حكم اكل لحم الحمار
الأطعمة في الإسلام
أمر الله تعالى عباده بأكل الطيّب من الطعام، ونهاهم عن أكل الخبائث منه؛ إذ إنّ أثر الطعام ينعكس على الأخلاق والسلوكيّات؛ فالطيب من الطعام يعكس آثاراً طيّبةً، والخبيث منها يعكس آثاراً خبيثةً، حيث قال الله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، والطعام يشمل ما يُؤكل وما يشرب على حدٍّ سواءٍ، كما جعل الله تعالى الأطعمة مباحةً إلا ما ورد دليلٌ يدلّ على التحريم، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنّ الأطعمة مباحةٌ في حقّ المسلم الذي يعمل الصالحات؛ لأنّه يستعين بها على طاعة الله تعالى، وبناءً على ذلك فلا يجوز الاستعانة في المباحات على فعل المعاصي ، فالله تعالى أباح لعباده الطيّبات، ولا يجوز تحريم أيٍّ منها إلا ما حرّمه الله تعالى على عباده، حيث لا يجوز إباحة ما حرّمه الله تعالى، ولا يجوز تحريم ما أباحه، وبيّن أهل العلم ما يحرم من الأطعمة بإرساء القواعد المجملة لها، وفصّلوا ذلك في أكثر من قاعدةٍ؛ فذهبوا إلى أنّ بعض الأطعمة حرّمت بالنصّ الشرعيّ، والنصّ الشرعيّ منه ما يكون عاماً، ومنه ما يكون خاصاً، ومن النصوص؛ ما ورد في النهي عن البيع والشراء ، مثل النهي عن بيع وشراء الكلب والهرّ، ونصّت قاعدةٌ أخرى في النهي عن قتل الحيوانات والحشرات والطيور.
حكم أكل لحم الحمار
يختلف حكم أكل لحم الحمار استناداً إلى نوعه؛ حيث يجوز أكل لحم الحمار الوحشي، ودليل ذلك؛ أنّ الصحابي أبا قتادة -رضي الله عنه- صاد مرةً حماراً وحشياً، وأخذ قطعةً منه إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأكلها الرسول وقال للصحابة رضي الله عنهم: (هو حلالٌ؛ فكلُوهُ)، بينما يحرم أكل لحم الحمار الأهلي، ودليل ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه، عن الصحابيّ جابر بن عبد الله، حيث قال: (نَهَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ خَيبَرَ عن لُحومِ الحُمُرِ، ورخَّصَ في لحومِ الخَيلِ)، وورد لفظ التحريم في صحيح مسلم ، في ما رواه عن الصحابي أبي ثعلبة الخشني، حيث قال عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (حرَّم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لحومَ الحُمُرِ الأهليةِ)، ونقل الإمام ابن قدامة تحريم أكل لحم الحمر الأهلية عن أكثر أهل العلم، وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: إنّ خمسة عشر صحابياً كرهوا لحم الحمر الأهلية، بينما قال الإمام ابن عبد البر: إنّ العلماء لم يختلفوا اليوم في تحريم لحم الحمر الأهلية.
وقال الشافعي -رحمه الله- عن الحديث الذي دلّ على تحريم الحمر الأهلية، أنّ فيه دلالتين؛ إحداهما: أنّ الحمار الوحشي يجوز أكل لحمه؛ إذ إنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- نصّ على تحريم الحمار الأهلي، ولم يذكر أنّ الحمار الوحشي محرّمٌ؛ ممّا يدلّ على أنّ لحمه يؤكل، وأصناف الحمر محصورةٌ في الأهلي والوحشي فقط، فما نُهي عنه فهو محرّمٌ، وما لم يتمّ ذكر صفته فهو مباحٌ، وقال الشافعي أيضاً: إنّ الحمر الوحشية تختلف عن الحمر الأهلية، وبناءً على ذلك؛ لو أنّ حماراً أهلياً أصبح وحشياً، لا يصبح جائزاً بل يبقى على أصل تحريمه، وكذلك لو أنّ حماراً وحشياً أصبح حماراً أهلياً جاز أكل لحمه؛ لأنّ الأصل أنّه جائزٌ؛ فيقى على أصله.
حكم شرب لبن الحمار
اختلف العلماء في حكم شرب لبن الحمار؛ إذ إنّ المعتمد في المذاهب الفقهية الأربعة؛ أنّ شربه حرامٌ من غير ضرورةٍ، حيث وردت في المذهب الحنفيّ والشافعي روايتان في ما يخصّ لبن الحمار، ولكنّ الصحيح منهما أنّه نجسٌ، فورد في كتاب فتح القدير الحنفي، أنّ لبن الحمار نجسٌ نجاسةً مغلظةً؛ لأنّه محرّمٌ بالإجماع، كما قال النووي في كتاب المجموع؛ أنّه ورد في لبن الحمار ثلاث رواياتٍ، والأصح فيهنّ أنّه نجس، وذهب المذهب المالكيّ إلى أنّ حكم شرب لبن الحيوانات تابعٌ لحكم لحمها، فإن كان اللحم محرّماً كان الحليب نجساً، وذلك الحكم ينطبق على الحمار، وقال الحنابلة بأنّ ما يخرج من غير مأكول اللحم يعدّ نجساً لا يجوز أكله أو شربه، كما لا يجوز التداوي من أيّ مرضٍ يكون علاجه بشرب لبن الحمار، إذ إنّه يحرم شرب لبن الحمار؛ لأنّه نجسٌ.
إنّ كلّ ما حرّمه الله تعالى على الأمة الإسلامية؛ حرّمه لأجل ضرره وخبثه، وحمايةً وصيانةً للناس؛ وبذلك فلا يتناسب أن يكون الشفاء والدواء فيما حرّم الله تعالى، وإن كان شفاءً للعلل والأمراض، إلا أنّه يُحدث أمراضاً أعظم في القلب؛ بسبب خبث المحرّم، فتُزال أمراض الأبدان بالمحرّمات؛ لتحلّ مكانها أمراض القلوب بانتهاك حرمات الله تعالى، حيث إنّ التحريم الذي أمر به الله تعالى، يقتضي الابتعاد عمّا حرّم وتجنّبه بكلّ الطرق، وإن اتُخذ المحرَّم دواءً للأمراض، يكون ذلك حضّاً على المحرّمات، وذلك يخالف أوامر الله تعالى، كما أنّ الله تعالى وصفه بأنّه داءٌ وليس دواء، فلا يجوز أن يُتخذ الداء دواءً، كما أنّه يُكسب النفس والروح صفة الخبث، حيث إنّ طبيعة النفس تتأثر تأثراً واضحاً بكيفية التداوي من الأمراض، فإن كان الدواء خبيثاً؛ فإنه يكسب النفس صفة الخبث، وذلك يزيد إن كان الخبث في ذات المحرّم، ولأجل ذلك حرّم الله تعالى كلّ ما هو خبيثٌ، سواءً أكان من الطعام أو الشراب أو اللباس.