شرح سورة النازعات للأطفال
القسم بالملائكة على وقوع البعث
يُقسم الله -تعالى- في بداية سورة النازعات على وقوع البعث، وفيما يأتي تفسير الآيات المتضمّنة لهذا القسم:
- قوله -تعالى-: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا}
- هي الملائكة التي تنزع الأرواح بقوّة وتغرق في نزعها حتّى تخرج الروح، فيجازيها الله -تعالى- على عملها.
- قوله -تعالى-: {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا}
- هي الملائكة التي تأخذ الأرواح بقوّة ونشاط، ومن المحتمل أن يكون النزع لأرواح المؤمنين، أمّا النشط فيكون لأرواح الكافرين.
- قوله -تعالى-: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا}
- هي الملائكة التي تتردّد في الهواء صعودًا ونزولًا.
- قوله -تعالى-: {فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا}
- هي الملائكة التي تسبق غيرها فتبادر لتنفيذ أوامر الله -تعالى- قبل أن يتمكّن الشياطين من استراق السمع ومعرفة ما هي تلك الأوامر.
- قوله -تعالى-: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}
- هي الملائكة التي تُدبر كثير من الأمور، مثل إنزال المطر وإنبات النبات، وجميع ما يوجد في العالم مثل الأشجار، والرياح، والبحار، والحيوانات، والأجنّة، وما يخصّ الجنة والنار، وفقًا لأوامر الله -تعالى- وحُسن تدبيره.
وصف حال المشركين عند البعث
بعد القسم على إثبات البعث يصف الله -عزّ وجلّ- حال المشركين يوم القيامة، وفيما يأتي تفسير الآيات التي وصفتهم وبيّنت حالهم:
- قوله -تعالى-: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ}
- وهذا يكون في النفخة الأولى من أهوال يوم القيامة حيث تتحرّك الأرض بشدّة فيموت كلّ من عليها.
- قوله -تعالى-: {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ}
- ثمّ تتبعها نفخةٌ ثانية؛ وهي التي يقوم بعدها جميع الخلائق للحساب، وقيل إنّ المقصود بالرادفة؛ السماء لأنّها تتبع الأرض بالتخريب في الآخرة حيث تنشق وتنتثر كواكبها ونجومها.
- قوله -تعالى-: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ}
- أي إنّ القلوب ستكون خائفة مضطربة في ذلك اليوم.
- قوله -تعالى-: {أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ}
- وستكون الأبصار ذليلة لهول ما تراه.
- قوله -تعالى-: {يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ}
- أي إنّ الكفّار كانوا يستنكرون أنّهم سيُردّون إلى هذا اليوم وستعود أجسامهم كما كانت قبل أن تَبلى وتتحلّل عندما يُدفنون في الأرض، ومعنى الحافرة؛ أي بداية أمر الإنسان، أو أنّهم يتمنّون لو رُدّوا إلى قبورهم وماتوا، أو إلى الدنيا.
- قوله -تعالى-: {أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً}
- أي إذا كنّا عظامًا بالية.
- قوله -تعالى-: {قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ}
- أي إنّ هذه الرجعة والعودة هي عودة خاسرة لهم؛ لأنّهم لم يؤمنوا بها ولم يعملوا لها.
- قوله -تعالى-: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ}
- أي صيحةٌ واحدة وهي النفخة الثانية، وهي نفخة البعث.
- قوله -تعالى-: {فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ}
- فإذا هم أحياء على وجه الأرض وقد رُدّت أرواحهم إلى أجسادهم.
قصة موسى مع فرعون
تتطرّق سورة النازعات للحديث عن بعض جوانب قصة النبي موسى -عليه السلام- مع فرعون، قال -تعالى-: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ* إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى* اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ* فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ* وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ* فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ* فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ* ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ* فَحَشَرَ فَنَادَىٰ* فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ* فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ* إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ}.
يقول الله -تعالى- لنبيّه محمد -صلّى الله عليه وسلّم-: هل أتاك حديث موسى؛ أي قصة النبي موسى، الذي كلّمه الله -تعالى- وأوحى إليه في وادٍ اسمه طوى، وقال له اذهب إلى فرعون الذي طغى في الكفر فادعه إلى الإيمان بقولٍ ليّن، وأرشده إلى تزكية نفسه وكيفية تطهيرها من دنس الكفر، وأرشده إلى طريق الهداية وخشية الله -سبحانه-.
فقام النبي موسى بما طُلِب منه وأيّده الله -تعالى- بالمعجزات، ولكنّ فرعون استمر في إنكاره للحق وعصيانه ولم يلتفت لما قيل له، بل قام بدعوة جنوده وأخبرهم بأنّه هو ربّهم، فأقرّوا له بذلك، فكان ذلك سببًا في نزول العذاب به في الدنيا والآخرة.
وفي هذا عبرة لمن يعتبر ومن في قلبه خشية من ربّه، فمن كان على نهج فرعون وأمثاله من المكذّبين بيوم القيامة والكافرين بالله -تعالى- فسيلقى مصيره ذاته، ولكنّ من هذه حاله يكون غارق في الظلم، والتكبّر، والعناد فلا يعتبر -والعياذ بالله-.
إثبات قدرة الله على البعث
بعد الحديث عن قصة موسى وضرورة الاعتبار بما حصل مع فرعون وقومه، تأتي الآيات لتُبيّن قدرة الله -عزّ وجلّ- على البعث من خلال إظهار جوانب من قدرته الباهرة على الخلق، قال -تعالى-: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا* رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا* وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا* وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا* أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا* وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا* مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}.
يُخاطب الله -تعالى- في هذه الآيات الكفّار الذين يستغربون من قدرة الله -تعالى- على إعادة أحيائهم، فيقول لهم إنّ خلقهم ليس بأصعب من خلق السماء ورفعها وجعلها متماسكة، وقد جعل فيها النجوم والكواكب ووضع كل شيء بانتظام، وجعل الليل مظلمًا، والنهار مضيئًا بارزًا.
وجعل الأرض منبسطة وهيّأها ليسكن فيها العباد وينتقلون من مكانٍ لآخر، وأخرج منها أنهارًا ونباتًا تأكل منه البهائم وينتفع به جميع الخلائق، وأرسى الجبال؛ أي ثبّتها وجعلها كالدعائم للأرض لئلّا تهتز وتضطرب، وجميع هذا من أجل إمتاع الخلق وأنعامهم وتهيئة أسباب الحياة لهم.
جزاء فريقي الناس في الآخرة
بعد بيان جوانب من قدرة الله -تعالى- في خلقه يُبيّن لعباده -سبحانه- كيف سيكون حالهم في الآخرة، قال -تعالى-: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ* يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ* وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ* فَأَمَّا مَن طَغَىٰ* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ}.
ومعنى الطامة؛ أي الحادثة التي تطم ما سواها وتعلو عليها، وقيل إنّها النفخة الثانية، وقيل إنّها عندما يُساق أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، وفي تلك الأثناء يتذكّر الإنسان ما قدّمه في الدنيا من خيرٍ وشرّ.
وفي هذه الأثناء يُكشف عن نار جهنم فتظهر للناظرين، فمن كان كافرًا بربّه في الدنيا وفضّل الحياة الدنيا على الآخرة فإنّ النار ستكون مأواه ومسكنه، أمّا من آمن بربّه وكان في قلبه خوفٌ وخشية منه فانتهى عن المعاصي التي قد يميل هواه إليها، فإنّ الجنة ستكون مأواه ومنزله في الآخرة.
ميقات الساعة
خُتمت سورة النازعات بالحديث عن ميقات الساعة، وأنّ الله -تعالى- وحده من يعلم ميقاتها، وفيما يأتي توضيح لمعنى الآيات التي تحدّثت في هذا السياق:
- قوله -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}
- أي متى سيحين موعدها ويكون وقتها.
- قوله تعالى-: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا}
- أي إنّها من الغيوب التي ليس لك علم بها.
- قوله -تعالى-: {إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا}
- أي إنّ علم وقتها هو خاص بالله -تعالى-.
- قوله -تعالى-: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا}
- أي إنّ مهمتك هي إنذار من يخشى قيام الساعة ويخاف عذاب الله، ولم يوكل إليك معرفة وقتها.
- قوله -تعالى-: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}
- كأنّ هؤلاء المكذّبين عندما تقوم الساعة لم يعيشوا في الدنيا أو لم يلبثوا في قبورهم إلّا مقدار عشية أو ضحاها.