أسباب غزوة أحد
الصراع بين الحقّ والباطل
ما من شكّ أن هناك صراعاً بين الحق والباطل سيبقى ناشباً إلى يوم القيامة ، فإن كان أهل الحقّ يبحثون عن السلام والأمان والعدل والاستقامة ، وينشرونه بين الناس، فإنّ أهل الباطل يرون في ذلك اعتداءً على سلطاتهم وجبروتهم، وتقويضاً لحكمهم وسيطرتهم، فيبقى النزاع بينهما حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وتلك من سنن الله تعالى في كونه، يبتلي الناس بعضهم ببعض؛ ليرى أيّهم أحسن عملاً، فيفوز برضاه يوم القيامة، قال الله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)، وفي المقابل؛ فإنّ الله تعالى لن يترك أهل الحقّ وحدهم يواجهون بأس الشرّ ويقاتلونه، بل وعدهم -سبحانه وتعالى- أنّ من عمل وسعى؛ ليحقّ الحقّ بغية إرضائه وتثبيتاً لشريعته في الأرض، فإنّه سيتعهده بالنصر والتأييد ولا شكّ، وقد حصل هذا مع الأنبياء -عليهم السّلام- كلّهم حين ألحق الله تعالى بأعدائهم شتى أنواع العذاب بعد كفرهم وتكذيبهم، وذلك حتى آخر الأنبياء محمد -صلّى الله عليه وسلّم- حين نصره الله -تعالى- وشاء لدعوته أن تظهر رغم كلّ أشكال المقاومة والحيل التي صنعها أعداؤه من داخل مكّة وخارجها.
أسباب غزوة أحد
غزوة أحد هي إحدى جولات الصراع بين المشركين والمسلمين، وقد وقعت في شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة، وسبب وقوع غزوة أحد الرئيسيّ؛ هو حنق ومقت كفار قريش لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه بعد انتصارهم في غزوة بدر، فظلّ يدور في خلدهم الرغبة في الانتقام ممّا حصل في غزوة بدر، فاحتجزوا العير التي نجت من مهاجمة النبيّ -عليه السّلام- يوم بدر ، وهي التي تسبّبت في وقوع غزوة بدر، فاحتجزوها وطلبوا أن تكون مدداً لتمويل الغزوة التالية، وحثّوا من حولهم على التطوع في دخول تلك المعركة، فانضم في صفوف القتال ما يقارب ثلاثة آلاف شخص بينهم نساء، وجمعوا الأموال والدروع والعير؛ استعداداً للهجوم على المسلمين، لكنّ عيون النبيّ -عليه السّلام- الموجودة في الأنحاء بلغها خبر استعداد قريش للقتال، ووصل الخبر إلى النبيّ عليه السّلام، فاجتمع مع أصحابه مشاوراً إياهم في الحال المستجدّ، فاستنفر المسلمون وبدأوا بجمع أسلحتهم ووضع المراقبة الحثيثة في مداخل المدينة؛ استعداداً للأمر الطارئ.
أحداث غزوة أحد
نزل المشركون قبالة جبل أحد قرب المدينة وخيموا، فشاور النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بين الخروج وملاقاتهم خارج المدينة ، أو انتظارهم في المدينة وهو رأي النبيّ -عليه السّلام- إذ رأى أنّ المشركين إن همّوا دخول المدينة خسروا الحرب مباشرةً؛ لأنّهم قلّةٌ، فيستقبلهم المسلمون بالنبال والحجارة، فذاك كان رأي النبيّ عليه السّلام، إلّا أنّ عدداً من الصحابة أبدى تحمّساً ورغبةً للخروج في ملاقاة العدوّ خارج المدينة؛ فنزل النبيّ -عليه السّلام- إلى رأيهم وسار الجميع متوكّلين على الله -تعالى- سائلينه النصر والتأييد.
بدأت المعركة بالمبارزة الفرديّة بين الفرسان؛ فقابل عليّ -رضي الله عنه- طلحة بن عثمان، فقطع رجله وأوشك أن يقتله، والتقى الزبير والمقداد مع مشركين فقتلاهما، ثمّ اشتبك جيش النبيّ -عليه السّلام- مع جيش أبي سفيان، ففر جيش أبي سفيان وتراجع القهقرة، وتتابعت الجولات، حتى ظهر شبه حسمٍ وانتصارٍ للمسلمين على عدوهم، ورأى الرماة من أعلى الجبل تراجع جيش المشركين، وتركهم لشيءٍ من الغنائم خلفهم، فأشغلهم ذلك عن أمر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالثبات وانتظار الأمر منه، فنزل بعضهم يسارع إلى الغنائم، فلاحظ خالد بن الوليد قلّة الرماة فانعطف إليهم فقتلهم، وأدرك المشركون الاضطراب الذي حصل، فعادوا إلى حيث خالد، وعاونوه وأصابوا عدداً من المسلمين، ودارت الدائرة لهم هذه المرة.
تعددّت الحوادث في هذه الأثناء، فقتل حمزة -رضي الله عنه- عدداً من المشركين، إلا أنّ وحشياً كان له بالمرصاد يتابعه، وقد كان وحشيّ عبداً حبشيّاً مملوكاً لجبير بن مطعم، فأخبره سيده إن كان قد قتل حمزة فهو حرٌّ عتيقٌ، فلم يكن لوحشيّ هدفٌ في اللقاء إلا قتل عمّ النبيّ عليه السّلام، ولقد رماه بحربته؛ فسقط شهيداً رضي الله عنه، وفي خضمّ الأحداث أصيب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أيضاً وشجّ رأسه وسال الدم من وجهه وكسرت رباعيته، وضعفت همّة وعزيمة المسلمين في هذا الوضع قليلاً، خصوصاً بعد إشاعة خبر مقتل النبيّ عليه السّلام، وفي هذا الوقت سجّل أنس بن النضر موقفاً عظيماً حينما التقى ببعض المسلمين متثاقلين عن الجهاد بعد سماع خبر مقتل النبيّ عليه السّلام، فقال لهم أنس بن النضر -رضي الله عنه- مشجعاً لهم للقيام: فما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: اللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء يعني المسلمين، ثمّ قاتل -رضي الله عنه- حتى قُتل شهيداً.
دروسٌ مستفادةٌ من يوم أحد
غزوة أحد مليئةٌ بالدروس المستفادة والعبر لمن تأمّل أحداثها، ومن الدروس المستخلصة من يوم أحد ما يأتي:
- الثبات: وأوّل قدوةٍ في الثبات هو النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وذلك بعد إصابته في وجهه وكسر رباعيته، فإنّه ما زال يجمع المسلمين حوله وينادي فيهم ويستحثّهم على القتال والمواجهة، حتى اجتمع عددٌ منهم حوله يدفعون رماح الكفار وحرابهم.
- المداومة على طاعة الله تعالى ورسوله، فإنّ مخالفةً واحدةً من قِبل الرماة، قد أضرّت بجيشٍ كاملٍ، وألحقت بهم أضراراً جسيمةً والكثير من الشهداء وحوّلت النصر إلى هزيمةٍ.
- جملةٌ من الأخلاق برزت في هذه الغزوة، تحدّث عنها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، على المسلم التحلّي بها حين يلقى عدوّه، ومنها:
- العفو وعدم التمثيل في القتلى؛ فالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عندما رأى عمّه حمزة -رضي الله عنه- قد مثّل المشركون بجسده؛ فجدعوا أنفه وقطعوا أذنه وشقوا بطنه، حزن حزناً شديداً، وهمّ أن يمثّل بثلاثين رجلاً منهم في لقاءٍ قادمٍ، لكنّ الله تعالى أنزل قوله: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ).
- العدل وعدم الاعتداء، وذلك عند أخذ حقوقٍ بعد مظلمةٍ.
- الصبر؛ فالله تعالى قد رغّب نبيّه بالصبر حين قال: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ* إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ)، فبعدها قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (نصبر ولا نعاقب).