شواهد عن التسامح في التاريخ العربي
شواهد عن التسامح
التسامح لغة: هو مصدر للفعل الرباعي سامح، وهو من مأخوذ من الفعل الثلاثي سمح، والذي يعني: السماحة والكرم والعفو والرفق والتساهل وتأتي بمعنى السهولة والانقياد.
كما يقال تسامح في المسألة إذا تساهل فيها، وسامحك الله أيّ عفا الله عنك، والسماحة هي بعكس الضيق والتشدد في الأمر، فيقال الحنيفية السمحاء التي لا ضيق فيها ولا شدّة، وسمح الشخص إذا صار كريماً جواداً.
واصطلاحًا: هو التجاوز والصفح والعفو عن الناس، وهو إحدى الركائز التي تبنى عليها المعاملات بين الناس، كما يعد إحدى دعائم العلاقات الإنسانية والإسلامية، وتشير دائرة المعارف البريطانية أن التسامح هو قبول الاختلاف بين الناس وقبول الرأي الآخر والعفو والتجاوز عن الغير.
عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن المشركين
من أعظم صور التسامح ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في عفوه عن المشركين الذين آذوه أشد الإيذاء فلما قدر عليهم عفا عنهم رجاء أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله، فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنّها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد فقال: (لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يَالِيلَ بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب.
فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إنَّ الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال؛ لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلَّم عليَّ، ثم قال: يا محمد، إنَّ الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أن أُطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا.
عفو سليمان بن عبد الملك عن خالد القسري
ومن قصص التسامح التي وردت عن سليمان بن عبد الملك أنّه غضب على خالد القسري، فلما أحضر إليه قال: يا أمير المؤمنين، إنَّ القدرة تذهب الحفيظة، وإنك تجلُّ عن العقوبة، فإن تعفُ فأهلٌ لذلك أنت، وإن تعاقب فأهل لذلك أنا، فعفا عنه.
عفو أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن مسطح بن أثاثة
ومن صور العفو التسامح التي وردت عن صاحب رسول الله الذي تمثل خلق النبي صلى الله عليه وسلم وسار على نهج القرآن، أبو بكر الصديق وعفوه عن مسطح بن أثاثة: و((كان مسطح بن أثاثة ممن تكلم في الإفك ، فلما أنزل الله براءة عائشة، قال أبو بكر الصديق: -وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره- والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة ما قال.
فأنزل الله: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} إلى قوله (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال أبو بكر الصديق: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال والله لا أنزعها منه أبدًا، فترى صورة العفو والمسامحة التي أظهرها الصديق في مقابل من أساء إلى عرضه.
عفو المنصور عن أحد المسجونين
ومن صور التسامح والعفو ما روي عن مبارك بن فضالة قال: (كنا عند المنصور فدعا برجل ودعا بالسيف، فقال المبارك: يا أمير المؤمنين، سمعت الحسين يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم القيامة، قام مناد من عند الله ينادي: ليقم الذين أجرهم على الله، فلا يقوم إلا من عفا) فقال المنصور: خلوا سبيله.
شواهد قرآنية على الأمر بالتسامح
التسامح من الأخلاق الحسنة التي أمر الإسلام بها ودعا إليها، وقد أمر الله بها وفيما يأتي بعض آيات القرآن في التسامح والعفو:
- قال تعالى: {خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ}
- قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ}
- قال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}
- قال الله تعالى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
- قال تعالى: {فَمَن عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}