حكم إسبال الثوب
حُكم إسبال الثوب
يُقصد بإسبال الثوب؛ إرخاؤه وإرساله إلى الأرض، فيُجرّ الثوب على الأرض؛ لطوله،وقد اتّفق الفقهاء على حُرمة إسبال الثياب بقصد الكِبر والخيلاء؛ وذلك لثبوت النّهي عنه في قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لم ينظُرِ اللهُ إليه يومَ القيامةِ)، أمّا إذا كان القصد من إسبال الثّوب غير التكبُّر والخيلاء، فقد تعدّدت أقوال الفُقهاء في حكمه، وبيان أقوالهم فيما يأتي.
القول الأول: جواز إسبال الثوب
أجاز جمهور أهل العلم ، إسبال الثوب إن لم يكن إسباله تكبرًا أو خُيلاء، وهو الراجح في المذاهب الأربعة، وروي أنّ أَبَا حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- كان قد ارْتَدَى رداءً ثمينًا، وكان الرداء يجرّ على الأرض، فَقِيلَ لَهُ: (أَوَلَسْنَا نُهِينَا عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ لِذَوِي الْخُيَلَاءِ وَلَسْنَا مِنْهُمْ).
واستدلَّ القائلون بجواز إسبال الثوب إن لم يُقصَد به التكبر والخيلاء؛ بأنّ النّصوص الواردة عن النهي عن إسبال الثياب، إنّما كانت محصورةً بقصد التكبر، فيكون التحريم مُقيَّدًا بمن أسبل ثوبه كِبرًا؛ فإن أسبله تكبُّرًا حرُم عليه ذلك إجماعًا، وإن أسبله لغير ذلك جاز، وقد صرَّح النبي بذلك عندما قال له أبو بكر: (إنَّ أحدَ شِقَّيْ ثوبي يَسْتَرْخِي، إلا أن أتعاهدَ ذلكَ منه؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنكَ لَنْ تَصْنَعَ ذلِكَ خُيَلاءً).
القول الثاني: كراهة إسبال الثوب
كره النوويّ من الشافعيّة، وابن عبد البرّ من المالكيّة إسبال الثوب، حيث قال النوويّ: (لا يجوز إسباله تحت الكعبين إن كان للخيلاء، فإن كان لغيرها فهو مكروهٌ، وظواهر الأحاديث في تقييدها بالجرّ خيلاء تدلّ على أنّ التحريم مخصوص بالخيلاء).
القول الثالث: تحريم إسبال الثوب
ذهب إلى تحريم إسبال الثوب بعض علماء المالكيّة كابن العربيّ، والقاضي عياض، والقرافي، والذهبي من الشافعيّة وهو مذهب الظاهريّة، وبه قال الصنعاني، ومذهب الظاهرية، وهو رأي فريقٍ من علماء العصر الحاضر، مثل: ابن عثيمين، وابن باز -رحمهم لله- وغيرهم.
وقد استدلَّ الفريق القائل بتحريم إسبال الثياب مطلقًا بعدّة أدلَّةٍ منها ما رواه الصحابيّ الجليل حُذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال حُذيفة: (أخذ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بعَضَلَةِ ساقِي أو ساقِهِ، فقال : هذا مَوْضِعُ الإزارِ، فإن أبيتَ فأسفلُ، فإن أبيتَ فلا حَقَّ للإزارِ في الكعبينِ).
ويظهر من بيان الأقوال السّابقة أنّ عُلماء المالكيّة يتفاوتون في القول بين الكراهة والتحريم؛ كما جاء في حاشية العدوي ما نصُّه: (الْحَاصِلُ أَنَّ النُّصُوصَ مُتَعَارِضَةٌ فِيمَا إذَا نَزَلَ عَنْ الْكَعْبَيْنِ بِدُونِ قَصْدِ الْكِبْرِ؛ فَمُفَادُ الْحَطَّابِ -من علماء المالكية- أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ بَلْ يُكْرَهُ، ومُفَادُ الذَّخِيرَةِ الْحُرْمَةُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ الْكَرَاهَةُ الشَّدِيدَةُ).
التكبّر والخيلاء
إنّ التكبّر والخُيلاء من الأخلاق المذمومة؛ فقد نهى الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز عن التكبُّر والخيلاء في القول والفعل، حيث قال تعالى في سورة لُقمان على لسانه: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) ، وقد نُهِي عن كلّ ما يُقصَد منه التكبُّر والخيلاء، وجاء في الحديث القدسيّ الذي يرويه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن ربّه: (الكبرياءُ رِدائي، والعظمةُ إِزاري، فمن نازعَني واحدًا منهما، قذفْتُه في النارِ) .
وإنّ الاستعلاء على الخلق والتكبُّر عليهم من الأمور المنهي عنها شرعًا، وقد حرّم الإسلام كلّ مظاهر التكبّر، ومن مظاهر التكبر والتعالي التي قد يمارسها بعض الناس؛ التّباهي بما جَمُل من الثياب، ومن ذلك ما كان يفعله أهل الجاهليّة؛ فقد كانوا يجرّون ثيابهم وراءهم للتّباهي بها، وإظهار الغِنى الفاحش؛ فنهى الإسلام عن فعل ذلك لمن يفعله كبرًا على الناس واستعلاءً عليهم.