عدد شهداء أحد
غزوة أحد
وقعت غزوة أحدٍ في شهر شوال من العام الثالث للهجرة ، وكان السبب المباشر لإشعال فتيلتها؛ يتمثّل بازدياد غيظ المشركين من رسول الله ومن المسلمين بعد النصر الذي حقّقوه في غزوة بدر، وعدد القتلى الكبير الذي كان من صفوف المشركين، وقد بدأت أحداث غزوة أحدٍ مبكّراً بعد غزوة بدرٍ، حين احتجز المشركون العير التي نجت من قوافل أبي سفيان، والتي تسبّبت في غزوة بدرٍ، فاحتجزها صناديد قريش مذكّرين أهلها أنّ قوّة محمدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- قد بدأت تظهر في المدينة، وعليهم الاستعانة بهذا المال -وهو العير- حتى يجهّزوا الجيش الذي سيقضي على النبي ودينه، فأجابهم أهل العير بالموافقة والتأييد، وانضمّ إليهم ثلاثة آلاف مقاتلٍ، وخمسة عشرة من النساء، وجمعوا ثلاثة آلاف بعيرٍ، ومئتي فرسٍ، وغير ذلك من العتاد، الذي سُلّم لأبي سفيان كقائدٍ عامٍّ للجيش، كما كان خالداً بن الوليد قائد العسكر في هذه الاستعدادات.
قصد جيش المشركين المدينة المنورة ، فرصدتهم أعين المراقبة التي وضعها النبيّ حول المدينة، وجاؤوه بخبر الجيش على الطريق، وعندما وصل الخبر إلى النبيّ -عليه السلام- عقد جلسات المشورة مع أصحابه بكيفيّة اللقاء وموقعه، وأشار عليهم أن يبقوا في المدينة فلا يستطيع الجيش مهما بلغ عدده أن يقتحم المدينة، وأهلها فيها مستعدّون للقائهم، وكان هذا رأي كبار الصحابة أيضاً، لكنّ جماعةً من الصحابة فاتهم اللقاء يوم بدرٍ فأشاروا إلى سوى ذلك، فكانوا أكثر حماساً للقاء والقتال، وطلبوا من النبيّ -عليه السلام- أن يخرجوا لملاقاة العدوّ، فلا يُظنّ أنّهم جبنوا أو تقاعسوا، فتنازل النبيّ -عليه السلام- عن رأيه لرأيهم، وجهّز الجيش الذي سيخرج إلى حيث جبل أحدٍ؛ لملاقاة زحف المشركين، ولبس لامة الحرب، وقسّم الجيش وهو ألف مقاتلٍ إلى ثلاثة أقسامٍ، وجعل منهم من يحرس المعسكر إذا اقتربوا من العدوّ، ثمّ خرج بهم، وفي الطريق انسحب عبد الله بن أبي بن سلولٍ بثُلُث الجيش؛ راغباً أن يحدث بلبلةً واضطراباً في صفوف المسلمين، فقلّ عدد المسلمين إلى سبعمئة مقاتلٍ فقط، يقاتلون ثلاثة آلافٍ.
عدد شهداء غزوة أحد
تعدّدت الجولات في غزوة أحدٍ، وكانت الغلبة في البداية للمسلمين بشكلٍ مؤزّرٍ ظاهرٍ، إلّا أنّ عجلة الرماة الذين كانوا على الجبل يحمون ظهر المسلمين، وإسراعهم للنزول ظنّاً منهم أنّ المعركة قد انتهت، حوّلت النصر إلى هزيمةٍ حين استغلّ خالد بن الوليد هذا الظرف، والتفّ حول المسلمين، فأثخن فيهم الجراح والقتل، حتى بلغ شهداء غزوة أحدٍ سبعين شهيداً ، وكانت هذه الجولة الثانية من الغزوة، لكنّ قريشاً لم تجتهد في تحقيق نصرٍ حاسمٍ على المسلمين، فاكتفوا بما أثخنوا فيهم من جراحٍ، التي كان أحدها قد أصاب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فكُسرت رباعيته، وشُجّ رأسه، ثمّ غادر المشركون راضين بهذا النصر اليسير، وعند عودة النبيّ والمسلمون إلى المدينة أمر رسول الله أصحابه أن يدفنوا شهداءهم، وأن يبادروا باللحاق مجدداً بجيش المشركين، فأسرع الصحابة لامتثال أمر نبيّهم، وتجهّزوا من جديدٍ رغم التعب والمشقّة، وإصابة الكثير منهم، فلحقوا بجيش المشركين، وعسكروا في حمراء الأسد ثلاثة أيامٍ، ينتظرون عودة المشركين لجولةٍ أخرى، إلّا أنّ المشركين فزعوا من لحاق المسلمين بهم، وأسرعوا نحو مكّة، غير راغبين بمواجهةٍ جديدةٍ.
جانبٌ من أحداث غزوة أحد
التحم جيشا المسلمين والمشركين في صباح السابع من شهر شوال ، وقدّم المسلمون خلال الساعات الأولى أعظم الملاحم والبطولات، أثخنوا فيها الجراح بالمشركين وقتلوا فيهم، وذلك بالرغم من استشهاد بعض الصحابة، وكان من بينهم عمّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حمزة بن عبد المطّلب، ولمّا بدأ المشركون يشعرون بالهزيمة باتت وشيكةً، أخذوا بجمع شتاتهم، وانسحبوا شيئاً فشيئاً من أمام أصحاب النبيّ عليه السلام، وبان أنّ النصر أصبح حليف المسلمين في تلك اللحظات، عندها ظنّ الرماة الذين كان النبي -عليه السلام- قد استخلفهم على جبل أحدٍ؛ ليحموا ظهر المسلمين أنّ المعركة قد انتهت، فاستعجلوا النزول رغبةً في جمع الغنائم .
تنبّه خالد بن الوليد رضي الله عنه، الذي كان القائد العسكريّ في جيش المشركين يومها إلى الثغرة التي حصلت في صفوف المسلمين بعد نزولهم عن الجبل، فسارع إلى قمّة الجبل، وقتل من بقي من المسلمين أعلاه، وأخذ يرمي صفوف المسلمين بالسهام، فدبّت الفوضى في صفوف المسلمين، وعاد المشركون ملتفّون حول لوائهم يضربون في المسلمين، وتفرّق المسلمون أقساماً، فمنهم من هرب إلى المدينة، ومنهم من اختبأ في الجبل، ومنهم من قعد عن القتال بعد شيوع خبر قتل النبي عليه السلام، وأمّا النبيّ -عليه السلام- فقد كان يقاوم أشدّ مقاومةً في تلك اللحظات، وقد أصرّ المشركون على قتله بعد ما لاحت لهم فرصةً سانحةً، فضربوه حتى كُسرت رباعيته، وشُجّ وجهه، وسال الدم منه.
في تلك اللحظات العصيبة بقي بعض الصحابة ملتفّون حول النبي -عليه السلام- يقاتلون قتالاً عنيفاً مُجهداً، وكان منهم: سعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، حتى استيأس المشركون من الوصول إليه، حتى استعاد المسلمون شيئاً من قواهم، وبقي القتال دائراً بين الجيشين، حتى انسحب النبيّ -عليه السلام- إلى جبل أحدٍ، فتبعه من معه من المسلمين، وشقّ على المشركين تسجيل نصرٍ حاسمٍ عليهم، فانسحبوا مُكتفين بهذا النصر الهزيل.
الثبات في سبيل الله
تعدّ غزوة أحدٍ زاخرةً بمواقف الثبات في سبيل الله، أول هذه المواقف يُجسّدها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الذي واجه الموت على يد أعدادٍ كبيرةٍ من المشركين كلّهم يريد قتله، إلّا أنّه ثبت دون ترددٍ، وهو ينادي أصحابه ليلتفّوا حوله رغم إصابته إصابةً بليغةً في وجهه، وكذلك من أعظم مواقف الثبات كان ثبات طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- الذي حمى النبيّ -عليه السلام- بكلّ ما استطاع، حتّى إنّه ردّ بعض الضربات في جسمه، فشلّت يده، وقد مدّها ليحمي بها رسول الله، يروي قيس بن حازم عن طلحة، فيقول: (رأيتُ يدَ طلحةَ شلاَّءَ، وقَى بها النبيَّ -صلّى الله عليه وسلّم- يومَ أحدٍ).