صيام ليلة النصف من شعبان
صيام ليلة النصف من شعبان
إن تخصيص صيام ليلة النصف من شهر شعبان دون غيرها أمرٌ غير جائز؛ فليس لهذه الليلة ميزة عن غيرها؛ إذ إنّها ليلة كباقي الليالي، وكُلّ ما ورد في فضلها من صيام ضعيف، كالحديث الذي رواه ابن ماجه عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (إذا كانت ليلةُ النِّصفِ من شعبانَ فقوموا ليلَها ، وصوموا نَهارَها، فإنَّ اللَّهَ يَنزِلُ فيها لغُروبِ الشَّمسِ إلى سماءِ الدُّنيا، فيقولُ: ألا من مُستغفِرٍ لي فأغفرَ لَه، ألا مُسترزِقٌ فأرزقَهُ ألا مُبتلًى فأعافيَهُ ألا كذا ألا كذا حتَّى يطلُعَ الفجرُ)، وقد بيّنت جماهير العُلماء ذلك، وجاء عن ابن رجب أنّ عُلماء الحجاز، كعطاء، وابن أبي مليكة، وفُقهاء أهل المدينة، وفي قول أصحاب مالك، أنّ تخصيص ذلك اليوم بالصيام مِمّا لا يُسَنّ فِعله، إلّا أنّ صيامه على أنّه من الأيّام البِيض مشروعٌ ولا حَرج فيه، وهو مشروع في حَقّ من اعتاد الصيام، ولا شيء عليه؛ فالصوم بشكلٍ عام من العبادات المشروعة، ولم يُحدّده الشرع بأوقاتٍ دون أُخرى، فإذا حدَّده الإنسان بوقتٍ، أو يومٍ مُحدَّد، كليلة النصف من شعبان، فإنّ ذلك يُعَدّ خِلاف ما شَرَعه الله -تعالى-.
وصيام ليلة النصف من شهر شعبان مَسنون إذا كان ذلك بنيّة صيامه على أنّه من الأيّام البيض التي يُسَنّ صيامها -كما تقدَّم القول-، وليس صيامها على أنّها ليلة النصف من شعبان، والأيّام البِيض هي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كُلّ شهر هجريّ، ويدُلّ على مشروعيّة صيام الأيّام البِيض ما ورد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من أنّه أمرَ عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبا الدرداء، وأبا هُريرة -رضي الله عنهم- بصيام هذه الأيّام، ومن ذلك ما ورد عن عبدالله بن عمرو بن العاص، إذ قال: (قَالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ بحَسْبِكَ أنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ، فإنَّ لكَ بكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أمْثَالِهَا، فإنَّ ذلكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ)، ويجوز صيامها أحياناً، وتركها أحياناً أخرى، والأفضل المُحافظة عليها، أمّا من لم تكن عادته صيامها، وخصّ ليلة النصف من شعبان بالصيام مُعتقِداً أنّها أفضل من غيرها، فذلك خِلاف السنّة -كما تمّ التوضيح سابقاً-.
حُكم قيام ليلة النصف من شعبان
ذهب الفُقهاء إلى استحباب قيام ليلة النصف من شعبان، وجاءت أقوالهم كما يأتي:
- الحنفيّة: ذهبوا إلى أنّ قيام خمسة ليالٍ خلال العام، ومنها ليلة النصف من شعبان أمر مسنون؛ لِما فيها من تكفير الذُّنوب ، وإجابة الدُّعاء، واستدلّوا ببعض الأحاديث الضعيفة، ومنها قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إذا كان ليلةُ النِّصفِ مِن شعبانَ فقُوموا ليلَها وصُوموا نهارَها؛ فإنَّ اللهَ تعالى يَنزِلُ فيها لغروبِ الشمسِ إلى سماءِ الدُّنيا، فيقولُ: ألا مُستغفِرٌ فأَغفِرَ له، ألا مُسترزِقٌ فأَرزُقَه، ألا مُبتلًى فأُعافيَه، ألا كذا ألا كذا، حتى يطلُعَ الفجرُ)، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يطَّلِعُ على عبادِه في ليلةِ النِّصفِ من شعبانَ ، فيَغفِرُ للمستغفِرين ، ويرحمُ المسترحِمين ، ويؤخِّرُ أهلَ الحِقد كما هم)، ويُؤكّد ذلك قول ابن نُجيم من الحنفية: إنّ من الليالي التي يُندب قيامُها خمسُ ليالٍ وهي ليالي العشر من رمضان، وليلتي العيدين، وليالي عشر ذي الحجة ، وليلة النصف من شعبان، لما جاءت به الأحاديث في بيان فضلها.
- الحنابلة: يُستحَبّ قيام ليلة النصف من شعبان؛ لِما ورد من أحاديث في بيان فَضل ذلك، كما أنّ بعض السَّلَف كانوا يقومونها بالصلاة، ويُكرَه الاجتماع؛ لقيامها في المساجد.
- الشافعية: يُستحَبّ قيام ليلة النصف من شعبان، والإكثار فيها من الدُّعاء ، مع أنّ الأحاديث التي جاءت في فضلها ضعيفة، إلّا أنّ العُلماء تساهلوا فيها؛ لأنّها من فضائل الأعمال، وجاء عن الشافعيّ أنّه قال باستحباب قيامها بالدُّعاء والذِّكر.
- المالكية: يُستحَبّ قيام ليلة النصف من شعبان؛ لِما فيها من الرحمة؛ فقد ورد عن عمر بن عبدالعزيز أنّه كتب إلى عدي بن أرطاة يحثُّه على قيام أربع ليالٍ، ومنها ليلة النصف من شعبان، فقال: "عليك بأربع ليال من السنة فإن الله يفرغ الرحمة فيها أفراغا أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلتا العيد"، وقد صرَّحت بعض كُتب المالكيّة بالترغيب في قيامها.
وذهب الهيثميّ إلى استحباب قيامها على أنّها من الليالي التي لها ميزة وفضل عن غيرها من الليالي، ومَن قامها بالصلاة والدُّعاء والذِّكر كان ممّن يرجو إجابة دعائه وقبوله في هذه الليلة، بالإضافة إلى أنّ قيام الليل من العبادات المُستحَبّة، واستدلّ بحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (يطَّلِعُ اللهُ عزَّ وجلَّ إلى خلقِه لَيلةَ النَّصفِ مِن شعبانَ، فيغفِرُ لعبادِه إلَّا لِاثنَينِ: مُشاحنٍ، وقاتلِ نفْسٍ)، ومَن أراد قيام هذه الليلة، فلا بُدّ له من التنبه إلى عدّة أُمور أشار إليها العُلماء، وهي كما يأتي:
- استحباب قيامها بشكلٍ فرديّ بين العبد، وربّه، وكراهة قيامها في جماعة كما نصّ على ذلك الفُقهاء الأربعة في مذاهبهم.
- كراهة تخصيص صلاة مُعيَّنة لهذه الليلة، أو كما يُسمّيها البعض باسم الصلاة الألفيّة؛ والتي تُمثّل مئة ركعة يقرأ فيها سورة الإخلاص عشر مرّات بعد سورة الفاتحة، وذلك ليس من الشَّرْع في شيء، وإنّما يُصلّي الشخص ما تيسّر له، مع حِرصه على الإكثار من الدُّعاء، والإلحاح على الله -تعالى- بتلبية حاجاته.
شهر شعبان
يُطلق اسم شعبان على الشهر، وجمعه شعبانات وشعابين، وسُمي بهذا الاسم؛ لأنّ العرب كانت تتشعب فيه طلباً للماء، أو للغارات، وقيل لأنه يأتي شَعَب؛ أي يأتي بين شهرين وهُما رجب ورمضان.