حكم لعبة الشطرنج
اللهو المباح في الإسلام
شرع الله -عزّ وجلّ- في الإسلام ما يلبّي حاجات الإنسان جميعها، ومن ذلك حاجات الروح وحاجات الجسد، وفي ذلك يتّضح جمال الإسلام، وأنّه دين وسطيّة واعتدال وسماحة ويسر، حيث قال الله -تعالى- في القرآن الكريم: (وابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)، والله -تعالى- خلق الناس وفطرهم على محبّة الترّويح عن النّفس وجعل ما يُشبعها ويرضيها، فأجاز للمسلم أن يتخذ لنفسه وقتاً في الترفيه واللهو، وسنّ الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- في سنّته الكثير من الأمثلة على ذلك، إلّا أنّ الله -تعالى- جعل للترفية واللهو ضوابطاً وشروطاً ليكون ممدوحاً مقبولاً عائداً بالنفع على الإنسان وليس جالباً لسخط الله ومضرّة الإنسان.
إنّ الغاية من إباحة اللهو بضوابطه أن يتقوّى الإنسان على الطاعة ، ويجدّد به عزيمته في السير وفق ما يرضي الله تعالى،، وفيما يأتي بيان الضوابط الشرعيّة المبيحة للهو:
- أن يكون اللهو مُباحاً في نفسه.
- ألّا يشتمل على شيء من المحرّمات؛ كالقمار والغش والاختلاط.
- ألّا يشغل وقت الإنسان كلّه، فيكون فيه تضييعاً للعمر والوقت.
- ألّا يتسبّب بترك الواجبات أو التقصير فيها.
حُكم لعبة الشطرنج
اتفق العلماء على حُرمة لعبة الشطرنج وغيرها من الألعاب إذا كانت مشتملة على شيء محرّم؛ كالغش والكذب والكلام الفاحش والظلم وغير ذلك من المحرّمات، وكذلك إذا كانت مُلهية ومتسببة في التقصير بأحد الواجبات؛ كالصلاة وبرّ الوالدين وصلة الرحم والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، لكنّهم اختلفوا في حُكمها إذا لم تشتمل على محرّم ولم تُلهي عن واجب.
ذهب جمهور العلماء إلى تحريم اللعب بالشطرنج حتى وإن لم يشتمل على محرّم أو ألهت عن واجب، واستدلّوا لذلك بعدد من الأدلّة؛ منها: قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ)، ووجه الدلالة في الآية أنّ الله -عزّ وجلّ- حرّم النرد والشطرنج سواءً أكانت بقمار أو دون قِمار؛ لأنّه أخبر عن وجه تحريم الخمر بسبب إيقاعها للعداوة والبغضاء بين المسلمين وصدّها عن ذكر الله -عزّ وجلّ- وعن الصلاة، فكلّ ما كان ذلك شأنه سواءً أكان أثره قليلاً أم كثيراً كان مشابهاً للخمر وداخلاً في حكم التحريم.
وأمّا الحنفيّة والشافعيّة والمالكية في أحد أقوالها فذهبوا إلى كراهة لعبة الشطرنج دون حرمتها، وذهب أبو يوسف إلى إباحتها مطلقاً، وذلك كما قال لِما فيها من إعمال للعقل وتذكية للأفهام، كما أنّ الأصل في الأشياء الإباحة إلّا إذا كان هناك دليل على الحرمة، ولم يرد نصّ في حرمة الشطرنج أو في معنى ذلك.
أقسام الألعاب من حيث حُكمها
تقسّم الألعاب من حيث حُكمها إلى قسمين رئيسين؛ هما: الأوّل منهما ما كان مُعيناً على الجهاد في سبيل الله تعالى، سواءً أكان ذلك جهاداً باليد أو بالعلم والفكر، وحُكم ذلك الاستحباب، ولمَن لعبها أجر من الله -عزّ وجلّ- إن أخلص نيّته وحسّنها، ومثلُها الرمي والسّباحة وما كان فيه إعمال للعقل وتنمية للمهارات الفكريّة والذهنية وزيادة في المعرفة الشرعيّة والعلميّة من الألعاب أيضاً، أمّا القسم الثاني من الألعاب فهي ما لم يكن فيها إعانةً على الجهاد في سبيل الله ، وهذه إمّا أن تكون ممّا نهى الشرع عنه، فيلزم المسلم أن يجتنب اللعب بها، ومنها ما سكت الشرع عنه فلم ينصّ على حُكمه صراحة، وحينها يُنظر في اللعبة فإن كانت مشتملة على الحرام كالقِمار، أو كانت تفضي إلى نزاعات بين اللاعبين، فاللازم ترك اللعب بها، وأمّا إن كانت خالية من الحرام ككرة القدم والتنس وما إلى ذلك جاز اللعب بها على ألّا تشمل حراماً ولا تستغرق كثيراً من وقت الإنسان ولا تصدّ عن ذكر الله أو أبواب الخير الأخرى.
أمثلة على اللهو المباح من حياة الرسول
ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عدد من المواقف والقصص التي تدلّ على حرصه على الترويح عن نفسه وأهله باللهو المباح، منها:
- ورد أنّ السيدة عائشة -رضي الله عنها- وقفت مرّةً على باب حجرتها تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بالمسجد بحرابهم، فكان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يقف إلى جانبها ويسترها بردائه الشريف، حيث روى البخاري عن السيدة عائشة قولها في ذلك: (رأيتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يوماً على بابِ حُجرَتي والحبشَةُ يَلعَبونَ في المسجدِ، ورسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يستُرُني برِدائِه، أنظُرُ إلى لَعِبِهم).
- ورد أنّ أبا بكر -رضي الله عنه- دخل مرةً في أيام العيد على عائشة -رضي الله عنها- فوجد عندها جاريتان تغنيان، وكان رسول لله -صلّى الله عليه وسلّم- مغطّى بثوبه، فلمّا رأى أبو بكر الجاريتان تغنيان نهر السيدة عائشة، إلّا أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- نهاه عن ذلك وقال له: (دعْهُما يا أبا بكرٍ، فإنها أيامُ عيدٍ).
- ورد في صحيح الحديث أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يسابق السيدة عائشة، حيث روت عائشة -رضي الله عنها- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّها كانت معه في سفر وقالت: (فسابقتُهُ فسبقتُهُ على رجليَّ، فلمَّا حَملتُ اللَّحمَ سابقتُهُ فسبقَني فقالَ: هذِهِ بتلكَ السَّبقةِ).