فضل صيام التطوع
فضل صيام التطوع
يُعَدّ الصيام إحدى العبادات التي شرع الله -تعالى- فيها التطوُّع، وهي عبادة عظيمة، ووسيلة جليلة للتقرُّب من الله -عزّ وجلّ-، وقد وردت في فضل الصيام في السنّة النبويّة العديد من الأحاديث، كقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ معهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ منه، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ، أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ منه أَحَدٌ)، كما أنّ الصوم يُعَدّ من مُكفِّرات الذنوب، قال -عليه الصلاة والسلام-: (فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أهْلِهِ ومالِهِ ووَلَدِهِ وجارِهِ، تُكَفِّرُها الصَّلاةُ والصَّوْمُ والصَّدَقَةُ)، وعبادة الصيامُ تقي المسلم من الانغماس في الشهوات، وترتفع بها درجته في الجَنَّة، وهي إحدى وسائل شُكر الله -تعالى-على نِعَمه، ومن فضائل الصيام ما يأتي:
- الصيام سياحة؛ إذ إنّ اعتياد الصيام، والمُداومة عليه، صِفة أثنى الله -تعالى- عليها في القرآن الكريم ؛ فوصف الصائمين بالسائحين في قوله: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)، وجاء عن عائشة -رضي الله عنها- وابن عباس -رضي الله عنهما- وغيرهما أنّ المراد بالسّائحين في الآية: الصائمون؛ فسياحة الأمة صيامها.
- الصيام لا مِثل له؛ وذلك لورود هذا الفضل في وصيّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لأحد الصحابة؛ إذ قال: (عليكَ بالصَّومِ فإنَّهُ لا عدلَ لَه).
- الصيام مُضاف إلى الله -تعالى-؛ فقد رفع الله -تعالى- قَدْر الصيام بإضافته إلى نفسه؛ فقد قال في الحديث القدسيّ الذي أخبر به النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به)، أمّا قوله "فإنّه لي"؛ فذلك أنّ الصيام من الأعمال التي يسهل فيها الإخلاص، ويصعب فيها الرياء؛ لأنّ إخفاءها عن الناس يسير؛ فهو من الأعمال التي لا تظهر أمام الناس بحركات مُعيَّنة، وإنّما هي نيّة في القلب.
- الصيام سبب في رَفع درجات المؤمن؛ إذ يجزيه الله -تعالى- به جزاءً كثيراً.
- الصيام من الصبر؛ فهذه العبادة تتطلّب قَدْراً كبيراً من جهاد النفس في الصبر على الشهوات، ويجتمع في الصوم نوعان من أنواع الصبر ، هما: الصبر على طاعة الله -تعالى-، والصبر على ترك المعاصي، قال -عليه الصلاة والسلام-: (والصومُ نِصفُ الصَّبرِ).
- الصيام يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة، قال -عليه الصلاة والسلام-: (الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامةِ، يقولُ الصيامُ: أيْ ربِّ إنِّي منعتُه الطعامَ و الشهواتِ بالنهارِ فشفعْنِي فيهِ).
أمثلة على صيام التطوُّع وفَضلها
جعل الله -سبحانه وتعالى- باب التطوُّع في صيام النَّفل واسعاً؛ بحيث يمكن للعبد أن ينوي ويشرع بصيام التّطوع في أيّ يوم، باستثناء الأيام التي ورد نهي عن صيامها، ولصيام التطوُّع العديد من الأنواع التي ورد ذِكر فَضلها في السنّة النبويّة، وبيانها فيما يأتي:
- صيام الستّ من شوّال: ولهذا الصيام فضل عظيم عند الله -سبحانه-؛ فلمّا كانت الحَسنة تُضاعف إلى عشرة أمثالها؛ فإنّ صيام الستّ من شوّال كصيام شهرَين في الأجر والثواب، وهو أوّل صيام تطوّع مشروع بعد شهر رمضان، حيث يخرج المسلم من شهر رمضان بأجر صيام عشرة أشهر، والله يُضاعف لمن يشاء، وبهذا يكون من حافظ على صيام الستّ من شوال كأنما صام الدّهر كلّه، ودليل ذلك قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: ( مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ).
- صيام تاسوعاء وعاشوراء: كان صيام عاشوراء مفروضاً على المسلمين قبل فرض شهر رمضان المبارك، إلّا أنّه حين فرض الله -تعالى- عليهم صيام شهر رمضان، أصبح صيام عاشوراء مُستحَبّاً، وكان -عليه الصلاة والسلام- حريصاً على صيام يوم عاشوراء ؛ راغباً في الأجر المُترتّب عليه، إذ قال: (صِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ.)، وعاشوراء هو اليوم العاشر من شهر مُحرَّم، أمّا تاسوعاء، فهو اليوم التاسع منه، وصيامهما معاً مُستحَبّ، والحكمة من الحثّ على صيام اليومين هو مُخالفة اليهود الذين كانوا يصومون يوم عاشوراء فقط.
- صيام يوم عرفة: وهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجّة، وصيام هذا اليوم له فضلٌ عظيم، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن صام يومَ عرفةَ غفر اللهُ له سَنَتَيْنِ : سنةً أمامَه ، وسنةً خلفَه).
- صيام الأيّام البِيض: وهو صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وقد ورد فَضلها في قوله -عليه الصلاة والسلام-: (وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فإنَّ الحَسَنَةَ بعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذلكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ)، والأيّام البِيض من كلّ شهر، هي: اليوم الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وجماعة المالكية إلى أنّ مُوافقة صيام الأيّام الثلاثة من كلّ شهر لصيام الثلاثة البِيض مُستحَبّ.
- صيام الاثنين والخميس: وهو أحد الأعمال التي واظب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على فِعلها كلّ أسبوع؛ وقد ورد سبب صيامه هذين اليومَين في قوله -عليه الصلاة والسلام-: (تُعرَضُ الأعمالُ يومَ الاثنينِ والخميسِ فأحبُّ أن يُعرَضَ عملي وأنا صائمٌ)، وهذا النوع من صيام التطوُّع مُستحَبّ.
- صيام يومٍ وإفطار يومٍ: وهو صيام داود -عليه السلام-، ويُعَدّ صياماً مُستحَبّاً شرعاً، فهو من أحبّ الصيام إلى الله -تعالى-، كما أنّه أفضل صيام التطوُّع، قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ، وأَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وكانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ، ويَصُومُ يَوْمًا، ويُفْطِرُ يَوْمًا).
التقرُّب إلى الله بالتطوُّع
أنعم الله -سبحانه وتعالى- على عباده بأن جعل أمر التقرُّب إليه واسعاً، ويسيراً غير عسير، وفتح لهم باب الطاعات التي تُقرّبهم إلى نَيل رضاه في الدُّنيا والآخرة، وقد ثبت هذا المعنى فيما رواه النبيّ -صلّى الله عليه وسلم- عن الله -تعالى- في الحديث القُدُسي: (مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ)؛ إذ شرع الله -تعالى- برحمته وحكمته الكثير من الطاعات والأعمال الصالحة التي يمكن للمسلم التزامها بعد أدائه لِما فُرِضَ عليه من العبادات، وهذه الطاعات من جنس الفرائض نفسه، كما جعل الله -تعالى- لهذه الطاعات أجوراً عظيمة.