حكم الاحتلام في رمضان
حُكم الاحتلام في رمضان
الاحتلام في نهار رمضان لا يُبطل الصيام، كما لا يترتّب القضاء على مَن احتلم؛ إذ إنّ ذلك خارجٌ عن الإرادة والقصد، وذلك ما اتّفق عليه العلماء؛ فالتحرُّز منه لا يكون إلّا بحرجٍ، ومَشقّةٍ؛ نظراً لأنّه يحصل بالنوم، ولا يمكن منع الاحتلام إلّا بمنع النوم، والنوم مباحٌ، ولا يمكن تركه، كما يُحتَجّ بعدم فساد الصيام بسبب الاحتلام؛ بأنّ إنزال المني لم يكن عن شهوةٍ، ومباشرةٍ حقيقيّة، ولذلك لم يفسد الصيام بسببه، إضافة إلى أنّ النائم فعله خارجٌ عن التكليف، ولا اختيار له فيه؛ لقَوْل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عنِ النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعنِ الصَّبيِّ حتَّى يحتلمَ، وعنِ المجنونِ حتَّى يعقلَ)، والاحتلام يحصل دون اختيار المُكلَّف، كدخول شيءٍ في فمه وهو نائمٌ.
تعريف الاحتلام
يُعرَّف الاحتلام في اللغة والاصطلاح الشرعيّ كما يأتي:
- الاحتلام لغةً: يُطلَق على عدّة معانٍ، منها: ما يراه النائم من المُباشرة، ويحدث بسببه إنزالٌ للمَني* في أغلب الحالات، ويُطلَق أيضاً على البلوغ، والإدراك.
- الاحتلام شرعاً: عرّف الفقهاء الاحتلام بأنّه: ما يراه النائم من المباشرة، أو غيرها، ويُؤدّي إلى نزول المَني غالباً، ويكون من الرجل أو المرأة على حَدٍّ سواءٍ؛ بدليل ما أخرجه الإمام البخاريّ عن أمّ المؤمنين أمّ سلمة -رضي الله عنها-، أنّها قالت: (جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أبِي طَلْحَةَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَتْ يا رَسولَ اللَّهِ: إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، هلْ علَى المَرْأَةِ مِن غُسْلٍ إذَا هي احْتَلَمَتْ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: نَعَمْ إذَا رَأَتِ المَاءَ)، وتجدر الإشارة إلى الاختلاف والفرق بين الاحتلام والاستمناء ؛ فيُراد بالاستمناء: طلب خروج المني حال اليقظة لا النوم؛ سواءً باليد، أو بأيّ وسيلةٍ أخرى، ويُحرَّم الاستمناء، ويلزم الغُسل بسببه إن نزل المني، مع فساد الصيام إن كان ذلك في نهار رمضان.
ما يترتّب على الاحتلام في رمضان
الاحتلام من أسباب الجَنابة
تحدُث الجَنابة بسبَبين؛ الأوّل: الجماع، ولو لم يرافقه إنزالٌ للمني؛ بدليل ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إذا جَلَسَ بيْنَ شُعَبِها الأرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَها، فقَدْ وجَبَ عليه الغُسْلُ. وفي حَديثِ مَطَرٍ: وإنْ لَمْ يُنْزِلْ)، والسبب الثاني: الاحتلام؛ ودليله ما أخرجه البخاري ممّا رُوي عن أمّ سلمة -رضي الله عنها-: (جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أبِي طَلْحَةَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَتْ يا رَسولَ اللَّهِ: إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، هلْ علَى المَرْأَةِ مِن غُسْلٍ إذَا هي احْتَلَمَتْ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: نَعَمْ إذَا رَأَتِ المَاءَ).
أثر الاحتلام في الغُسل
الغُسل من الآثار المُتعلِّقة بالاحتلام؛ فمَن احتلم، ولم يجد مَنياً، فلا غُسل عليه، قال ابن المنذر في ذلك: "أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُل مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ"، بينما يجب الغُسل في حقّ مَن وجد منياً، سواءً تذكّر أنّه احتلم، أم لا؛ لِما رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، أنّها قالت: (سُئِلَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عَنِ الرجُلِ يَجِدُ البَلَلَ ولا يَذْكُرُ احتِلامًا؟ قال: يَغْتَسِلُ، وَعَنِ الرجلِ يَرَى أنه قَدِ احتَلَمَ ولا يَجِدُ بَلَلًا؟ قال: لا غُسْلَ عليه، قالت أُمُّ سُلَيْمٍ: هل عَلَى المَرْأَةِ -تَرَى ذلك- غُسْلٌ؟ قال: نَعَمْ، إنَّ النساءَ شقائِقُ الرجالِ)، مّا مَنْ وجد المَني في فراشٍ تشاركَه مع غيره ممّن قد يحتلم؛ فلأهل العلم في المسألة أقوال، خلاصتها فيما يأتي:
- القول الأوّل: قال كلٌّ من الشافعيّة، والحنابلة باستحباب الغُسل لكلٍّ منهما، ولا تجوز صلاة أحدهما مُقتدياً بالآخر قبل الغُسل؛ للشكّ، وعدم اليقين بطهارتهما، دون التفريق إن كانا متزوّجَين، أم لا.
- القول الثاني: قال الحنفيّة بوجوب الغُسل على كلٍّ منهما، دون التفريق إن كانا متزوّجَين، أم لا.
- القول الثالث: فصّل المالكيّة في قولهم؛ فقالوا إنّهما إن كانا مُتزوّجين، فالغُسل واجبٌ على الزوج وحده؛ لأنّ خروج المَني غالباً يكون من الزوج، أمّا إن لم يكونا مُتزوّجَين، فالغُسل واجبٌ عليهما.
كما تناول أهل العلم مسألة الشكّ في تحديد البَلَل الموجود في الفراش؛ إنْ كان مَنياً، أم لا، وذهبوا في ذلك إلى أقوال، بيانها فيما يأتي:
- القول الأوّل: قال الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة بوجوب الغُسل ، إلّا أنّ الحنفيّة اشترطوا لوجوب الغُسل الشكَّ بين المَني والمَذي *، أو بين المَني والوَدي*، أو بين المَذي والوَدي، وقيّد المالكيّة وجوب الغُسل، بالشكّ في أمرَين فقط، أحدهما مَنيٌ.
- القول الثاني: قال الشافعيّة بالتخيير في جَعْل البلل مَنياً، أو غيره ممّا يُشَكّ فيه؛ لأنّ الذِّمة مشغولةٌ في طهارةٍ غير مُعيّنةٍ، ثمّ الحُكم بما يترتّب بناءً على ذلك التخيير.
ما يحرُم بالجنابة
تُحرَّم عدّة أمورٍ على المسلم بسبب الجَنابة، وبيانها آتياً:
- الصلاة، والطواف بالبيت الحرام.
- تلاوة القرآن.
- حَمْل المصحف، ولَمْسه، إلّا إن وُجِد غلافٌ له.
- المكوث في المسجد.
الهامش
- المَني: الماء الخارج دَفْقاً وبقوّةٍ؛ بسبب تحقُّق اللَذّة والشهوة الكُبرى، ويجب بسببه الغُسل.
- الوَدي: الماء الأبيض، الخارج عَقْب خروج البَوْل، أو قبله، وفي الغالب عَقْبه، مع الإشارة إلى عدم ارتباطه بالشهوة.
- المَذي: الماء الخارج بسبب الشهوة واللذّة الصُّغرى، ويلزم بسببه تطهير المكان، والوضوء.