شرح قصيدة ويا وطني لقيتك بعد يأس
شرح قصيدة ويا وطني لقيتك بعد يأس
شرح قصيدة ويا وطني لقيتك بعد يأس فيما يأتي:
شرح المقطع الأول
يقول الشاعر:
أُنادي الرَسمَ لَو مَلَكَ الجَوابا
:::وَأُجزيهِ بِدَمعِيَ لَو أَثابا
وَقَلَّ لِحَقِّهِ العَبَراتُ تَجري
:::وَإِن كانَت سَوادَ القَلبِ ذابا
سَبَقنَ مُقَبِّلاتِ التُربِ عَنّي
:::وَأَدَّينَ التَحِيَّةَ وَالخِطابا
فَنَثري الدَمعَ في الدِمَنِ البَوالي
:::كَنَظمي في كَواعِبِها الشَبابا
وَقَفتُ بِها كَما شاءَت وَشاؤوا
:::وُقوفاً عَلَّمَ الصَبرَ الذِهابا
لَها حَقٌّ وَلِلأَحبابِ حَقٌّ
:::رَشَفتُ وِصالَهُم فيها حَبابا
وَمَن شَكَرَ المَناجِمَ مُحسِناتٍ
:::إِذا التِبرُ اِنجَلى شَكَرَ التُرابا
وَبَينَ جَوانِحي وافٍ أُلوفٌ
:::إِذا لَمَحَ الدِيارَ مَضى وَثابا
رَأى مَيلَ الزَمانِ بِها فَكانَت
:::عَلى الأَيّامِ صُحبَتُهُ عِتابا
إنّ المتامل في هذا المقطع الشعري يجد أنّ الشاعر يقف على الأطلال، ويُخاطب ديار المحبوبة، فهو يلتزم بقواعد عمود الشعر العربي ويتبع منهج القُدامى في استنطاق الطلّل، وهذا الأمر يتناسب مع محتوى هذه القصيدة، التي يُعبر فيها الشاعر عن حبه وعشقه لوطنه.
كما يُظهر الشاعر حزنه، فالشاعر متعلق قلبه بهذه الديار ومن سكنوها، حتى إنّ دموعه تجري على رؤيته لهذا الخراب، الذي كان مكان الحبيبة وأهلها، وأنشد هذه الأبيات مندفعًا؛ ليُعبر عن حالة الحب التي يعيشها، ويُريدها أن تتجدد بلقاء جديد مع المحبوبة.
شرح المقطع الثاني
يقول الشاعر:
وَداعاً أَرضَ أَندَلُسٍ وَهَذا
:::ثَنائي إِن رَضيتِ بِهِ ثَوابا
وَما أَثنَيتُ إِلّا بَعدَ عِلمٍ
:::وَكَم مِن جاهِلٍ أَثنى فَعابا
تَخِذتُكِ مَوئِلاً فَحَلَلتُ أَندى
:::ذُراً مِن وائِلٍ وَأَعَزَّ غابا
مُغَرِّبُ آدَمٍ مِن دارِ عَدنٍ
:::قَضاها في حِماكِ لِيَ اِغتِرابا
شَكَرتُ الفُلكَ يَومَ حَوَيتِ رَحلي
:::فَيا لِمُفارِقٍ شَكَرَ الغُرابا
فَأَنتِ أَرَحتِني مِن كُلِّ أَنفٍ
:::كَأَنفِ المَيتِ في النَزعِ اِنتِصابا
وَمَنظَرِ كُلِّ خَوّانٍ يَراني
:::بِوَجهٍ كَالبَغِيِّ رَمى النِقابا
وَلَيسَ بِعامِرٍ بُنيانُ قَومٍ
:::إِذا أَخلاقُهُم كانَت خَرابا
أَحَقٌّ كُنتِ لِلزَهراءِ ساحاً
:::وَكُنتِ لِساكِنِ الزاهي رِحابا
وَلَم تَكُ جَورُ أَبهى مِنكِ وَرداً
:::وَلَم تَكُ بابِلٌ أَشهى شَرابا
وَأَنَّ المَجدَ في الدُنيا رَحيقٌ
:::إِذا طالَ الزَمانُ عَلَيهِ طابا
أولَئِكَ أُمَّةٌ ضَرَبوا المَعالي
:::بِمَشرِقِها وَمَغرِبِها قِبابا
جَرى كَدَراً لَهُم صَفوُ اللَيالي
:::وَغايَةُ كُلِّ صَفوٍ أَن يُشابا
مَشَيِّبَةُ القُرونِ أُديلَ مِنها
:::أَلَم تَرَ قَرنَها في الجَوِّ شابا
مُعَلَّقَةٌ تَنَظَّرُ صَولَجاناً
:::يَخُرُّ عَنِ السَماءِ بِها لِعابا
تُعَدُّ بِها عَلى الأُمَمِ اللَيالي
:::وَما تَدري السِنينَ وَلا الحِسابا
في هذا المقطع الشعري نجد أنّ الشاعر يتخلص من لوحة الأطلال، وينطلق للحديث عن الأندلس فنراه يُودع هذه الأرض، التي خسرها العرب في صراعهم مع الأسبان لمدة 800 عامٍ متوالية، ونراه يبكي على هذه البلاد، وهو يُجهز متاع رحلته في السفينة، ويصفها بجنة عدن.
يُعلن الشاعر حنينه لهذه الأرض، لا سيما مدينة الزهراء في قرطبة، فقد فارقها الشاعر إلى غير رجعة، ومن ثم نراه يُقارن بينها وبين بابل، ويُفضل الأندلس وينتصر لها، فهي الأجمل والأعذب ماءً، إلّا أنّ العرب خسرت تلك الأرض التي حكمها رجال عظام من العرب، وبنوا فيها مجدًا يُخلده التاريخ.
شرح المقطع الثالث
قال الشاعر:
وَيا وَطَني لَقَيتُكَ بَعدَ يَأسٍ
:::كَأَنّي قَد لَقيتُ بِكَ الشَبابا
وَكُلُّ مُسافِرٍ سَيَئوبُ يَوماً
:::إِذا رُزِقَ السَلامَةَ وَالإِيابا
وَلَو أَنّي دُعيتُ لَكُنتَ ديني
:::عَلَيهِ أُقابِلُ الحَتمَ المُجابا
أُديرُ إِلَيكَ قَبلَ البَيتِ وَجهي
:::إِذا فُهتُ الشَهادَةَ وَالمَتابا
وَقَد سَبَقَت رَكائِبِيَ القَوافي
:::مُقَلَّدَةً أَزِمَّتَها طِرابا
تَجوبُ الدَهرَ نَحوَكَ وَالفَيافي
:::وَتَقتَحِمُ اللَيالِيَ لا العُبابا
وَتُهديكَ الثَناءَ الحُرَّ تاجاً
:::عَلى تاجَيكَ مُؤتَلِقاً عُجابا
هَدانا ضَوءُ ثَغرِكَ مِن ثَلاثٍ
:::كَما تَهدي المُنَوَّرَةُ الرِكابا
وَقَد غَشِي المَنارُ البَحرَ نوراً
:::كَنارِ الطورِ جَلَّلَتِ الشِعابا
وَقيلَ الثَغرُ فَاِتَّأَدَت فَأَرسَت
:::فَكانَت مِن ثَراكَ الطُهرِ قابا
فَصَفحاً لِلزَمانِ لِصُبحِ يَومٍ
:::بِهِ أَضحى الزَمانُ إِلَيَّ ثابا
وَحَيّا اللَهُ فِتياناً سِماحاً
:::كَسَوا عِطفَيَّ مِن فَخرٍ ثِيابا
مَلائِكَةٌ إِذا حَفّوكَ يَوماً
:::أَحَبَّكَ كُلُّ مَن تَلقى وَهابا
وَإِن حَمَلَتكَ أَيديهِم بُحوراً
:::بَلَغتَ عَلى أَكُفِّهِمُ السَحابا
تَلَقَّوني بِكُلِّ أَغَرَّ زاهٍ
:::كَأَنَّ عَلى أَسِرَّتِهِ شَهابا
تَرى الإيمانَ مُؤتَلِقاً عَلَيهِ
:::وَنورَ العِلمِ وَالكَرَمَ اللُبابا
وَتَلمَحُ مِن وَضاءَةِ صَفحَتَيهِ
:::مُحَيّا مِصرَ رائِعَةً كَعابا
وَما أَدَبي لِما أَسدَوهُ أَهلٌ
:::وَلَكِن مَن أَحَبَّ الشَيءَ حابى
شَبابَ النيلِ إِنَّ لَكُم لَصَوتاً
:::مُلَبّى حينَ يُرفَعُ مُستَجابا
فَهُزّوا العَرشَ بِالدَعَواتِ حَتّى
:::يُخَفِّفَ عَن كِنانَتِهِ العَذابا
في هذا المقطع ينتقل الشاعر من الحديث عن الأندلس والشوق لها للحديث عن وطنه، وعودته إليه، فنراه في بداية هذا المقطع يصف لنا رحلة العودة إلى مصر، فقد كان على عجلة يُريد الوصول، حتى أنّه رأى شاطئ أرض مصر من بعيد كأنه جبل الطول، وفي قمته نار مشتعلة، فالشاعر هُنا يُبالغ في وصفه لأرض مصر تكريمًا لها.
يتعمق الشاعر في مبالغته لحب الوطن، فنراه يجعل الوطن فضاءً مكافئًا للقِبلة، فهو يعلن أنّه يُريد لو كان وطنه وجهةً القبلة؛ لشدة حبه لهذا الوطن، وأيضًا نجده يتفاخر بأرض مصر، ويسقط عليها أوصافًا كبيرةً، فيصفها بأنّها أرض الإيمان، وبلد العِلم، وأنّ شبابها أشداء أقوياء يهزون العروش، فالشاعر جعل وطنه في منزلة عُليا.
الأفكار الرئيسة في قصيدة ويا وطني لقيتك بعد يأس
الأفكار الرئيسة في قصيدة ويا وطني لقيتك بعد يأس فيما يأتي:
- الوقوف على الأطلال ومحاكاة القدامى في استنطاق الطلل.
- الحديث عن الأندلس والشوق إليها.
- وصف رحلة الاغتراب عن الأندلس، وما يُكابد فيها الإنسان المُهجّر.
- التغني بالوطن، وبأرض مصر.
معاني المفردات في القصيدة
تضمنت هذه القصيدة بعض الكلمات التي تحتاج لتفسير، وهي كالآتي:الكلمة | المعنى |
الرسم | البقايا والآثار. |
الدمن | الأرض التي أُهملت. |
التبر | فتات الذهب. |
الفُلك | السفن الجارية على الماء. |
الطور | جبل في مصر. |
اللجة | الموج المتلاطم. |
الصور الفنية في القصيدة
تضمّنت هذا القصيدة بعض الصور الفنية، منها ما يأتي:
- فَنَثري الدَمعَ في الدِمَنِ البَوالي
:::كَنَظمي في كَواعِبِها الشَبابا
يُشبه الشاعر صورته وهو ينثر دموعه، بصورته وهو ينظم الشعر.
- وَمَنظَرِ كُلِّ خَوّانٍ يَراني
:::بِوَجهٍ كَالبَغِيِّ رَمى النِقابا
يُشبه الشاعر وجه الخائن بباغية تنزع نقابها فيبدو وجهها البشع.
- وَيا وَطَني لَقَيتُكَ بَعدَ يَأسٍ
:::كَأَنّي قَد لَقيتُ بِكَ الشَبابا
يُشبه الشاعر صورة الوطن عند اللقاء، بصورة شيخ يعود إليه شبابه.
- وَتُهديكَ الثَناءَ الحُرَّ تاجاً
:::عَلى تاجَيكَ مُؤتَلِقاً عُجابا
يُشبه الشاعر الوطن بملك يضع تاجًا.
- وَقَد غَشِي المَنارُ البَحرَ نوراً
:::كَنارِ الطورِ جَلَّلَتِ الشِعابا
يُشبه الشاعر صورة الشمس المنعكسة على لجة الماء، بجبل الطور والنار مشتعلة في قمته.