خطبة عن مبطلات الصيام
مقدمة الخطبة
الحمد الله الذي فرض على عباده المؤمنين الصوم، وجعله موقوتاً بشهر كريم، وجعل فيه ليلة القدر خيراً من ألف شهر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وله الخلق والأمر، وله العز والقهر، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، الشافع المشفع يوم البعث والحساب، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
الوصية بالتقوى
عباد الله، أوصيكم ونفسي المُقصرة بتقوى الله ولُزوم طاعته، وأُحذركم ونفسي من مُخالفته وعصيان أوامره، لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ).
الخطبة الأولى
أيُها المُسلمون، فرض الله -تعالى- عليكم صيام شهر رمضان ويُعرف الصيام بأنه الإمساك وفي الشرع هو الإمساك عن جميع المُفطرات من طُلوع الفجر الثاني إلى غُروب الشمس، لقوله -تعالى-: (وكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)، وهذه المُفطرات تُسمّى بمبطلات أو مُفسدات الصيام.
وهذه المُفطرات يجب على الصائم الابتعاد عنها؛ لأنها تُبطل صيامه وتُفسده، وهي: جميع ما يصل إلى الجوف من أي موضعٍ كان، كالأكل أو الشُرب عمداً، وأمّا من أكل أو شرب ناسياً فلا شيء عليه ويبقى صائماً ويكون معذوراً بنسيانه، لقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (مَن أكَلَ ناسِيًا وهو صائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فإنَّما أطْعَمَهُ اللَّهُ وسَقاهُ).
ومن الأشياء التي تُبطل الصيام عن طريق وصولها إلى الجوف؛ كالأدوية التي يبتعلها الصائم أو تُحقن فيه، وكذلك الإبر المُغذية، والإبر التي تُعطى في الوريد؛ لاختلاطها بالدم.
ومن المُفطرات أيضاً؛ القيء عمداً، ولكن من غلبه القيء فلا شيء ولا قضاء عليه، لقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (مَنْ ذرعَه القيءُ فليسَ عليهِ قضاءٌ، ومَنْ استقاءَ عمدًا فليقضِ).
واتفق الفُقهاء على أن الحيض والنفاس من مُبطلات الصيام، فإذا حاضت المرأة أو نفست في أي وقتٍ خلال النهار، سواءً في أوله أو آخره، فيبطُل صيامُها، ويجب عليها الإفطار والقضاء بعد ذلك.
ومن المُفطرات أيضاً: الجِماع، فمن جامع زوجته في نهار رمضان مُتعمّداً بطل صومه، ووجب عليه القضاء والكفارة، وأمّا من فعل ذلك ناسياً فلا شيء عليه، وألحقه العُلماء بمن أكل أو شرب ناسياً.
ومن المُفطرات أيضاً، ما وصل إلى الجوف من الطعام عن طريق الأنف، وهو ما يُسمّى بالسّعوط؛ لأن ذلك مُخالفُ لمقاصد الصيام من الجوع، والخُشوع لله -تعالى-، والإقبال عليه، والبُعد عن معصيته.
وأمّا ما دخل إلى الجسم عن طريق الحقن، كإدخال الدواء عن طريق الدُبر فهو ليس مما يُبطل الصيام، وكذلك الإبر المُسكنة وإبر الأنسولين؛ لأنها ليست مما يُؤكل أو يُشرب، ومما يُبطل الصيام أيضاً إنزال المني عمداً سواءً بالمُباشرة أو بالنظر المُحرم.
وبارك الله لي ولكم في الكتاب والسُّنّة، ونفعني وإيَّاكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كُلِّ ذنب فاستغفروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشُّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، الدّاعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه، وسلِّم تسليماً كثيراً، أمَّا بعد.
عباد الله، اعلموا أن هُناك بعض الأمور التي تعددت آراء الفُقهاء فيها من حيث الفطر وعدمه، كالحُجامة، والأولى بالصائم أن يبتعد حال صيامه عن كُل ما قد يؤدي به إلى الفطر أو تعددت آراء العُلماء فيه بين الفطر وعدمه، ويؤجل كُل ذلك إلى الليل أو إلى حين الانتهاء من صيامه.
عباد الله، اعلموا أن شهر رمضان من أفضل الشهور عند الله -تعالى- ويجب علينا أن نبتعد عن كل ما يُبطل صيامنا أو يؤدي إلى نقصانٍ في الأجر والثواب، ويجب علينا الإقبال على الله -تعالى- بالطاعات والبركات وقراءة القرآن وقيام الليل والدعاء والإكثار من ذكر الله والصدقات والخيرات.
وصل الله على سيدنا مُحمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.
الدعاء
- اللَّهمّ اجعلنا ممن قبِلتَ صيامه، ومحوت عنه أوزاره وآثامَه، وأصلحت قلبه فاستعَدَّ لما أمامَه، اللهم آتنا في الدُنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
- اللهم إنّا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كُل بر، والفوز بالجنة والنجاة من النار يا عزيز يا غفار.
- اللهم إنّك عفوٌ تُحب العفو فاعف عنا، ودبر لنا، ويسر لنا أُمورنا.
سُبحان ربك رب العزة عمّا يصفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمد لله رب العالمين.