صفات الصحابة
صفات الصحابة
اصطفى الله -عزّ وجلّ- جيل الصّحابة ليكونوا في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعلهم خير النّاس، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وصفهم: (خيرُ النَّاسِ قَرْني ثمَّ الَّذينَ يلونَهم ثمَّ الَّذينَ يلونَهم ثمَّ الَّذينَ يلونَهم)، ووصفهم الله -تعالى- فقال: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ)، وقد أخبر الله عنهم الأمم من قبلهم، فهم جيل النّصر الذي أسّس رسول الله بصحبتهم أوّل دولة في الإسلام، وكانوا سبباً لانتشار الإسلام في أنحاء الأرض قاطبةً.
صفات الصحابة المرتبطة بعبودية الخالق
إنّ من صفات الصّحابة المرتبطة بالعبودية لله -تعالى- ما يأتي:
- الإيمان واليقين : حيث وصفهم الله -تعالى- في القرآن الكريم في الكثير من الآيات، وتتجلّى هذه الصفة لهم في سورة الأنفال التي تتحدّث عن غزوة بدر الكبرى، فقد ذكر الله وصف الصحابة بالإيمان فيها عشرون مرّة، ووضعهم الله في كثيرٍ من الاختبارات؛ ليمتحن صدقهم وثباتهم على الإيمان، فيصطفي الصادقين من غيرهم.
- وقد كان إيمانهم دافعاً كبيراً للاستسلام لِما جاء في القرآن الكريم فهماً، وتمسّكاً، واعتقاداً، وأخلاقاً، وكانوا ثابتين على ذلك في كلّ حياتهم، قال -تعالى-: (وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)، أي لم ينقضوا عهد الله ولم يبدّلوه أو يغيّروه.
- العبودية والصّلاح: فقد وصفهم الله بالإكثار من الركوع والسجود لتحصيل الأجر والثواب ونيل مرضاة الله -تعالى-، قال -تعالى-: (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ)، وقد أخلصوا النيّة لله -تعالى- حتى ظهر إخلاصهم على وجوههم، وما ذلك إلّا لأنهم يريدون رضا الله ودخول الجنة، وكانوا -رضوان الله عليهم- يحتسبون النيّة الصالحة في كلّ حركاتهم، وسَكَناتهم، وقيامهم، وقعودهم، ونومهم، حتى صارت العبادة كلّ حياتهم، والعبوديّة لله -تعالى- أسمى أمانيهم.
- الإخلاص: فيحرصون في عباداتهم على الإخلاص الذي يؤدّي لرضا الله والجنّة، فهم يعلمون أنّ أساس قبول الأعمال عند الله هو الإخلاص فيها، وهو السبيل الذي يربط العبد بربّه، ولا عِلم لأحدٍ به إلا العبد وربّه، وكان هذا الإخلاص داعياً إلى الحرص على حفظ ونقل أقوالهم وأفعالهم، كما نَقلت الكتب والمصنّفات سِيَرهم وأحوالهم، فصاروا مِثالاً يُحتذى به لمن جاء بعدهم من الأجيال إلى يومنا الحاضر.
- ومن ذلك ما كان من الإخلاص لدى جعفر بن أبي طالب حين حاور النجاشي، فما كان من النجاشي إلّا أن رقّ قلبه وبكى لِما سمعه من جعفر، ووافق على إبقائهم في أرضه ورفض ردّهم إلى قريش، ومن ذلك أيضاً إخلاص مصعب بن عمير الذي أدّى إلى دخول عددٍ كبير من الأوس والخزرج في الإسلام.
- الرِّضا عن الله -سبحانه وتعالى-: فقد رضِي الله -تعالى- عن المُهاجرين والأنصار ومن تبعهم، ورضوا عن الله بما فضّل عليهم وأنعم عليهم من النِّعم العظيمة في الدُّنيا والآخرة، قال الماوردي: "للرضا ثلاثة أوجه، الأول: رضي الله عنهم بالإيمان ورضوا عنه بالثواب، الثاني: رضي عنهم في العبادة ورضوا عنه في الجزاء، الثالث: رضي عنهم بطاعة الرسول ورضوا عنه بالقبول".
- المُسابقة والمُسارعة في صحبة النبيِّ: قال -تعالى-: (وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ)، وهم جميع المهاجرين والأنصار، حيث تسابقوا في صُحبة رسول الله وحصل لهم السبقَ بذلك.
- الهجرة في سبيل الله: فبعدما تحمّل أصحاب رسول الله عذاب قريش ثلاثة عشر عاماً أذِن لهم الله -تعالى- بالهجرة من مكة المكرمة، فتوجّهوا إلى الحبشة والمدينة استجابةً لأمر الله -تعالى-، وفراراً بدينهم، وحتى يتخلّصوا من أذى قريش، تاركين خلفهم ديارهم وأموالهم وأهليهم، فأثنى الله عليهم في القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة.
- النُّصرة: فقد استقبل الصّحابة في المدينة المنورة من جاءهم مهاجراً، وقاسموهم أموالهم وبيوتهم واستقبلوهم أحسن استقبال، فمدحهم الله في كاتبه وأثنى عليهم، وفضّلهم على غيرهم.
صفات الصحابة الأخلاقية
اتصف الصّحابة -رضوان الله عليهم- بمجموعةٍ من الصفات في تعاملهم مع الخلق، وفيما يأتي بيان لبعض هذه الصفات:
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : قال -تعالى-: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)، فقد نزلت هذه الآية في الصّحابة وفي جميع الأمّة، حيث قاموا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال الأساليب المتعدّدة، ومن خلال بذل جهدهم باللسان، ومن خلال الجهاد بالمال والنّفس.
- وعملوا على تقويم سلوك التابعين، فينبّهونهم ويقوّمون سلوكهم، ومما يؤكد ذلك ما رواه أنس بن مالك قال: (إنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أعْمالًا، هي أدَقُّ في أعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ، إنْ كُنَّا لَنَعُدُّها علَى عَهْدِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- مِنَ المُوبِقاتِ، قالَ أبو عبدِ اللَّهِ: يَعْنِي بذلكَ المُهْلِكاتِ)، كما حرصوا على تعليم الناس سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونشرها بينهم.
- جهاد أعداء الله: قال -تعالى-: (لـكِنِ الرَّسولُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ جاهَدوا بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم وَأُولـئِكَ لَهُمُ الخَيراتُ وَأُولـئِكَ هُمُ المُفلِحونَ* أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ)،فبذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وذلك دون تقاعسٍ وتخلّفٍ، ثمّ إن الله عدّ الامتناع عن الإنفاق في سبيل الله من الأسباب المؤدّية إلى الهلاك، قال -تعالى-: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، ومن الصحابة الذين الذين عُرفوا بالجهاد بالمال: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وغيرهم -رضي الله عنهم جميعاً-.
- الصدق : قال -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ)، فكانوا صادقين في استجابتهم لأوامر الله والجهاد في سبيله، وكل من صدق من بعدهم فقد اقتدى بهم، ومن هؤلاء الصحابة: أبو بكر الصديق، فقد سُمّي صِدّيقاً كونه صدّق رسول الله في ليلة الإسراء والمعراج ، ومنهم أبو ذر الغفاري، حيث قال فيه رسول الله: (ما أظلَّتِ الخضراءُ، ولا أقلَّتِ الغبراءُ، من ذي لهجةٍ أصدقُ من أبي ذرٍّ).
- الشّدة على أعداء الله ورحمتهم بالمؤمنين: قال -تعالى-: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)، فيبذلون قُصارى جهدهم وشدّتهم في عداوتهم لعدوّ الله وعدوّهم، وذلك في ساحة المعركة، ويتراحمون ويتماسكون فيما بينهم.
- الإيثار: فيقدِّمون حاجة غيرهم على حاجتهم، ويقدّمون لغيرهم المعونة والمساعدة، قال -تعالى-: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ).
- الوسطية: فهم متوسّطون معتدلون في أقوالهم وأفعالهم، وفي جميع أمور حياتهم، قال -تعالى-: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ).
- العلم: فقد أخذوا علمهم عن رسول الله، وزكّوا أنفسهم، قال -تعالى-: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ).
فضل الصحابة
إن للصحابة الكِرام فضائل كثيرة، ومنها ما يأتي:
- الهجرة في سبيل الله، ونشر الدعوة الإسلامية: وصف الله -سبحانه وتعالى- الصحابة المهاجرين في القرآن الكريم بالإيمان والهجرة والجهاد ، من خلال قوله: (إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَهاجَروا وَجاهَدوا بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم في سَبيلِ اللَّـهِ وَالَّذينَ آوَوا وَنَصَروا أُولـئِكَ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ)، فقد توجّهوا إلى المدينة مهاجرين تاركين خلفهم كلّ ما يملكون؛ في سبيل الحفاظ على دينهم ونشره بين الناس وإعلاء كلمة الله.
- وفي ذات الآية وصف الأنصار بالإيواء والنُّصرة؛ حيث استقبلوا من هاجر إليهم وناصروهم وقاموا بحمايتهم وإيوائهم، فرضي الله عنهم وأثنى عليهم، ثم وصفهم بالإيمان، والعمل الصالح ، والخلافة، وإقامة الدّعوة، من خلال قوله -تعالى-: (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا).
- حماية المجتمع الإسلامي من انتشار الفتن: فقد وصفهم رسول الله في الأحاديث النبويّة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ ما تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي ما يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتي ما يُوعَدُونَ)، فإن وجود الصّحابة كان بمثابة حماية المجتمع من انتشار الفتن ووقوع الحروب.
- فهم رسالة الإسلام فهماً صحيحاً: فقد امتاز جيل الصحابة بالفهم الصحيح لما تضمّنته رسالة سيدنا محمد في جميع أركانها ومبادئها، ويعود ذلك لامتثالهم ما أُمروا به من تدبّر آيات القرآن الكريم وفهمهم لنصوص الشريعة، قال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ).
- رضا الله -تعالى- عنهم ونصرهم: وقد رضي الله عن الذين بايعوا رسول الله منهم تحت الشجرة، وأنزل السكينة عليهم، ووعدهم بفتحٍ قريبٍ، وقد تحقّق هذا الوعد بفتح خيبر والبلاد الإسلامية، قال -تعالى-: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا* وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)، كما نهى رسول الله عن شتمهم والإساءة إليهم، وفضّلهم على غيرهم، فإن حبّهم من الدِّين، والدّفاع عنهم والذّود عنهم واجب، وهم خير النّاس.