شرح حديث (النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني)
نص الحديث
ثبت في صحيح مسلم نص هذا الحديث، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: (أنَّ نَفَرًا مِن أَصْحَابِ النبيِّ سَأَلُوا أَزْوَاجَه عن عَمَلِهِ في السِّرِّ؟، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقالَ بَعْضُهُمْ: لا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقالَ بَعْضُهُمْ: لا أَنَامُ علَى فِرَاشٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه، فَقالَ: ما بَالُ أَقْوَامٍ قالوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي).
شرح الحديث
جاء في هذا الحديث أن ثلاثة رجال جاؤوا إلى أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- ليسألوا عن عمله في حال السر؛ وذلك لأن عمل رسول الله إما أن يكون ظاهراً أمام الصحابة، وإما أن يكون مخفيًا في بيته؛ لذلك جاؤوا إلى أزواجه ليسألوا عن حاله.
ويُعدُّ سؤالهم هذا من باب حرصهم على الاستزادة من فعل الخير، فكان من جملة ما قاله أحدهم أنه لا يتزوج النساء؛ وذلك ظنٍّا منه أن الزواج ملهٍ عن أعمال الآخرة، إلا أنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- أجابه بأنه يتزوج النساء، ومن رغب عن سُنَّة الزواج فليس منه.
وأيضاً في هذا الحديث نهي عن الانقطاع عن النكاح أو عدم الزواج من غير سبب شرعي؛ فقد قال عثمان بن مظعون: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا عن التبتل، ولو أُذن لنا لاختصينا".
معنى (فمن رغب عن سُّنتي فليس مني)
يقول العلماء في معنى قوله -عليه الصلاة والسلام-: (فمن رغب عن سُنتي فليس منَّي)، أي من مَالَ عن طريقتي ومنهجي فهو بعيد كل البعد عني؛وذلك لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعيد كل البعد عن التشدُّد في أمور الدين، أو تحميل النفس ما لا تُطيق كما يُريد هؤلاء النفر من الصحابة.
والدِّين الإسلامي قائم على الوسطية والاعتدال ، فلا إفراط ولا تفريط في الدِّين، فقد قال الصادق المصدوق: (إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا).
وفي هذا الحديث أيضاً بيانٌ لحرص الصحابة -رضوان الله عليهم- للاستزادة من فعل الخير، ومحبة متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل أموره حتى في حال عبادته في السر، لذا يجب على الإنسان اتباع سُنة النبي -عليه الصلاة والسَّلام- قولاً وفعلًا، وأن يجعل سنة نبيه منهج حياته؛ لأن ذلك يقوده إلى النجاح في الدُّنيا والفلاح في الآخرة.
الحكمة من النكاح في الإسلام
يعدُّ الزواج سُنةً من سُنن الله -تعالى- على هذه الأرض، إذ بالزواج تدوم الحياة البشرية، ويستمر وجود نسل الإنسان على هذه الأرض التي أمرنا الله -تعالى-بعمارتها، والزواج سبيل لعمارتها، وسبيل لتعارف الناس وتبادل ثقافاتهم.
يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبيرٌ)، كما في الزواج إحصانٌ للفروج وتطهيرٌ للأنفس، وتطبيق لسُنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث ثبت عنه أنه قال: (لِيَتَّخِذْ أحدُكم قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكِرًا، وزوجةً مؤمنةً تُعِينُهُ علَى أمرِ الآخرَةِ).