شرح قصيدة من أجل الطفولة
شرح قصيدة من أجل الطفولة
كتب هذه القصيدة الشاعر السوري محمد سليمان أحمد الملقب ببدوي الجبل، وهي جزء من قصيدة طويلة اسمها البلبل الغريب، وقد نظم الشاعر هذه القصيدة أثناء وجوده في الغربة تعبيرًا عن اشتياقيه لحفيده الموجود في الوطن، وتعبيرًا عن حبّه للأطفال، وما يمتازون به من صفاء وبراءة.
قافية هذه القصيدة بائية و نظمت على البحر الطويل ، وفيما يأتي شرح لأبيات هذه القصيدة:
وهَل دلَّلت لِي الغُوطتانِ لبانة
:::أحَبّ من النعمَى وأحلَى وأعذَبا
يقصد الشاعر في هذا البيت أنّ حاجته إلى حفيده البعيد عنه أشدّ من حاجته إلى النعيم في غوطة دمشق، ويتساءل عمّا إذا كانت الغوطة قد دللت حفيده المحبوب كما يجب أثناء غيابه عنه وهو في بلاد الغربة، ويظهر في هذا البيت استخدام الشاعر لأسلوب الاستفهام في جملة: وهل دللت لي الغوطتان لبانة؟.
وسيمًا من الأطفالِ لولاهُ لم أخفْ
:::-على الشَّيب- أنْ أنأى وأنْ أتغرَّبا
يتذكر الشاعر أيّامه مع حفيده الجميل في الغوطة، ويقول: إنّ ذكرياته مع حفيده في الوطن تُنسيه الغربة، وعلى الرغم من شيبه وكِبَره إلا أنّه لا يخشى الغربة بذاتها بقدر خشيته من ابتعاده عن حفيده الصغير الجميل، ويظهر في هذا البيت استخدام الشاعر لأسلوب النفي وتحديدًا في جملة: لم أخف.
تودُّ النُّجوم الزهرُ لو أنَّها دُمى
:::ليختارَ منها المُترفات ويلعبَا
يصف الشاعر في هذا البيت الألعاب التي يُقدّمها للحفيد، حتى إنّ النجوم اللامعات الجميلة تتمنى أن تصبح ألعابًا ليختار منها الحفيد الجميل ما يريد.
وعندِي كنوزٌ من حَنانٍ ورحمةٍ
:::نَعيمِي أنْ يغرَى بهنَّ وينهَبا
يقول الشاعر إنّه يمتلك الكثير من الحنان والرحمة التي تُشبه الكنوز، والتي يتمنى أن يضعها بين يدي حفيده ويغدقها على قلبه، وهنا استخدم الصورة الفنية؛ إذ شبّه الحنان والرحمة بالكنوز، وفي هذا تعبير عن رغبة الشاعر الكبيرة بإغداق مشاعره الفياضة بكرم على حفيده المحبّب و القريب إلى قلبه.
يجورُ وبعضُ الجَور حلوٌ محبَّبٌ
:::ولمْ أرَ قبلَ الطفل ظلمًا محبَّبا
يتذكر الشاعر مشاغبات ومشاكسات حفيده التي يشبّهها بالظلم، ويرى أنّ هذا الظلم والمشاكسة محببة إليه لأنّها صادرة عن حفيدة، حيث إنّ حفيده طفل، وطبع الأطفال ليس فيه حقد أو عمد، كما يظهر في هذا البيت استخدام الشاعر لأسلوب النفي في جملة: ولم أرَ.
ويغضبُ أحيانًا ويرضى وحسبُنا
:::من الصَّفوِ أن يرضَى علينَا ويغضَبا
يذكر الشاعر طبع حفيده في الغضب والرضا كما هي عادة الأطفال، فهو يرضى أحيانًا ويغضب أحيانًا أخرى، إلا أنّ الشاعر يكفيه أن يرضى عنه الحفيد في وقت الصفو والرضا، فهذا يسعده.
وإنْ نالَه سقمٌ تمنَّيتُ أنَّني
:::فداءٌ لهُ كنتُ السقيم المعذَّبا
يتمنّى الشاعر أن يُصاب بالمرض بدلًا من حفيده إن أصابه المرض، فهو لا يُطيق رؤية حفيده وقد حلّ به الألم، وفي هذا نوع من الفداء والتضحية والرحمة.
يزفُّ لنا الأعيادَ عيدًا إذا خطَا
:::وعيدًا إذا ناغَى وعيدًا إذا حبَا
يرى الشاعر أنّ حفيده يأتي بالأعياد ويبشر بالأفراح عندما يحبو، أو يمشي، أو يناغي لأول مرة، فهو يجلب البهجة والسرور لكلّ من حوله.
كزغبِ القطا لو أنَّه راحَ صاديًا
:::سكبتُ له عيني وقلبي ليشرَبا
يُشبّه الشاعر الطفل الرقيق بصغار طائر القطا، وطائر القطا هو نوع من الحمام البري ذو الريش الناعم، ويريد الشاعر بذلك أن يقول إنّه على استعداد لأن يسكب لهذا الطفل الصغير الماء من عينيه وقلبه، فيصير دمع عينيه ودم قلبه ماءً ليشرب منه هذا الطفل الظمآن، وفي هذا دلالة على حب الشاعر الكبير لحفيده والشعور بالحنو والعطف تجاهه والاستعداد للتضحية.
ينامُ على أشوافِ قلبِي بمهدِه
:::حريرًا من الوَشي اليماني مذهَّبا
يتمنّى الشاعر أن يكون قريبًا من حفيده ليحول قلبه إلى مهد لهذا الطفل، وعليه فراش يمانيّ حريري مزخرف بالنقوش اليمانية المذهبة، والتي تعدّ من أجود أنواع الزخارف، وفي ذلك ما يدل على عمق عاطفة الشاعر تجاه حفيده ومحبته الكبيرة له.
وأُسدلُ أجفانِي غطاءً يظلُّه
:::ويا لَيتها كانَت أحنَّ وأحدبَا
يتمنى الشاعر في هذا البيت أن يجعل أجفانه غطاءً لحفيده الصغير، ويتمنى أن تكون جفونه أكثر حنانًا لتحمي حفيده أكثر، ويشعر بالراحة والسكينة.
وتخفقُ في قلبي قلوبٌ عديدةٌ
:::لقد كان شعبًا واحدًا فتشعَّبا
يصف الشاعر في هذا البيت أثر محبته لحفيده على نفسه، فقد اتسع قلب الشاعر أكثر وكأنما صار قلوبًا، واتسعت شعاب قلبه أي؛ طُرقها لتصبح طرقًا عديدة، الأمر الذي يدل على عظم المحبة التي يكنها الشاعر لحفيده، وكأنّ هذه المحبة لا يسعها قلب واحد فهي تفيض وتكبر باستمرار.
ويا ربّ من أجلِ الطفولةِ وحدَها
:::أفِض بركاتِ السِّلم شرقًا ومَغربا
يتمنى الشاعر في هذا البيت أن يعمّ السلام والأمان والمحبّة أرجاء العالم في الشرق والغرب، حتى ينعم الأطفال بالفرح والسعادة ويعيشون بأمان دون أن يكدّر عيشهم سوء أو خطر، ويظهر في هذا البيت أسلوب الدعاء في جملة: يا رب.
وصُنْ ضحكةَ الأطفالِ يا ربّ إنَّها
:::إذا غرَّدت في مُوحشِ الرملِ أعشَبا
يدعو الشاعر الله في هذا البيت أن يصون ضحكات الأطفال الصغار الأبرياء التي تحيي الأرض القاحلة فتجعلها مخضرة، و في هذا البيت أسلوب نداء ودعاء .
معاني مفردات قصيدة من أجل الطفولة
ورد في القصيدة مجموعة من المفردات التي قد تحتاج إلى توضيح، وأهم تلك المفردات ما يأتي:
المفردة | معنى المفردة |
غوطتان | مفردها غوطة وهي مجتمع الماء والشجر. |
دلّلت | أسعدَت. |
لبانة | الحاجة الشديدة. |
نعمى | النعيم الكثير وطيب العيش. |
أنأى | أبتعد. |
وسيم | جميل، وتقال لوصف المذكر. |
الزّهر | اللامعة. |
تودّ | ترغب أو تريد. |
المترفات | المنعّمات أو الثمينات. |
الدمى | الألعاب. |
يغرى | يتعلق قلبه بها. |
ينهبا | يسرق. |
يجور | يظلم. |
حسبنا | يكفينا. |
الصفو | السكينة، الراحة، السعادة. |
ناله | أصابه. |
سقم | مرض. |
فداء | تضحية. |
يزف | يبشر. |
ناغى | لاعب أو أصدر أصواتًا تدلّ علة السعادة والحبور، وصوت الطفل أول كلامه. |
حبا | زحف. |
زغب القطا | القطا نوع من أنواع الطيور الصحراوية التي تشبه النعام. |
صاديا | عطشانًا. |
الوشي | الزينة. |
أسدل | أنزل، أرخي. |
أحدبا | أكثر حنانًا. |
َمهده | المهد هو سرير الطفل وموضع نومه. |
تخفق | تدقّ. |
شِعبا | طريقًا. |
أفض | املأ. |
السلم | السلام والأمان. |
صُن | احفظ. |
غرّدت | التغريد صوت العصافير. |
الموحش | المكان الخالي الذي لا أنس فيه، أو لا ماء وغذاء فيه. |
الصور الفنية في قصيدة من أجل الطفولة
إنّ هذه القصيدة غنية بالصور الفنية ، ومن أبرز الصور الفنية الواردة فيها ما يأتي:
- وأُسدلُ أجفانِي غطاءً يظلُّه
:::ويا لَيتها كانَت أحنَّ وأحدبَا
شبّه الشاعر جفني العينين بغطاء يظل حفيده، وفي هذا دلالة على الحماية.
- وعندِي كنوزٌ من حَنانٍ ورحمةٍ
:::نَعيمِي أنْ يغرَى بهنَّ وينهَبا
شبّه الشاعر حنانه ورحمته بالكنوز التي يريد أن ينعّم حفيده بها، وفي ذلك دلالة على قيمة هذه المشاعر الكبيرة من جهة واستحقاق الحفيد لتلك المشاعر من جهة أخرى، وقد ذكر المشبه وهو مشاعر الحنان، وذكر أيضًا المشبه به وهو الكنوز، فكان التشبيهُ بليغًا.
- تودُّ النُّجوم الزهرُ لو أنَّها دُمى
:::ليختارَ منها المُترفات ويلعبَا
شبّه الشاعر النجوم بالإنسان الذي يتمنى أن يصبح دمية يلعب بها الطفل الصغير، ويعدّ هذا من قبيل التجسيد، ودلالة الصورة الفنية أنّ الشاعر يريد أن يحقق للطفل كلّ أمانيه مهما كانت بعيدة وصعبة المنال، وهنا ذكر الشاعر المشبه وهو النجوم، وحذف المشبه به وهو الإنسان، فالاستعارة هنا مكنيّة.
- ينامُ على أشوافِ قلبِي بمهدِه
:::حريرًا من الوَشي اليماني مذهَّبا
يشبّه الشاعر قلبه بمهد الطفل أي: سريره، وفراشه، وموضع نومه، دلالة على استعداد الشاعر لاحتضان هذا الطفل ومراعاته والحنو عليه، وكأن الشاعر يريد أن يصبح مصدر الراحة لهذا الطفل.
- كزغبِ القطا لو أنَّه راحَ صاديًا
:::سكبتُ له عيني وقلبي ليشرَبا
يشبّه الشاعر حفيده الطفل الصغير بصغار القطا التي تشعر بالعطش، فيود الشاعر أن يسقي حفيده الصغير بماء عينيه وقلبه، حذف الشاعر المشبه وقد ذكر المشبه به؛ لذا فالاستعارة تصريحية، أما ماء العين فهو الدمع، وماء القلب هو الدماء، إذ يُشبّه دمع العين ودماء القلب بالماء، ذكر المشبه عينيه وقلبه وحذف المشبه به الماء، فالاستعارة مكنيّة.
الأفكار الرئيسة في قصيدة من أجل الطفولة
إنّ أهم الأفكار الرئيسة التي تدور حولها القصيدة ما يأتي:
- معاناة الشاعر في بلاد الغربة وحنينه إلى الوطن.
- حديث الشاعر عن شوقه لحفيده الصغير الجميل الذي يعيش بعيدًا عنه في غوطة دمشق.
- الدعاء بدوام سرور الأطفال وعيشهم في أمن وسلام في كل أنحاء العالم شرقًا وغربًا.
- وصف الطفولة ومشاغبات الأطفال ومشاكساتهم.
- التعبير عن الرغبة بالفداء والعطاء غير المحدود تجاه الطفل الحفيد.