دروس من الهجرة
دروس من الهجرة النبوية الشريفة
تعتبر الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة الحدث المفصلي الأعظم في التاريخ الإسلامي، وذلك لما لها من الأثر العظيم في نهضة الأمة الإسلامية، وتأسيس الدولة التي امتدت لقرون طويلة، وهناك العديد من الدروس والعبر التي يمكن استنباطها من الهجرة النبوية؛ وذلك لأهميتها العظيمة، وأحداثها، ووقائعها العديدة والمتنوعة، وفيما يأتي ذكر أهمّها:
ترك السيئات والمعاصي
إنّ الهجرة بمعناها الشرعي الواسع ليست هجرة من منطقةٍ جغرافيةٍ محدودةٍ إلى منطقةٍ جغرافيةٍ أخرى، بل تتضمّن ترك السيّئات والمعاصي، والإقلاع عنها، و الإقبال على الله -تعالى-، والأنس بجواره، وليس هناك أجمل من السّعي لنيل رضا الله -تعالى-، وطلب نعيمه الأُخرويّ الذي لا ينضب.
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا المعنى: (المُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللهُ عنْه)، ومَن هجَر شيئاً يحبّه من الذنوب لوجه الله -تعالى- عوّضه بخيرٍ منه، وقال الحبيب المصطفى أيضاً: (الْعِبادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ)، أي إنّ عبادة الله في وقت الفتن والشدائد كالهجرة إلى النبي.
التوكل على الله تعالى وحده
الهجرة النبوية الشريفة ليست بالرّحلة الهيّنة، ذلك أن الرسول الأكرم -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من المسلمين كانوا ملاحقين من قريش كلها، ولولا فضل الله -تعالى- عليهم ورحمته بهم لَما نجحت الهجرة، ولَما استطاع المسلمون تأسيس تلك الدولة العظيمة.
ولا شك أن المسلمين في تلك الأثناء كانت قلوبهم معلَّقةً به -سبحانه وتعالى- وحده، وهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنما يدلّ على أن التوكُّل على الله -تعالى- هو سبيل النجاة الأساسي، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ* الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
الأخذ بالأسباب
لا شكّ أنّ الأخذ بالأسباب بعد التوكّل على الله من أهمّ أسباب النّصر والحصول على المراد، وقد كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في هجرته يأخذ بكافة الأسباب الممكنة، ويتعلّم المسلم من ذلك أهميّة الأخذ بالأسباب وعدم التواكل والقعود، ويظهر ذلك في هجرة النبيّ بالعديد من الصّور، وأهمّها:
- ذهاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى صاحبه أبي بكر يُعلمه بالتجهيز للهجرة بعد أن أذِن الله له بذلك.
- مبيت عبد الله بن أبي بكر عند النبيّ وأبي بكر، وذهابه في الصباح لمكّة حتى يأتي لهما بالأخبار، وقيامه برعي الغنم في الطريق لإخفاء آثار النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر -رضي الله عنه-.
- قيام النبيّ -صلى الله عليه وسلم- باستئجار عبد الله بن أريقط صاحب الخبرة في الطرقات ليدلّ النبيّ وصاحبه على الطرق المختصرة التي لا يسلكها الناس عادةً.
الصبر عند الشدائد
لاقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الشدائد في الهجرة النبوية، ولكنه ثبت وصبر واحتسب أجره عند الله -تعالى-، ولم يكن قلبه إلا ممتلئاً على الدوام باليقين المطلق بأن فرج الله -تعالى- آتٍ لا محالة، وبالفعل فقد مكَّن له الله، ونصره نصراً مؤزراً، وبلغ صيته الآفاق، ولا يزال إلى يومنا هذا أعظم إنسان عرفته الإنسانية، ولا تزال الهجرة حدثاً تاريخياً عظيماً يُستحال أن تُنسى.
أهميّة الصحبة الصالحة
إنّ الصديق الصالح من أهمّ ما يُعين المسلم على الشدائد، ويظهر ذلك في صحبة أبي بكر -رضي الله عنه- للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة، فقد بكى أبو بكر فرحاً عندما علم أنّه سيصاحب النبيّ في هجرته، وكانا خير سندٍ ومعينٍ لبعضهما في الهجرة، وقد ضرب الصدِّيق -رضي الله عنه- أروع الأمثلة في التضحية والفداء في سبيل الحفاظ على حياة النبيّ الكريم.