زهد معاذ وكرمه
زهد معاذ بن جبل
اتَّصف مُعاذ بن جبل -رضي الله عنه- بالزُّهد، فلمَّا حضرته الوفاة قال إنَّه لم يكُن يُحبُّ الدُّنيا لما فيها من الأنهار والأشجار، ولكنَّه أحبها لمُنافسة العُلماء في العلم، وكثرة العِبادة، كما ورد عنه عند وفاته أنَّه قال: "أعوذ بالله من ليلةٍ صباحها إلى النَّار"، وكان يرجو الله أن يرحمه، ثُمَّ بكى، فسأله النَّاس عن سبب بُكائه، فأخبرهم وقال لهم: ما أبكي جزعاً من الموت إن حلَّ بي، ولا دنيا تركتها بعدي، ولكن إنَّما هي القبضتان، فلا أدري من أي القبضتين أنا.
وظهر زُهدهُ في الحياة بابتعاده عن البُخل، وعن التعلُّق بالدُّنيا، وامتلاء قلبه بالإيمان والمحبة لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد جعل الدُّنيا في يده وليس في قلبه، وأراد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ذات يومٍ أن يختبره، فبعث له بِصُرَّةٍ فيها أربعمئة دينارٍ، فوزَّعها على الفُقراء والمساكين، وأبقى له ديناران بعد أن أخبرته زوجتهُ أنَّهم مساكين، وفي يومٍ من الأيام كان عليه دينٌ، فلبث في بيته لحين طلب غُرمائه له، فبعث النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلام- في طلبه، وأحضر غُرماءه، وطلب منهم أن يتصدَّقوا عليه، فتصدَّق بعضهم، ورفض آخرون، فبعثه النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلام- إلى اليمن ليقضي ما عليه من دين.
كرم معاذ بن جبل
تُعدُّ صفة الكرم من الصِّفات اللازمة لِصفة الزُّهد، فقد كان مُعاذ -رضي الله عنه- كريماً جواداً، واتَّصف بهذه الصِّفة؛ لشدَّة محبته لله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، مع أنَّه نشأ في بيت زوج أُمِّه الجد بن قيس المشهور بالبُخل، وقال عنه كعب بن مالك : من شدَّه كرمه ما كان يُسأل شيئاً إلَّا أعطاه حتى استدان ديناً استغرق جميع ماله.
تعريف بالصَّحابي معاذ بن جبل
هو مُعاذ بن جبل بن عمرو بن أوس من الخزرج الأنصاريِّ، أسلم في صغره، وهو أعلم الأُمَّة بالحلال والحرام، وشهد جميع الغزوات مع النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-، وبعثه النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلام- بعد غزوة تبوك إلى اليمن؛ ليكون لهم قاضياً ومُعلِّماً، وخرج مع أبي عُبيدة -رضي الله عنه- في غزو الشَّام، وتولى القيادة بعد وفاته، ويُكنى بأبي عبد الرحمن، وشهد بيعة العقبة ، وآخى النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلام- بينه وبين عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهُما-، وجاء عن ابن إسحاق أنَّه تآخى مع جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وقال الواقدي عنه: كان طويلاً، حسن الشَّعر، كبير العينين، أبيضاً، لم يولد له، وقيل: إنَّه ولد له عبد الرحمن، وتُوفي مُعاذ -رضي الله عنه- في السَّنة الثَّامنة عشر للهجرة، ودُفن في الأغوار.