روافد المنهج البنيوي
روافد المنهج البنيوي
اجتمعت عدّة أسباب ساعدت على ظهور البنيوية، كما كان هناك رافدان ساهما في تشكيل البنيوية هما الرافد الفكري والفلسفي والرافد اللغوي، ويأتي تفصيل ذلك على النحو الآتي:
الرافد الفكري والفلسفي
تعود جذور البنيوية إلى فلسفة (أوغست كونت) الوضعيّة ، والتي لا تُؤمن إلّا بالتحليل المادي الذي لا يُؤمن إلّا بالظواهر الحسية والمنهج التجريبي، والبنيوية تؤمن بأنّ الظاهرة المدروسة بُنية مُنفصلة عن الأسباب والعِلل، ويُمكن دراستها وتحليلها إلى أجزائها الأولية لفهمها وإدراكها.
ولفلسفة الفيلسوف الألماني (كانط) دورٌ بارز في البنيوية وخاصةً مقولته التي يقول فيها بأنّ الإنسان يملك قوىً عقليّة يخفي بواستطها النظام في العالم، والبنيوية في حقيقتها قامت على الفلسفة الظاهراتية التي ترفض التفسير الميتافيزيقي (الغيبي) للظواهر والتركيز على الظواهر المادية.
تأثرت البنيوية بنزعة العقل الأوروبي إلى علمنة الإنسانيّات كالأدب والفنون (جعلها علوم لها قواعد وضوابط ) إبان انتصار الثورة الفرنسيّة على النظام الملكي وتنحّية النظام الكنسي والإعلاء من شأن العلوم المادية، كما أنّ العقل الأوروبي ثار على التقاليد والموروث وراح يبحث عن الجديد في كلّ المناحي ومن بينها الفكر، والنقد، وإيجاد المناهج الجديدة التي تُعارض المناهج المُتّبعة.
كما تأثّرت البنيوية بأفكار علم الأنثرولوجيا (علم الاجتماع الإنساني) والتي عدّت المُجتمع قائماً بذاته مُنفصلاً عن أفراده، وأنّ الحقائق الاجتماعية كلٌّ يتألّف من أجزاء.
الرافد اللغوي
يتمثّل هذا الرافد بجهود لغويين ومذاهب لغوية، ولعلّ أبرز ذلك ما يأتي:
جهود دي سوسير اللسانية
ساهمت الأفكار اللسانية لعالم اللغويات فرديان دي سوسير والذي يُعدُّ الأب المُؤسس للمذهب البنيوي اللغوي ونظرته للغة على أنّها نظام مُتكامل من الإشارات، وهي أساس البنيوية اللغوية التي درست اللغة على أنّها نظام قائم بحدّ ذاته لا يحتاج إلى ما يُفسّره من الخارج لا كمُؤثرات اجتماعية ولا غيرها.
نُشرت أفكاره في كتابه مُحاضرات في اللسانيات العامّة و كان كتابه نفسه قائماً على التحليل البنيوي، حيث قسّم الأفكار فيه إلى ثُنائيات لعلَّ أهم ما أثّر في تكوّن المذهب البنيوي ثُنائية التزامُن والتعاقُب، فالبنيويّة تبنّت النظرة التزامُنيّة للدراسة الأدبيّة وأهملت النظرة التاريخيّة، كما رأى دي سوسير أنّ دراسة تطوّر الكلمة لا يُفيد في معرفة معناها الحالي وعليه تدرس الكلمة وفق زمانها دون النظر إلى زمنيّتها.
المدرسة الشكلانية الروسية
انطلقت المدرسة الشكلانيّة الروسيّة من عدّة مُنطلقات، فهم نظروا إلى النص على أنّه مُتكامل لا يحتاج إلى ما يُفسّره من الخارج مع ضرورة التركيز على العلاقات الداخليّة للنص، وقد حصرت الدراسة التاريخية للأدب بما أسمته أدبيّة الأديب وهي الأساليب التي يستخدمها الأديب لتشكيل الأدب، وهمّشت العوامل الخارجيّة للنص كالتاريخ والجغرافيا والأديب ذاته ومُجتمعه، وقد تبنت البنيويّة هذه المُنطلقات وقامت بالتنظير لها مع التطبيق.
مدرسة النقد الجديد في أمريكا
يتمثل ذلك بأقوال أعلام مدرسة النقد الجديد وآرائهم، فعزرا باوند يرى أنّ الشعر نوعٌ من الرياضيات الفنيّة وهو ما تمثّلته البنيوية باستخدام الرسوم البيانية وغيرها والمُستمدة من علم الرياضيات، وهيوم رفض الموضوع الشعري والتركيز على القصيدة وهو ما طبّقته البنيوية في نقدها الأدبي.
يرى جون كروانوم أنّ الشعر يستحقّ الدراسة لأنّه شعر وليس لأمر آخر، والبنيويّة تمثّلت ذلك في تهميشها للعوامل الخارجيّة عن الأدب والتركيز على بُنية القصيدة الداخلية.