودمُ هذاكَ يصبو وذا يصبي
متى ائتلفا ذلاً ودلاً تعاشقا
- وإلا فما رونقِ الحسنِ ما يسبي
سلوني انبئكمْ فما يدر ما الهوى
- سوايَ ولا في الناسِ مثلي من صبِ
إذا شعراءُ الصيدِ عدوا فإنني
- لشاعرُ هذا الحسنِ في العُجْمِ والعُرْبِ
وإن أنا ناجيتُ القلوبَ تمايلتْ
- بها نسماتُ الشعرِ قلباً على قلبِ
وبي من إذا شاءتْ وصفتُ جمالها
- فواللهِ ما يبقى فؤادٌ بلا حبِّ
من الغيدِ أما دلُّها فملاحةٌ
- وأما عذابي فهو من ريقها العذبِ
ولم يبقِ منها عُجبُها غيرَ خطرةٍ
- ولا هي أبقتْ للحسانِ من العجبِ
عرضتُ لها بينَ التذلّلِ والرضا
- وقد وقفتْ بينَ التدللِ والعتبِ
وأبصرتُ أمثالَ الدمى يكتنفنني
- فقلتُ أهذي الشهبُ أم شبهُ الشهبِ
فما زالَ يهدي ناظري نورَ وجهِها
- كما نظرَ الملاحُ في نجمةِ القطبِ
وقد رُحنَ أسراباً وخفتُ وشاتَها
- فعيني في سربٍ وقلبي في سربِ
وقالتْ تجلّد قلتُ يا ميُّ سائلي
- عن الحزنِ يعقوباً ويوسفَ في الجبِ
وما إن أرى الأحبابَ إلا ودائعاً
- ترد فإما بالرضاءِ أو الغصبِ