حكم الصلاة في مكان فيه صور
حكم الصّلاة في مكان فيه صور
اتّفَقَت المذاهبُ الأربعة على كَراهَةِ الصّلاةِ في مكانٍ فيه صور؛ وذلكَ إذا كانتِ الصّورُ بينَ يديّ المُصلّي بحيث تُشغِلُهُ عَن الصّلاة، سواءً كانت صورة حيوانٍ أو ما شابهه، وفي ذلك تفصيلٌ بسيطٌ بين الفقهاءِ نذكره فيما يأتي:
- المالكيّةِ والشافعيّةِ : إذا لم تُشغِلهُ عن الصّلاة تسقطُ كراهيتها.
- الحنفيّة: تكونُ الصّلاةُ إلى صورةِ الحيوانِ مكروهة مُطلَقاً وفي أيِّ جهةٍ كانت، أما إذا كانت الصورة صغيرة جداً كالتي على الدرهم فلا تُكره الصلاة بسببها، وكذلك الصورة الكبيرة المقطوعة الرأس، أما إذا كانت الصورة شجرة؛ فإذا لم تشغل المصلّي في صلاته فلا تُكره أيضاً.
- الحنابلةِ: يقولونَ بكراهيتها إذا كانتِ الصّورةُ منصوبةً أمامهُ، ولو كانت صغيرة، بخلافِ ما إذا كانت غير منصوبة أمام المصلّي.
ويستند دليل الكراهةِ إلى أحاديث عدّة رُفِعت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ الحديث الأول من حادثة ترويها أمُّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن ثوبٍ كان لها وعليه تصاويرٌ، وصلّى إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات مرّة -أيّ صلى والثوب مبسوط أمامه-، فلمّا انتهى قال لها: (أَخِّرِيهِ عَنِّي قالَتْ: فأخَّرْتُهُ فَجَعَلْتُهُ وَسَائِدَ)، وقيلَ في حادثةٍ مشابهةٍ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لها: (أمِيطِي عَنِّي، فإنَّه لا تَزالُ تَصاوِيرُهُ تَعْرِضُ لي في صَلاتِي)، وقال بعض العلماءُ إنّ سببَ الكراهةِ هو كونُ الصّور قَد تُعبَدُ مِن دونِ اللهِ -تعالى-، ولأنّها تُشتّتُ المُصلّي عن التّركيزِ في صلاتهِ .
فمعضِلَة الصّور الأساسية هي الإلهَاءُ عنِ الصّلاةِ، ويؤيّد ذلك ما ذهب إليه الفقهاء بحادثةٍ أخرى وقعت في عَهدِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- عن صحابيٍّ أهدى خميصةً -ثوبٌ يصنعُ مِنَ الحريرِ ويخلطُ فيه وبرٌ أو صوفٌ، ويكون لها خيوط سوداء وألوان مزخرفة-، فصلّى رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- والخميصةُ أمامه، فلمّا انتهى أَمَرَ بإعادتهِ إلى الصاحبيَ الذي أهداه إياه واستبداله بشيءٍ آخر، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (اذْهَبُوا بخَمِيصَتي هذِه إلى أبِي جَهْمٍ وأْتُونِي بأَنْبِجَانِيَّةِ أبِي جَهْمٍ، فإنَّهَا ألْهَتْنِي آنِفًا عن صَلَاتي). وقال فيها أيضاً: (كُنْتُ أنْظُرُ إلى عَلَمِهَا، وأَنَا في الصَّلَاةِ فأخَافُ أنْ تَفْتِنَنِي). وينبني على كراهة الصّلاة في مكان فيه صورة عدة أمور، نذكرها فيما يأتي:
- أولاً: لا تُبطِلُ الصّلاةَ ولا تَجِبُ الإعادة؛ فإن حَصَلَ وصلّى المُسلِمُ فِي مكانٍ فيهِ صورةٌ؛ فإنّ صلاتهُ لا تَفْسُدُ ولا يَجِبُ عليهِ إعادَتُها، إذ لم تدل الأحاديثُ المذكورةُ سابقاً على أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَد أعاد الصّلاةَ أو حَكَمَ بِبطلانِها.
- ثانياً: لا تأخذُ الصّلاةُ حُكمَ الكراهةِ إذا لَمْ تَشغَلهُ الصّورُ عنها؛ أيّ أنّ المصلّي لو صلّى في مكانٍ فيه صور ولَمْ يتشتت أو ينشغل بها عن صلاتِه، فإنّ صلاتهُ تبقى على صِحَتِها، ولا تُكرَهُ حتّى، إلّا عندَ الحنفيّة والحنابلة كما ذكرنا سابقاً، إذ يقولونَ بِكراهِيتِها حالاتٍ معيّنة.
- ثالثاً: هناك حالاتٌ تجوزُ فِيها الصّلاةُ بوجودِ الصّورِ؛ وفي هذه الحالات لا تكونُ الصّلاةُ مكروهةً، ومِنها: أن تكونَ الصّورةُ على شيءٍ يُستخدمُ أو يُمتَهَنُ، كأنْ تكونَ مُلقاةً على الأرضِ أو على سجادِ البيتِ، ومنه أيضاً أن يلبِسَ المُصلّي ثَوباً فيه صوراً لغيرِ ذواتِ الأرواحِ، فإنّهُ لا يُكرَه أيضاً، بِخلافِ ما لو أنّه لَبِسَ ثوباً عليه صوراً لذواتِ الأرواحِ، وسيأتي تفصيل ذلك في المبحث الأخير.
- رابعاً: اختلافُ مراتبِ الكراهةِ في وضعياتِ الصّورِ أمامَ المُصلّي؛ ومعناه أنّ لكراهةِ الصّلاةِ في مكانٍ فيه صورٌ مراتبُ عدّة، أشدُّها الصّلاةُ في مكانٍ تكونُ الصّورةُ فيه أمامَ المُصلّي تماماً، ثمّ يليها أنّ تكونَ فوقَ رأسهِ تماماً، ثمّ أنّ تكونَ عن يمينهِ، ثم عن شمالهِ، وآخرها أن تكونَ مِن خلفه عند من قال بالكراهة في هذه الحالة.
مسائل متعلقة بهذا بالصُّور وتأثيرها على الصّلاة
تعريف الصُّور أو التصاوير
التّصاويِرُ جمعٌ، ومُفرَدُه تصويرٌ، ويُقصَدُ به جَعْلُ الصّورةِ في شيءٍ من الأشياءِ أيّاً كانت وسيلتهُ، مَن رسمٍ أو تطريزٍ أو غيره، وقَد جاءَ الّلفظُ ذاته في حديثِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (لا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتًا فيه كَلْبٌ ولا تَصاوِيرُ)، والمقصودُ في الحديثِ جعلُ صورِ الحيواناتِ فِي الفراشِ أو الحائطِ، وقد ذَكَرَهُ الإمامُ ابنُ القيّمِ في توضيحهِ لمعنى الصّورِ الوارد في الحديث قائلاً: "الصور هي كل ما تصوّر من الحيوان"، ويَدْخُلُ فيها ما كانَ مِنها مَنصوباً أو لم يَكُن، سواءً كانت في الجدارِ أو في الفِراش، وقيلَ إنّ الصّورةَ هي الرّأسُ، فإذا وُضِعَتْ بِلا رأسٍ لَم تَكُنْ صورةً، أيّ لَم يَكُنْ في الصّلاةِ مع وجودها حَرَجٌ، فالحذر يكون مِن وجودِ الصّور التي يوجد الرأس فيها.
الحكمة في كراهة الصّلاة في مكان فيه صور
أقَرَّ الشّارِعُ الحكيمُ كَرَاهَةَ الصّلاةِ في مكانٍ فيه صورٌ لآثارٍ سلبيةٍ قَد تنتج عَن ذلكَ، فالصّورةُ إن كانت مَنصُوبَةً أمامَ المُصلّي وهو يَركَعُ ويَسجُدُ لَها قد يَبدو الأمرُ كما لو أنّ المُصلّي يَعبُدُها دونَ اللهِ -تعالى-، بالإضافة إلى أنّ النّظرَ إليها أثناءَ الصّلاةِ قد يُشَتِتُ تركيزَ المُصلّي عمّا يقرأ فيغيب بالُهُ في تفاصِيلها، ولِهذا وضعَ أكثر الفقهاءُ قيدَ الانشغال بها عن الصّلاة، إذ لا بأسَ بِها ما لم تشغلهُ عن صلاتهِ، أو إذا كانت ملقاةً على الأرضِ فتكونُ مِمّا يُداسُ ويُمتَهَنُ لا يُقَدّسُ أو يُعبَد.
الصّلاة في الثوب الذي عليه صورة
لَمّا تَحَدَثَ الفقهاءُ عن حُكمِ الصّلاةِ في مكانٍ فيهِ صورةٌ، تَحَدَّثوا كذلك عَن حُكمِ الصّلاةِ في ثوبٍ عليه صورة، ويَجدُرُ بالذّكرِ هنا أنّ أكثرَ الأحاديثِ جاءت عامةً لَم تُخَصِص الأثوابَ بشيءٍ خاص، ولكنّ حديثَ الخميصة الّتي أُهدِيَت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكفي في هذا الباب، فالخميصةُ -وهي كما ذُكِر سابقاً رداءٌ عليه صور وفيه خطوط زخارف ملونة-، وقد أعاده -صلى الله عليه وسلم- إلى من أهداه إياه لأنّه ألهاه عن صلاته، وبالتّالي ألحَقَ الفقهاءُ حُكمَ الثّوبِ الّذي عليه صورٌ بِحُكمِ الصّورةِ المنصوبة أمَامَ المُصلّي مِن حيثِ الكراهة.
والحنفيّةُ على كراهيته إذا كانتِ الصّورُ المنقوشة عليهِ من ذواتِ الأرواحِ فقط، فإذا أرادَ أحدُهُم أنْ يُصلّي في ثَوبٍ عليهِ صورةٌ؛ فعليهِ أن يُحاوِلَ إزالَتَها، فيغسِلها إن كانت قابِلةً لذلك، أو يَمحوها إذا استطاع، أو يُغطّي الرأسَ في الصّورةِ على الأقلِ بصبغةٍ أو ما شابه ذلك، وينطبقُ ذلكَ على كُلّ ما كانَ مِن شأنهِ أن يُشغِلَ المُصلّي عَن صلاتهِ.