شعرية الفلسفة عند المعري
موضوعات الفلسفة في شعر المعري
تعدّدت الآراء واختلفت حول أبي العلاء المعرّي وفلسفته بين الإثبات والإنكار، ولعلّ هذا الإنكار يعود إلى عدم فهم هؤلاء الروّاد لفلسفة أبي علاء المعري، فقد كان فيلسوفًا حقيقيًا، إذ تعمّق ودرس العلوم الإلهية والعلوم الطبيعية والعلوم الخلقية دراسةً عميقةً، ومن موضوعات الفلسفة التي تطرق لها المعري ما يأتي:
الفلسفة العملية
تناول المعري العديد من الأمور العملية في أشعاره بناءً على فلسفته الخاصّة، ومن هذه الأمور ما يأتي:
مسألة الحياة والموت
كان الموت هو الشّغل الشّاغل للإنسان منذ بدء الحياة، فأبو العلاء المعري كان يُفكر بهذه المسألة كثيًرا ويُحاول جاهدًا تفسيرها، ولم يتأثّر بالفكر الإسلامي الذي عد الموت نهاية الحياة الدنيا وبداية حياة أخرى، فوصل المعري أخيرًا إلى قناعة مفادها أنّ الموت هو طريق الخلاص من الآلام والأحزان، إذ يقول:
فَما لي أَخافُ طَريقَ الرَدى
- وَذَلِكَ خَيرُ طَريقٍ سُلِك
يُريحُكَ مِن عيشَةٍ مُرَّةٍ
- وَمالٍ أَضيعَ وَمالٍ مُلِك
مسألة نباتية أبي العلاء
كان أبو العلاء يمتلك رأفة كبيرة بالحيوان، حيث يدعو إلى الابتعاد عن الذبائح وأكل النباتات فقط، وربّما كان هذا شيئًا من الزهد، إذ يقول:
لا أُشركُ الجديَ في درٍّ يعيشُ به
- ولا أروّعُ بنات الوحشِ والضّأنِ
مسألة زهد أبي العلاء واعتزاله الحياة
عاش أبو العلاء حياةً طويلةً، ثم خرج بقناعة مفادها أنّ الناس جميعهم يُبطنون الشّرور في دواخلهم، وأنّ الدّنيا هي دار فناء؛ لذا اقتنع باعتزال الناس وترك جميع الملذات الدنيوية، ومما جاء في ذلك قوله:
وزهدني في الخلق معرفتي بهم
- وعلمي بأنّ العالمين هباء
الفلسفة الرياضية
لم يبحث المعري في الحسابات والمقادير بحثًا دقيقًا؛ وذلك لأنّ فقده لحاسّة البصر حالت بينه وبين كونه مُهندسًا، إذ تحدّث في أمور رياضيّة متنوّعة، لكنّه لم يُكثر القول فيها ولم يقف موقفًا ثابتًا منها، ومن ذلك قوله في النجوم:
وليس اعتقادي خلود النجوم
- ولا مذهبي قدم العالم
الفلسفة الطبيعية
كان لأبي العلاء المعري نظرة فلسفية في كل من الزمان والمادة والمكان وتناهي الأبعاد، ففي تعريفه للزمان قال إنّه كونٌ يشتمل على أقل الموجودات، كما رأى أنّ الزمان والمكان ليس لهما وصف يُعرفان به، وعرّف المكان بأنّه أقل من الزمان، فأقل جزء منه لا يحتوي على جميع المدركات، ويقول في المكان:
أمّا المكان فثابتٌ لا ينطوي
- لكن زمانك ذاهبٌ لا يثبت
أمّا المادة فوجد أنّها مكوّنة من مادة قديمة خالدة، ويقول في ذلك:
نردّ إلى الأصول وكلّ حيٍّ
- له في الأربع القدم انتساب
الفلسفة الإلهية
قامت فلسفته الإلهية على عدّة قناعات وأول هذه القناعات هي الإيمان بالله تعالى، فقد كان المعريّ شديد الإيمان بالله تعالى، وقد اعتمد في إثبات وجوده على الحكمة والعناية، ومن ذلك قوله:
حكمٌ تدلُّ على حكيمٍ قادرِ
- مُتفرّدٍ في عزّة بكمال
ثاني قناعاته هي الإيمان بالملائكة والجن، فقد اكتفى في تفسير ذلك بالاعتراف بقدرة الله على خلق هذه المخلوقات، إذ يقول:
لستُ أنفي عن قدرة الله أشبا
- ح ضياءٍ بغير لحمٍ ولا دم
وبصيرُ الأقوامِ مثلي أعمى
- فهلموا في حندس نتصادم
أمّا عن الشرائع السماوية الأخرى فقد آمن بها المعري، ومن ذلك قوله:
الأرض للطوفانِ مشتاقةٌ
- لعلّها من درنٍ تغتسلُ
قد كثُرَ الشرّ على ظهرها
- واتُّهِمَ المُرسِلُ والمُرسَلُ
أمّا أمر البعث فقد آمن به المعري ككل مسلم، ومن ذلك قوله:
وقُدرةُ الله حقٌّ ليس يُعجِزُها
- حَشرٌ لخَلقٍ ولا بَعثٌ لأمواتِ
عوامل نشأة الفلسفة في شعر المعري
أدّى إلى ظهور الفلسفة في شعر أبي العلاء المعري عدة عوامل، ومنها ما يأتي:
- فقدَ المعري أغلى ما يملك وهما والده وبصره، إذ كان هذا الأمر له أثرٌ كبيرٌ في فلسفته، فقد اتّسمت شخصيّته وفلسفته بالسوداوية والتشاؤم.
- امتلأت الحياة التي أحاطت بأبي العلاء المعري بالمواجع والآلام، وهذا ما دفعه إلى الزهد واعتزال الناس، ممّا أعطاه وقتًا كافيًا للتّأمُّل والدّراسة التي كوّنت بمجملها آراءه الفلسفية.
- كان مُهتمًا بالتاريخ والأدب العربي والمذاهب الكلامية مما أثر في تكوين شخصيته.
- أحاط بالمعري كثير من المعتقدات الدينية، ممّا جعله يلجأ إلى التفكير والتحليل قبل الإيمان بالأمور.
- أثّرَت دراسات أبي العلاء الواسعة التي أجراها لمختلف الاتجاهات الفلسفية تأثيرًا مباشرًا في ظهور مذهبه الخاص.
أبرز الآراء النقدية حول شعرية الفلسفة عند المعري
اختلفت الآراء النقدية بأبي العلاء المعري اختلافًا كبيرًا، ومن هذه الآراء ما يأتي:
- قول أدونيس
"إنّ أبا العلاء شاعر ميتافيزيقي بحجة أنّ البحث الميتافيزيقي تأمّل في العالم، أمّا الفلسفة فتتضمن أكثر من ذلك؛ فهي تتضمن طريقةً ومنهجًا في تأمل العالم".
- قول كمال اليازجي
"إن أبا العلاء فيلسوفٌ علمًا وعملًا؛ لأنّه بحث عن حقائق هذا العالم، فكانت حياته مُوافِقة لنتاج بحثه، فهو يُقدم العمل الفاضل على القول الحسن، ولا يرى معنى للصلاة مع النفاق، ولا للصوم مع الكذب، ولا للحج مع العدوان".
- قول حنا الفاخوري
"إنّنا لا نستطيع أن نعدّ آراء أبي العلاء فلسفةً بالمعنى الحصري، ولا أن نَعُدَّ صاحبها فيلسوفًا بالمعنى الدقيق؛ لأنّه لم يكن صاحب مذهب منظّم كأرسطو وابن سينا".