شرح حديث إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق
شرح حديث إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
من الأحاديث النبوية المشهورة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث: (إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ)، حيث جاءت رسالة الإسلام التي حملها النبي -عليه أفضل الصلاة والسلام- تتمة لما قبلها من الرسالات، ومكملةً لما سبقها من الأخلاق، ولم تكن شريعته تشريعات وأنظمة وأخلاق مفصولة عما سبقها؛ بل كانت بناء يكتمل ببعضه البعض، وقد أثنى الله -تعالى- على خُلقِ الأنبياء جميعاً فقال -عزّ من قائل-: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ).
أخلاق العرب الحسنة قبل الإسلام
كان العرب قديماً يتصفون بخصالٍ حميدة كثيرة، ويثنون على من يتصف بالأخلاق العالية، فكانوا يمتازون بالكرم، والشجاعة، والصدق، والأمانة، وإغاثة الملهوف، وإجارة المستجير بهم، لذا لم يأتِ النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يُبعث إلا ليُكمل هذا البناء العظيم من الأخلاق الحميدة؛ فيُهذّب ما شذّ عنها، ويزيل ما كان منها سيئاً، ويضيف إليها حُسناً فوق حُسنها.
لقد كانت أخلاق العرب فطرة فيهم؛ فهم في طبعهم وطبيعتهم يحبون الخير ويمقتون الشر، أهل مروءة وشهامة؛ ولهذا بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- من بينهم،لأن فيهم الخير الكثير والبيئة الخصبة لدعوة الإسلام.
إكمال الإسلام النقائص التي في أخلاق العرب
لم تكن الأخلاق في الإسلام أمراً عابراً أو من الكماليات التي لو لم يهتم بها المسلم لم يعبه ذلك، بل على العكس تماماً؛ فما يبلغه المسلم بحسن خُلقه قد يصل لدرجة العابد والصائم القائم لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِن شيءٍ يوضَعُ في الميزانِ أثقلُ من حُسنِ الخلقِ، وإنَّ صاحبَ حُسنِ الخلقِ ليبلُغُ بِهِ درجةَ صاحبِ الصَّومِ والصَّلاةِ)، وكان -عليه الصلاة والسلام- قدوة للمسلمين في ذلك؛ فقد كان على أعظم خُلق، وكان لقبه قبل الرسالة الصادق الأمين حتى أثنى الله -تعالى- عليه فقال -عز وجل-: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
وكان من الصفات التي غيرها الإسلام بالعرب في عصر الجاهلية وأبدلها بأخلاق حميدة؛ تفاخرهم أنهم أصحاب البيت -مكة المكرمة- وولاته، وأنهم أفضل من الناس في ذلك، فأبدل الإسلام هذا الأمر بأن جعل هذه المهمات تكليف وليست تشريف، وأن المسلم يبتغي في ذلك الأجر والثواب من الله -تعالى-؛ فقد ذكر الله -تعالى- فعلهم ذلك بقوله: (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِرًا تَهْجُرُونَ).
ومن الأخلاق التي غيرها الإسلام التكبر واحتقار الفقير، وأبدلهم الله -تعالى- بخُلق التواضع الذي يرفع صاحبه عند الله -تعالى-، وأنه لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى والإيمان، وكانوا كذلك يأدون البنات -أي يدفنوهن أحياء- خوفاً من العار، فجاء الإسلام مكرماً لهن معظماً لمن أحسن تربيتهن ومعاملتهن، ومحذراً من الإساءة إليهن، وغيرها من الأخلاق التي بدلها الإسلام لتكوين منظومة أخلاقية مميزة.
ما يستفاد من الحديث
يتضمن الحديث الشريف الكثير من الفوائد، نذكر منها الفوائد الآتية:
- جاء النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكمل ويتمم ما بناه الأنبياء والرسل من قبله من أخلاق عظيمة.
- جاء الإسلام ليزيح أي خُلق سيء كان في الجاهلية، ويبني مكانه خُلق حسن، ويحافظ على كل خُلق حسن كان عند العرب قبل الإسلام.
- الأخلاق أمر عظيم عن المسلمين، وميزان يرفع المسلم إلى أعظم درجات الجنان، وينال بها رضى الله -تعالى-.
- من الأخلاق الحسنة عند العرب قديماً؛ الكرم والصدق والأمانة، وأيضاً العزة وإغاثة الملهوف ونصرته، وكره الظلم.
- ومن الأخلاق التي أبدلها الإسلام وهذبها؛ التفاخر بالأنساب، واحتقار الضعفاء والفقراء، ووأد البنات.
حث الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الأخلاق الحميدة، وأكد على أنه جاء ليتمم هذا البناء العظيم من الأخلاق؛ سواءً الأخلاق التي حث عليها الأنبياء الذين سبقوه -عليهم الصلاة والسلام-، أو تلك التي بقي العرب مُحتفظين بآثارها متمسكين بها، ورافعين قدر من التزم بها.