صفات الإمام
صفات الإمام
الصفات التي تُشترط في الإمام
تُشترط في الإمام مجموعة من الصفات لا بدّ من تحقّقها وتوفّرها فيه، فيما يأتي بيانها:
- الشرط الأوّل: الإسلام، وهو شرطٌ عامٌّ، اتّفق العلماء عليه.
- الشرط الثّاني: العقل؛ فلا تصحّ إمامة المجنون، إن كان الجنون مُطبقاً؛ أي دائماً، أمّا إن كان يجنّ ويفيق؛ فتصحّ الإمامة حال الإفاقة، وكذلك لا تصحّ إمامة السكران.
- الشرط الثّالث: البلوغ؛ وقد اختلف العلماء في ذلك؛ فقال الحنفيّة بعدم صحّة إمامة الصبيّ بالرِّجال، وإن كان مراهقاً، سواءً في صلاة الفرض أم النَّفْل، استدلالاً بقَوْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عَن المَجنونِ المَغلوبِ على عَقْلِهِ حتى يَبْرَأَ، وعن النائِمِ حتى يَستيقِظَ ، وعنِ الصبِيِّ حتى يَحْتَلِمَ)، وقال المالكيّة والحنابلة بعدم صحّة إمامة الصبيّ في صلاة الفريضة، وقال الشافعيّة بصحّة إمامة الصبيّ بالبالغ في الفرض والنَّفْل، إلّا أنّهم استثنوا صلاة الجُمعة؛ فيُشترط البلوغ إن بلغ عدد المُصلّن العدد الذي لا تُقام الجُمعة إلّا به.
- الشرط الرابع: الذكورة في إمامة الرِّجال، فلا تصحّ إمامة المرأة للرِّجال، سواءً في الفرض أم النَّفْل، بينما تصحّ إمامة الأنثى البالغة بالإناث مطلقاً دون كراهةٍ، وذلك عند الشافعي وأحمد، وتُكره عند الحنفيّة، ولا تصحّ مُطلقاً عن المالكيّة.
- الشرط الخامس: الطهارة من الحدث، والخبث، فلا تصحّ إمامة مَن أصابه حدثٌ، أو أصابته نجاسةٌ، سواءً عَلِم بذلك أم لا عند الجمهور؛ من الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة، أمّا المالكيّة؛ فقالوا فاشترطوا عدم تعمّد الحدث، فإن كان جاهلاً بالنجاسة التي أصابته، ولم يعلم بها إلّا بعد الفراغ من الصلاة؛ فصلاته صحيحةٌ، وصلاة المُقتدين أيضاً، وينالوا ثواب صلاة الجماعة باتّفاق العلماء، باستثناء صلاة الجُمعة عند الشافعيّة والحنابلة.
- الشرط السادس: إحسان القراءة، والقدرة على أداء أركان الصلاة؛ فلا بدّ أن يكون الإمام حافظاً لِما لا تقوم الصلاة إلّا به، فلا تصحّ إمامة الأميّ بالقارئ، إذ إنّ القراءة ركنٌ من أركان الصلاة، لا تقوم إلّا بها، والأميّ هو مَن لا يُحسن قراءة ما لا تقوم الصلاة إلّأ به، ومن يخطأ في قراءة الآيات خطأً يغيّر المعنى، ويخلّ به، ومَن ينطق بالحروف على غير الوجه الصحيح لها عند المالكيّة، ومن يكرّر التاء والفاء عند الحنفيّة.
- الشرط السابع: عدم اقتداء الإمام؛ أي ألّا يكون الإمام مُقتدٍ بغيره، إذ إنّ الأصل في الإمام الاستقلال، وتحمّل سَهْو غيره، كما أجمع على ذلك العلماء.
- الشرط الثامن: السلامة من الأعذار؛ مثل: سلس البول، وانفلات الرِّيح، وقد اختلف العلماء في ذلك؛ فاشترط الجمهور؛ من الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة؛ سلامة الإمام من الأعذار، بخلاف المالكيّة الذين لم يشترطوا ذلك، استدلالاً بأنّ مثل تلك الأعذار قد عُفي عنها في حقّ صاحبها، وكذلك يُعفى عنها في حقّ غيره.
- الشرط التاسع: القدرة على أداء أركان الصلاة ؛ أي أن يكون الإمام قادراً تمام القدرة على أداء أركان الصلاة على وجهها الصحيح، ذلك إن كان إماماً للأصحّاء، ولا تصحّ إمامة من يصلّي بالإيماء في الركوع والسجود بهم، وذلك عند الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة، بخلاف الشافعيةّ، كما تُشترط السلامة من فَقْد شرطٍ من شروط الصلاة.
صفات أحقّ الناس بالإمامة
بيّنت الشريعة الإسلاميّة الأحقّ في الإمامة للصلاة، استناداً لِما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه عن أبي مسعود عقبة بن عمرو -رضي الله عنه- أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فإنْ كَانُوا في القِرَاءَةِ سَوَاءً، فأعْلَمُهُمْ بالسُّنَّةِ، فإنْ كَانُوا في السُّنَّةِ سَوَاءً، فأقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فإنْ كَانُوا في الهِجْرَةِ سَوَاءً، فأقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ في بَيْتِهِ علَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بإذْنِهِ)، وعليه فإنّ ترتيب الأحقّ بالإمامة على النحو الآتي:
- اتّفق العلماء على تقديم ذي السلطان؛ كالوالي، أو القاضي، أو الأمير، ذلك إن توافرت فيه شروط صحّة الإمامة.
- يقدّم صاحب البيت للإمامة، وإمام الحي وإن وُجد الأفقه والأورع والأقرأ منه، ويستحبّ لصاحب البيت تقديم مَن هو أفضل منه إن وُجد.
- اتّفق العلماء على تقديم الإمامة لمَن اجتمعت فيه خصال العلم، وقراءة القرآن ، والوَرَع، وكِبَر السنّ، وغير ذلك، كما اتّفقوا على تقديم الأعلم والأقرأ، وإن وُجد مَن أفضل منه في الورع، أو السنّ، وغيرهما من الأوصاف.
- اختلف العلماء في تقديم الأعلم أم الأقرأ لكتاب الله؛ فذهب الجمهور؛ من الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة؛ إلى تقديم الأعلم بالأحكام على الأقرأ لكتاب الله، استدلالاً بما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (مُرُوا أبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ)، أمّا الحنابلة فقالوا بتقديم الأقرأ على الأعلم، وهو القَوْل الذي اختاره أبو يُوسف من الحنفيّة، استدلالاً بما ورد عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ).
- اختلف العلماء في التقديم للإمامة حال استواء العلم والقراءة؛ فقال الحنفيّة، والشافعيّة؛ بتقديم الأورع؛ اتقاءً للشُّبهات، وقدّم المالكيّة الأكثر عبادةً، أمّا الحنابلة فقالوا بتقديم الأقدم هجرةً، ثمّ قال الجمهور بتقديم الأقدم في اعتناق الإسلام ، ثمّ الأقدم سِنّاً، ثمّ قال الحنفيّة بتقديم الأحسن خُلُقاً، ثمّ الأحسن وَجْهاً، ثمّ الأشرف نسباً، ثمّ الأنظف ثوباً، ثم يُقرع بينهم حال استواء حالهم، وقال المالكيّة بتقديم الأكبر سِنّاً، ثمّ الأشرف نسباً، ثمّ الأحسن صورةً، فأخلاقاً، فثياباً، وقال الشافعيّة بتقديم الأشرف نسباً، ثمّ الأنظف ثوباً وبدناً، ثم الأحسن صوتاً، ثمّ الأطيب صفةً، فإن استووا؛ فيُقرع بينهم، أمّا الحنابلة فقدّموا بعد الأقدم في الهجرة الأكبر سنّاً، ثمّ الأشرف نسباً، ثمّ الأتقى والأورع، فإن استووا فيُقرع بينهم.
الصفات الأخلاقيّة للإمام
يُستحسن بالإمام التحلّي بعددٍ من الأخلاق الكريمة التي حثّ عليها الإسلام، ورغّب بها، فيما يأتي بيان البعض منها:
- القدرة على ضبط النّفس، وتثبيتها.
- الرفق، واللِّين.
- الصبر ، والتحمّل.
- إخلاص النيّة لله -سُبحانه-، والبُعد عن حبُّ الشُّهرة أو الجَاه، أو الظُّهور.
- القدرة على حَمْل الأمانة، وتحمّل المسؤوليات التي تتطلّبها الإمامة، إذ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَلا كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ).
- الصدق في الأقوال والأعمال، والعفّة في الكلام، واختيار الألفاظ الحسنة.
- المروءة؛ باختيار الألاق الحسنة، واجتناب السيء منها.
- القدوة الحسنة ؛ أي أن يستشعر الإمام أنّه قدوةٌ لغيره، فلا تخالف أعماله أقواله، فذلك أدعى لقبول وامتثال نُصحه وإرشاده.
- تقديم النُّصح للآخرين، رحمةً عليهم، وشفقةً بهم.
- العطف على الفقراء والمحتاجين.
فضل الإمامة في الصلاة
الإمامة وظيفة الأنبياء والرُّسل -عليهم الصلاة والسلام-، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، ويُراد بالإمامة: إمامة النّاس في الصلاة، وقد وردت العديد من الأحاديث والآيات التي تدلّ على فَضْل الإمامة ومكانتها؛ منها: ما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (الإمامُ ضامِنٌ والمؤذِّنُ مؤتَمَنٌ اللَّهمَّ أرشِدِ الأئمَّةَ واغفِرْ للمُؤذِّنينَ)، ولذلك فإنّ إمامة الناس في الصلاة ذات مكانةٍ رفيعةٍ، وشرفٍ عظيمٍ، ذلك إن أدّى الإمام ما عليه من واجباتٍ، واقتدى بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في إمامة الصلاة.