شعر حزن وفراق
الفراق
تفرّق الظروف الأحبّة رغماً عنهم، فتهيّج مشاعر الشّوق، وتشعل لديهم الرّغبة في التّعبير، فتجدهم يفرّغون مشاعرهم السّلبية ويُصيغونها كلمات تزفّ جرحهم، في هذا المقال نستعرض بعضاً من الأشعار الحزينة في الفراق.
شعر حزن وفراق
- الحُزنُ الكامِنُ في عُمقي
حُزنٌ مَجهولُ الأسبابْ
والقلبُ الساكِنُ في جَنبي
مِثلُ السِّردابْ
الحزنُ الكامِنُ في عُمقي
حزنٌ مَجهولُ الأسماءْ
حزنٌ يَتَوغَّلُ في جِسمي
حتى الإعياءْ
الحزنُ الكامنُ في عُمقي
حزنٌ مِن خوفٍ مجهولٍ
خوفٍ مِن كلِّ الأشياءْ
- بَكيتُ الدُموعَ حِذارَ الفِراقِ
وَقَبلَ الفِراقِ وَلا أعلم
فلو قَد تَوَلّى وَسارَ الحَبيبُ
لَكانَ مَكانَ دُموعي دَمُ
- القلب صارَ من الفراق عليلاَ
والجسمُ منى لا يزالُ نَحيلا
بفراقِ من تركَ الفؤادَ مولَّهاً
سقماً حزيناً هائماً وعليلا
يا راحلاً عقلي خلافُك راحلٌ
لا شك حقّاً مُذْ نويت رحيلا
يا ظاعناً قد ضاعَ عقلي والحجا
لا زلتَ بعدك هائماً مشغولا
يا أكرمَ الأخلاقِ خُلُقاً صرتَ
باللُّقْيا على أهلِ الودادِ بخيلا
يا نازحاً نزحتْ دُمُوعي في الثرَى
فتولّدت فيه حَياً وسُيولا
يا سالباً أرواحَنا مَهْلاً لقد
غادرتني حتى المماتِ ذَليلا
يا غائباً في العينِ ذكرُكَ حاضرٌ
في القلبِ لا يبغى عليكَ بَديلا
- ولا تحسبنَّ الحزن يبقى فإنه
شهاب حريقٍ واقدٌ ثم خامدُ
ستألفُ فقدان الذي قد فقدته
كإلْفكَ وجْدان الذي أنت واجدُ
- أَلا إِنَّ قَلبي مِن فِراقِ أَحِبَّتي
وَإِن كُنتُ لا أُبدي الصَبابَةَ جازِعُ
وَدَمعِيَ بَينَ الحُزنِ وَالصَبرِ فاضِحي
وَسِتري عَنِ العُذّالِ عاصٍ وَطائع
- وموقفٍ للوداعِ ألبَسَني
للتُّعْسِ همًّا يسوءُ موقعُهُ
فقلتُ والدمعُ قد شَرِمْتُ به
أستودعُ اللهَ من أُودِّعُهُ
- أشكو إلى اللَه ما لاقيت من حرقٍ
يوم الفراق وما حُمِّلتُ من ألم
لو لم يكن في جناني رسم صورتكم
وفي لساني ثناكم ذبت من ندم
- عَزَمتَ يا مُتلِفي عَلى السَفَرِ
واطولَ خَوفي عَلَيكَ واحَذَري
يُؤيِسُني مِن لِقاكَ قَولُهُمُ
بِأَنَّهُ لا رُجوعَ لِلقَمَرِ
تَمَهَّل مُضنى جَفاك
تَحَمَّل ذُبتُ في هَواك
يا مَن حَكى الظَبيَ في تَلَفُّتِهِ
وَفاقَهُ بِالدَلالِ وَالخَفَرِ
أَتَلفتَني بِالصُدودِ مُعتَدِياً
فَذَلَّ عِزّي وَعَزَّ مُصطَبَري
تَدَلَّل مُهجَتي فِداك
تَسَهَّل بَعضُ ذا كَفاك
وَدَّعتَني وَالدُموعُ سائِحَةٌ
لَو عَرَضَت لِلمَطِيَّ لَم تَسِرِ
وَخاطِري بِالفُراقِ مُنكَسِرٌ
وَلاعِجُ الوَجدِ غَيرُ مُنكَسِرِ
مُبَلبَل أَرتَجي لِقاك
أُعَلَّل أَنَّني أَراك
- فارقتُ مكّةَ والأقدارُ تُقحِمُني
وَلي فؤادٌ بها ثاوٍ مَدى الزَمنِ
فارقتُها لا رضىً منّي وقد شهدَت
بذاكَ أَملاكُ ذاك الحِجر والرُكُنِ
فارقتُها وبودّي إذ فَرَقتُ بها
لَو كانَ قد فارَقت روحي بها بَدَني
- بِقَلبيَ مِن حَرِّ الفِراقِ غَليلُ
فَهَل لي إِلى رَوحِ الوِصالِ وُصولُ
جُفوني قِصارٌ مِثلُ أَيّامِ وَصلِكُم
وَلَيلي كَأَيّامِ الفِراقِ طَويلُ
وَأَقبَحُ ما عِندي المَلامَةُ في الهَوى
وَما عِندِيَ الصَبرُ الجَميلُ جَميلُ
بَكَينا لِيَومِ البَينِ حينَ بَكى لَنا
حَسودٌ وَواشٍ رَحمَةً وَعَذولُ
فَلا عَين إِلّا وَهيَ عَينٌ مَعينَةٌ
وَلا خَدَّ إِلّا خدَّ فيهِ مَسيلُ
وَساروا وَوَلَّينا وَمِنّا وَمِنهُمُ ال
عُيونُ الصَحيحاتُ النَّواظِرِ حولُ
وَكُلٌّ لَهُ وَخدٌ يخالِفُ سَيرَهُ
يُمَيِّلُهُ تِلقاءهُ فَيَميلُ
رَعى اللَهُ أَيّاماً مَضَت بِاجتِماعِنا
وَلَمّا يَرُعنا بِالفِراقِ رَحيلُ
- أقولُ للعين في يومِ الفرَاقِ وقَد
فَاضَتْ بدمعٍ على الخدّينِ مُسْتَبِقِ
تَزوَّدِي اليومَ من تَوديعهم نظراً
فَفي غَدٍ تَفرُغي للدّمعِ والأرقِ
- شكا ألم الفراق الناس قلبي
وروع بالنوى حي وميت
وأما مثل ما ضمت ضلوعي
فإني ما سمعت ولا رأيت
- فارقتُكُمْ وفراقكُمْ صَعْبُ
لا الجسمُ يحمله ولا القلبُ
قُتِلَ البعادُ فما أشيرَ به
حَتّى تَمَزّقَ بَينَنا القربُ
أمقيمةٌ والرّكبُ مُرْتَحِلٌ
بالصّبرِ عنك تَرَحّلَ الركبُ
كم ذا يزورُ البحرَ بحرُ أسى
في العين منك جُمانُهُ رطبُ
ما كان نأيي عن ذراك قلىً
فيموتَ بعْد حياتِه الحبُّ
إني لأرجو السلمَ من زمنٍ
قامَتْ على ساقٍ له حرْبُ
والدهر إن يُسْعِدْ فربَّتَما
صَلُحَ الجموحُ وذلّل الصعبُ
- فِراقُكِ كانَ أَوَّلَ عَهدِ دَمعي
وَآخِرَ عَهدِ عَيني بِالرُقادِ
فَلَم أَرَ مِثلَ ما سالَت دُموعي
وَما راحَت بِهِ مِن سوءِ زادِ
أَبيتُ مُسَهَّداً قَلِقاً وِسادي
أُخَفِّفُ بالدُموعِ عَنِ الفُؤادِ
- وَحَدَّثتُ نَفسي بِالفِراقِ أَروضُها
فَقالَت رُوَيداً لا أَغُرُّكَ مِن صَبري
فَقُلتُ لَها فَالهَجرُ وَالبَينُ واحِدٌ
فَقالَت أَأُمنى بِالفِراقِ وَبِالهَجرِ
- إِذا كانَ دَمعي شاهِدي كَيفَ أَجحَدُ
وَنارُ اِشتِياقي في الحَشا تَتَوَقَّدُ
وَهَيهاتَ يَخفى ما أُكِنُّ مِنَ الهَوى
وَثَوبُ سِقامي كُلَّ يَومٍ يُجَدَّدُ
- أنعى إليك قلوباً طالما هطلت
سحائب الجود منها أبحر الحكم
أنعى إليك نفوساً طاح شاهدها
فيما ورا الحيث بل في شاهد القدم
قصائد في الفراق
عندما يختلط جميل الشّعر بمشاعر الحزن الصّادقة، يتنج عنها لوحةً فنّيةً، والآتي بعضاً منها.
قصيدة الفراق الجميل
كريم معتوق
لا أحملُ العُقَد القديمةَ
فالسّلامُ على ضياعكِ من دمي
سكتَ الكلامْ
فلتأذني لي مرّةً أخرى لأعُلنَ سرَّ غربتنا
وسرَّ حكايةٍ عبرتْ موشحةً بأغطيةِ الظّلامْ
قالوا حرامْ
فقلتُ إنْ نبقى حرامْ
حزنٌ يجرُ الحزنَ
يأسٌ دائمٌ خوفٌ
عذابٌ مُنتقى، زيفٌ
وألوانُ الكآبةِ بانسجامْ
لا تنتهي قصصُ الهوى دوماً
بوردٍ أحمرٍ أو أبيضٍ
أو غصنِ زيتونٍ وأسرابِ الحمامْ
نحن ارتضينا قصةً أُخرى
فراقٌ رائعٌ
لا ينحني للشّوقِ والذّكرى، ويقبلُ بالملامْ
نحن ابتدعنا غربةً كُبرى
وصلّينا صلاةَ الهجرِ
كانتْ حفلةً كُبرى وكنتُ بها الإمامْ
واتّفقنا
قبلَ هذا اليومِ لا أذكرُ أنْ نحن اتّفقنا
غيرَ أن نُمعن في قتلِ هوانا المستهامْ
وتراضينا على النّسيانِ
أنجبنا حنيناً ميّتاً
قومي
ركامُ اليوم يستدعيكِ أن تأتين تابوتاً
ركاماً أو حطامْ
لا صدرَ بعد اليومِ يحضننا
ولا كفٌّ إذا ما لامَسَتْ كفّا ً
تنامى دفءُ ملحمةٍ وأسرارٍ
يُهدهدها الوئامْ
قومي
تبلّدتْ المشاعرُ والكلامُ له فطامْ
نحن اصطفينا عنفَ خيبتنا
وجارينا البرودةَ في مشاعرنا
وأبرمنا عقودَ الهجرِ حتّى تنتهي الدّنيا
ويلفظنا الأنامْ
واشتبكنا
لا نرى فَجر خلاصٍ
فهوينا للأعالي
كقتيلينِ على الأفق ننامْ
قصيدة الفراق
إبراهيم ناجي
نحاولُ أن ننسى
ماذا نُحاول أن ننسى؟
الخنجرُ المسموم أنجز مهمته بضراوة
والمرأة التي عرضت ساعة الفراق بفوديها
كنهرين صغيرين، اختفت في الظّلمة
حيث كان كلبٌ يعوي
حيث قطارٌ يلتهم الرّيح
ولم أعد أرى في معترك أيامي
عدا شبحَ قُرصانٍ يفترس أضلاعه
في كوخ.
قصيدة مباهج الفراق
غادة السّمان
ما أجمل الفراق
ستبقى وسيماً وشاباً إلى الأبد في خاطري، ستظلّ تحبّني
وتكتب لي أعذب قصائد الحبّ، وسأظلّ حين أسمع اسمك أو
أرى صورتك أرى النّجوم تركض قرب وجهي نهراً متدفّقاً من
الضّوء إلى اللاّنهايات
سأظل أحبّك، سعيدة بالتّواطؤ مع خديعتك لي، أحبّك دون
أن أسألك من أنت وما أنت، حبّاً بلا شروط،
حبّاً له بهاء خراب الفصول
حبّاً أعلن استقلاله عنك
سيصير حبّك لقاء في المسافة بين الكبرياء والكتمان
والمستحيل
كوكباً مُضيئاً راكضاً في مداراته النّائية المعتمة
قمرأ جديداً غامضاً يُضاف إلى مجرّتنا
يرصده الفلكيّون بدهشة متسائلين: من أين جاء؟
قصيدة أقول لهم وقد جدّ الفراق
معروف الرّصافي
أقول لهم وقد جدّ الفراق
رويدَكم فقد ضاق الخِناقُ
رحلتم بالبدور وما رحِمتم
مَشُوقاً لا يبوخ له اشتياق
فقلبي فوق رؤوسكم مطار
ودمعي تحت أرجلكم مراق
أقال الله من قود لحاظاً
دماء العاشقين بها تراق
وأبقى أعيُناً للغيد سوداً
ولو نُسيتْ بها البيض الرّقاق
متى يصحو الفؤاد وقد أديرت
عليه من الهوى كأس دهاق
وليس النّاس إلّا من تصابي
لهوج الرّامسات بها اختراق
كأن لم تُصبني فيها كعابٌ
ولم يُضرب بساحتها رواق
فعُجتُ على الطّلول بها مُكِبّاً
أسيرٌ عَضَّ ساعده الوَثاق
حديد بارد في اللّوم قلبي
فليس له إذا طرق انطرق.
قصيدة مواسم لا علاقة لها بالفصول
أحلام مستغانمي
هُنالك مواسم للبكاء الذي لا دموع له
هُنالك مواسم للكلام الذي لا صوت له
هُنالك مواسم للحزن الذي لا مبرّر له
هُناك مواسم للمفكرات الفارغة
والأيام المتشابهة البيضاء
هُنالك أسابيع للتّرقب وليالٍ للأرق
وساعات طويلة للضّجر
هُنالك مواسم للحماقات، وأخرى للنّدم
ومواسم للعشق، وأخرى للألم
هُنالك مواسم لاعلاقة لها بالفصول
هُنالك بدايات السّنة أشبه بالنّهايات
هُنالك نهايات أسبوع أطول من كلّ الأسابيع
هُنالك صباحات رماديّة لأيام لا علاقة لها بالخريف
هُنالك عواصف عشقيّة لا تترك لنا من جوار
وذاكرة مفروشة لا تصلح للإيجار
هُنالك قطارات ستسافر من دوننا
وطائرات لن تأخذنا أبعد من أنفسنا
هُنالك في أعماقنا ركن لا يتوقّف فيه المطر
هُنالك أمطار لا تسقي سوى الدّفاتر
هُنالك قصائد لن يوقّعها الشّعراء
هُنالك ملهمون يوقّعون حياة شاعر
هُنالك كتابات أروع من كاتبها
هُنالك قصص حبّ أجمل من أصحابها
هُنالك عشّاق أخطأوا طريقهم للحبّ
هُنالك حبّ أخطأ في اختيار عُشّاقه
هُنالك زمن لم يُخلق للعشق
هُنالك عُشّاق لم يُخلقوا لهذا الزّمن
هُنالك حُبّ خُلق للبقاء
هُنالك حُبّ لا يُبقي على شيء
هُنالك حُبّ في شراسة الكراهيّة
هُنالك كراهيّة لا يضاهيها حبّ
هُنالك نسيان أكثر حضوراً من الذّاكرة
هُنالك كذب أصدق من الصّدق
هُنالك أنا
هُنالك أنت
هُنالك مواعيد وهميّة أكثر متعة من كلّ المواعيد
هُنالك مشاريع حبّ أجمل من قصّة حبّ
هُنالك فراق أشهى من ألف لقاء
هُنالك خلافات أجمل من أي صلح
هُنالك لحظات تَمرُّ عُمراً
هُنالك عمر يحتضر في لحظة
هُنالك أنا، وهنالك أنت
هُنالك دائماً مستحيلٌ ما يُولد مع كلّ حبّ.
قصيدة لِمَنْ طَللٌ بوَادِي الرَّمْلِ
عنترة بن شدّاد
لِمَنْ طَللٌ بوَادِي الرَّمْلِ بالي
مَحتْ آثارَهُ ريحُ الشّمالِ
وقفتُ به ودمعي من جفوني
يَفيضُ على مَغانيهِ الخَوالي
أُسائِلُ عَنْ فَتاة ِ بني قُرادٍ
وعنْ أترابها ذاتِ الجمال
وكيفَ يجيبنى رسمُ محيلُ
بعيدُ لا يعنُّ على سؤالِ
اذا صاح الغرابُ به شجاني
وأجرى أدْمُعي مِثلَ اللآلي
وأخبرني بأَصْنافِ الرَّزايا
وبالهجرانِ منْ بعد الوصال
غُرابَ البيْنِ ما لكَ كلَّ يوْمٍ
تُعاندُني وقد أشغلْتَ بالي
كأَنِّي قد ذَبحتُ بحدِّ سيْفي
فراخَكَ أوْ قَنَصْتُكَ بالحبال
بحقِّ أبيكَ داوي جُرْحَ قلْبي
ورَوِّحْ نارَ سِرِّي بالمقال
وخبّرْ عنْ عُبيْلة َ أَيْنَ حلّت
وما فعلتْ بها أيدِي اللَّيالي
فقلبي هائمٌ في كلَّ أرض
يقبلُ إثر أخفافِ الجمال
وجسمي في جبال الرّمل ملقى
خيالٌ يرتجي طيف الخيال
وفي الوادي على الأَغظان طيْرٌ
ينوحُ ونوحهُ في الجوَّ عال
فقلْتُ له وقد أبدى نحيبا:
دعِ الشَّكْوى فحالُكَ غيرُ حالي
أنا دمعي يفيض وأنت باكٍ
بلاَ دَمْعٍ فذَاكَ بُكاءُ سالِ
لَحى الله الفِراقَ ولاَ رَعاهُ
فَكَمْ قدْ شَكَّ قلبي بالنّبال
أقاتلُ كلَّ جبارٍ عنيدٍ
ويقتلني الفراقُ بلا قتال