شرح قصيدة وصف الطبيعة
شرح أبيات قصيدة وصف الطبيعة
قصيدة في وصف الطبيعة من تأليف الشاعر والروائي المصري أحمد شوقي ، وهو من أشهر شعراء العصر الحديث، المُلقب بأمير الشعراء، ولد في القاهرة عام 1868م، وتوفي فيها عام 1932م، ويتحدث الشاعر في قصيدته (في وصف الطبيعة) عن بديع صنع الله في خلقه مدلًلا في ذلك على عظمته وقدرته جلّ في علاه.
: تِلكَ الطَبيعَةُ قِف بِنا يا ساري ::: حَتّى أُريكَ بَديعَ صُنعِ الباري
يشير الشاعر إلى الطبيعة البديعة التي لفتت نظره بجمالها، فيطلب من الساري ليلاً أن يقف ويتأمل معه بديع صنع الخالق جل في علاه، وهنا يقصد الشاعر بالساري البشرَ كافة طالبًا منهم أن يتأملوا الطبيعة من حولهم متفكرين في صنع الله.
: الأَرضُ حَولَكَ وَالسَماءُ اِهتَزَّتا ::: لِرَوائِعِ الآياتِ وَالآثارِ
يؤكد الشاعر على جمال الطبيعة الخلّاب الذي جعل الأرض والسماء تهتزان لبديعها، إشارةً إلى أنه حتى الجماد تأثر وسبح بجمال الله وحمده، فأولى لك أيها الإنسان أن تتفكر في آيات الله التي تعني بعظيم صنعه، وآثار ودلائل قدرته الظاهر في هذه الطبيعة.
: مِن كُلِّ ناطِقَةِ الجَلالِ كَأَنَّها ::: أُمُّ الكِتابِ عَلى لِسانِ القاري
يُشبّه الشاعر هنا جمال الطبيعة أنها إنسان، كل ما فيها من معالم مثل: الجبال والأشجار والبحار تنطق بجمالها وجلالها وإتقانها، كأنها بجَمال أم الكتاب وهي سورة الفاتحة على لسان قارئها ( هذا تشبيه جميل، لكن يبدو أنه مبالغ فيه؛ لأن كلام الله يختلف عن خلقه ).
: دَلَّت عَلى مَلِكِ المُلوكِ فَلَم ::: تَدَع لِأَدِلَّةِ الفُقَهاءِ وَالأَحبارِ
يشير الشاعر هنا إلى أنّ هذه الطبيعة بإبداعها وحسن خلقها دلّت على أن الله عز وجل ملك الملوك، إذ لم تترك مجالًا للفقهاء والعلماء أن يوردوا أدلة وبراهين للناس؛ حتى يثبتوا أنّ هذه الطبيعة الخلابة من صنع الله، وكأن الطبيعة تنطق بلا لسان تتكلم أنها من عند الخالق الباري لا تحتاج واسطة تدلل على ذلك.
: مَن شَكَّ فيهِ فَنَظرَةٌ في صُنعِهِ ::: تَمحو أَثيمَ الشَكِّ وَالإِنكارِ
يقول الشاعر مُخاطبًا مَن شك في وجود الله عز وجل ( ويقصد: الملحدين): فلينظروا متفكرين متأملين في صنع الله عز وجل في أرضه، فإن ذلك أحرى أن يمحو إثم شكوكهم وإنكارهم؛ فالتفكر في الطبيعة من حولنا لا يدَعُ مجالًا للشك أن لهذا الكون خالقًا بديعًا أحسن كل شيءٍ خَلَقَه.
: كَم في الخَمائِلِ وَهيَ بَعضُ إِمائِها ::: مِن ذاتِ خِلخالٍ وَذاتِ سِوارِ
يستمر الشاعر في وصف حسن صنع الله في طبيعته، فيقول: كم من الخمائل وهي الشجرَ المُجْتمِعُ الكثيرُ الملتَفُّ وكيف تنوع أشكالها، وهنا المعنى يدل على الكثرة، فمنها من يلتف الخلخال من أسفلها (ويقصد بها الأغصان أو الثمار والزهر)، وبعضها الآخر تتزين من أعلاها في ثمارها وأوراقها. هنا يشبه الشاعر حسن جمال الأشجار، بحسن جمال المرأة التي تتزين بلبس الخلخال في قدمها والإسوار في يدها.
: وَضَحوكِ سِنٍّ تَملَأُ الدُنيا سَنىً ::: وَغَريقَةٍ في دَمعِها المِدرارِ
يستمر الشاعر في وصف جمال الطبيعة، فيشبهها بفتاة حسناء مبتسمة تملأ الدنيا ضياءً بحسن ابتسامتها، كما شبه جمال ينابيعها وأنهارها بدمعٍ مدرارٍ يهطل من عيون هذه الحسناء.
: وَلَقَد تَمُرُّ عَلى الغَديرِ تَخالُهُ ::: وَالنَبتُ مِرآةً زَهَت بِإِطارِ
يصف الشاعر هنا شدة صفاء غدير الماء في الطبيعة، فيستمر موجّهاً خطابه للسائر ليلًا فيقول له، عند مرورك بالغدير الصافي النقي تحسبه مرآةً والنباتات من حوله كأنها إطارٌ زهيٌ زيّن هذه المرآة، والإطار هو كل ما أحاط بالشيء من خارجه.
:حُلوُ التَسَلسُلِ مَوجُهُ وجَريرهُ ::: كَأَنامِلٍ مَرَّت عَلى أَوتارِ
يواصل الشاعر في هذا البيت الشعري بوصف غدير المياه فيتغزل بجميل أمواجه المتسلسلة وجريانه معًا، فيقول: إن الماء عندما يتحرك بسبب الرياح مثلاً يُحدثُ صوتًا جميلًا مطربًا للآذان، وكأنه أصابع فنانٍ تمر عازفةً على أوتار عود هذا الفنان، يربط الشاعر هنا بين الجمال الموسيقي وجمال صوت المياه في الطبيعة، ويجعلهما سيان في طرب المستمع لهما.
: مَدَّت سَواعِدُ مائِهِ وَتَأَلَّقَت ::: فيها الجَواهِرُ مِن حَصىً وَجِمارِ
يشبه الشاعر ماء الغدير بانسيابه وجريانه كأنه أيادٍ امتدت وزهت بحسنها، وكأنها مليئة بالجواهر المتلألئة التي تزينها ،هنا شبه الحصى والجمار بالجواهر الجميلة، وفيه دلالة على صفاء الماء، ونقاءه الذي بدت من خلاله هذه لحجارة.
: يَنسابُ في مُخضَلَةٍ مُبتَلَّةٍ ::: مَنسوجَةٍ مِن سُندُسٍ وَنُضارِ
ما زال الشاعر سارحًا في جمال الغدير وروعة ماءه الصافي الذي ينساب في حديقة مبتلة، وكأنها لوحة فنية نُسجت أزهارها من الحَرِيرِ والدِّيبَاجِ، وهنا دلالة على شدة الجمال والنعومة التي تتمتع بها هذه الحدائق ذات الصنع الرباني.
: وَتَرى السَماءَ ضُحىً وَفي جُنحِ الدُجى ::: مُنشَقَّةً مِن أَنهُرٍ وَبِحارِ
ينتقل الشاعر هنا من وصف الطبيعة على سطح الأرض، إلى وصف السماء الجميلة المتعلقة فوقها، فيقول للسائر ليلًا أنك ترى السماء في وقت الضحى وفي شدة عتمة الليل كأنها قطعة منشقة من الأنهر والبحار، وهذا دلالة على لون السماء المتوافق مع لون البحار والأنهار ضحى وليلًا.
الأفكار الرئيسة في قصيدة وصف الطبيعة
هناك عدة أفكار رئيسة ارتكز عليها الشاعر في قصيدته، وهي:
- وصف الشاعر لجمال الطبيعة في الأرض؛ ليدلل من خلالها على عظيم صنع الخالق.
- دعوة الشاعر للبشر أجمعين أن يسيروا في الأرض بين الطبيعة الجميلة محفزًا لهم على التفكر والتأمل في بديع صنع الله في أرضه.
- التنقل في وصف الشاعر للطبيعة، فتارة يذكر الأشجار ومياه الجداول وتارة أخرى يذكر السماء وما ينزل منها من مطر.
معاني المفردات في قصيدة وصف الطبيعة
فيما يأتي ندرج معاني بعض المفردات والكلمات التي وردت في قصيدة وصف الطبيعة:
الكلمة | معناها |
ساري | السائر ليلاً |
أُريك | أُطلعك |
بديع | مدهش |
الباري | البارئ وهو اسم من أسماء الله تعالى ومعناه الخالق وهو المُبْدِعُ المُحْدِثُ |
اهتزّتا | تحركتا وخفقتا فرحًا |
رَوائِعِ | مفردها رائعة، وهي ما جاوز الحد في الجمال والإتقان |
الآياتِ | العلامات الدالة على الجمال |
الآثارِ | جمع أثر، وهو دليل الشيء وأثره، ويُقصد بها هنا معجزات الخالق في كونه |
ناطِقَةِ | المتكلمة |
الجَلالِ | العظمة |
أُمُّ الكِتابِ | سورة الفاتحة، وهي أول سورة في القرآن الكريم |
القاري | القارئ لكتاب الله |
دَلَّت | أرشدت وهَدَت إليه |
مَلِكِ المُلوكِ | الله عزّ وجل |
تَدَع | تترك |
أَدِلَّةِ | براهين |
الفُقَهاءِ | جمع فقيه، وهو العالم بأصول الدين وأحكامه |
الأَحبارِ | لقب يُطلق على عالم الدين بخاصة غير المسلمين، مثل: رئيس الكهنة عند اليهود، والبَطْرَك عند النَّصارى |
شَكَّ | الارتياب في أمر ما، وعدم الوصول إلى درجة اليقين فيه |
أَثيمَ | ممعن في ارتكاب الإثم، كثير الوقوع في المعصية |
الإِنكارِ | الجحود والنفي |
الخَمائِلِ | جمع الخميلة :وهي الشجرَ المُجْتمِعُ الكثيرُ الملتَفُّ الذي لا يُرَى فيه الشيءُ إذا وقع في وَسَطِهِ |
إِمائِها | جمع أمة وهي الجارية |
خِلخالٍ | حِليةٌ كالسِّوار تلبسها النساء في أَرجلهن |
سِوارِ | حِلْيَةٌ من الذهب مستديرةٌ كالحلقة تُلْبَسُ في المِعْصمِ أو الزَّنْد |
ذاتِ | صاحبة |
ضَحوكِ | بشوش دائم الابتسام |
سَنىً | الضوء الساطع |
المِدرارِ | الدمع الكَثِير والغَزِير |
الغَديرِ | النهر الصغير |
تَخالُهُ | تحسبه ، تظنّه |
زَهَت | حَسُنت |
إِطارِ | كل ما أَحاط بالشّيء من خارجه |
التَسَلسُلِ | جَرَى وَانْسَابَ فِي صُعُودٍ وَهُبُوطٍ |
جَريرُهُ | أصوات المياه المتتابعة والتي تصدر صوتًا مطربًا |
أَنامِلٍ | جمع أنملة، وهي رأس الإصبع |
أَوتارِ | جمع وتر، وهي خُيُوطُ العُودِ الَّتِي يُعْزَفُ عَلَيْهَا |
سَواعِدُ | جمع ساعد ما بين المِرْفَق والكتف من أَعلى |
تَأَلَّقَت | تَزَيَّنَتْ وأنارت بجمالها |
حَصىً | الأحجار الصغيرة الحجم |
جِمارِ | جمع جمرة، وهي الحَصَى الَّتِي يَرْمِي بِهَا الحَاجُّ فِي مِنىً |
يَنسابُ | يسيل |
مُخضَلَّةٍ | الأرض الخصبة والرطبة |
مَنسوجَةٍ | مُحاكة |
سُندُسٍ | لباس من حرير |
نُضارِ | صافٍ، خالص من كلِّ شيء |
ضُحىً | وقت طلوع النهار ويبدأ بعد الفجر حتى ما قبل الظهر |
جُنح الدجى | أول الليل |
مُنشَقَّةً | منفلقة، انصدع أو انقسم |
التحليل الأسلوبي لقصيدة وصف الطبيعة
في هذه القصيدة، اتسم أسلوب الشاعر الكبير أحمد شوقي بجزالة الألفاظ وجمال معانيها التي تتناسب مع فكرة القصيدة، من ناحية أخرى، نجد أن الشاعر قد أسهب في إيراد الصور الفنية الجميلة التي تُقرّب الفكرة للقارئ، وتُجَمل القصيدة في خياله ولفظه لما فيها من بديع الأوصاف وأحسنها لموضوع القصيدة.
الصور الفنية في قصيدة وصف الطبيعة
فيما يأتي مجموعة من الصور الفنية التي استخدمها الشاعر في قصيدته:
- شبّه الأرض والسماء بإنسانٍ يرقص ويهتز.
- شبّه المناظر الجميلة من كثرة إبداعها بفاتحة القرآن، ووجه الشبه كثرة الإبداع والإتقان.
- شبه النظرة المتفكرة في بديع صنع الله كأنها ممحاة تمحو ذنوب الشك والإنكار.
- شبة الأشجار الكثيفة الملتفة والنباتات المختبئة تحتها كالبنات وقد تزينّ، بعضهن بخلخال وبعضهنّ الآخر بالأساور.
- شبه جمال الطبيعة كأنها فتاة حسناء ذات وجه بشوش ضاحك يملأ الدنيا نورًا وضياءً.
- شبه شبّه السماء وهي تمطر كثيرًا بالفتاة الغريقة بدموعها المنسابة.
- شبّه الغدير وما يحيط به من خُضرة بالمرآة الجميلة التي تتزين بالإطار.
- شبّه صوت الموج في أثناء سير الماء بصوت موسيقى العود.
- شبّه الحصى الصغيرة التي تجرها الماء بالجواهر التي تُظهر بريقًا.
- شبّه الأرض المحاطة بالماء وهي تكتسي بالخُضرة، بثوبٍ من الحرير زُيّن بذهبٍ خالص.
في قصيدة (وصف الطبيعية)، يصف الشاعر أحمد شوقي جمال الطبيعة الخلّاب ويوجه دعوة للبشر كافة للتأمل والتفكر في بديع صنع الله في خلقه من حولنا، ويتنقل الشاعر في وصفه ما بين وصف جمال الطبيعة على الأرض؛ فيذكر السماء وما ينزل منها.