حضارة بلاد الشام
حضارات بلاد الشام
تضمّ منطقة بلاد الشّام أو كما تُعرَف بسوريا القديمة كلاً من: الأردن، وفلسطين، وسوريا، ولبنان، وتمتدّ من سواحل البحر الأبيض المتوسط غرباً لتصل إلى الجزيرة السوريّة من الجهة الشرقيّة، والجدير بالذكر أنّ المنطقة كانت موطن الكثير من الحضارات عبر التاريخ، منها: الآراميّة، والفنيقيّة، والكنعانيّة، والأشوريّة، والأكادية، مشكلة بذلك حضارة بلاد الشّام.
أسباب نشوء الحضارة في بلاد الشام
تعدّدت الأسباب والمميّزات التي ساهمت بنشوء الحضارة في بلاد الشام، من أهمّها موقع بلاد الشام المتوسط بين دول الشرق الأوسط، والذي كان حلقة وصل بين العديد من الحضارات النهريّة أي الحضارات الواقعة على الأنهار، كحضارة الرافدين ، وحضارة وادي النيل، والحضارات البحريّة المارّة بالبحر الأبيض المتوسط، كالحضارة اليونانيّة، كما ساهمت الممرات الطبيعيّة في سوريا، والتي تتخطّى كلّ الطرق البريّة الواقعة ما بين البحر الأبيض المتوسط والخليج العربيّ بعبور العديد من الهجرات المُختلفة زمنيّاً، وقد أثّر كلّ ذلك على الحضارة وتاريخها، وعلى صعيدٍ آخر، لَعِبت طبيعة وجغرافيّة بلاد الشام دوراً أساسياً وسبباً لتعاقب الحضارات المُختلفة على أرضها، حيث امتازت بوجود العديد من البحيرات، والأنهار، والجبال، والسهول، والأشجار المتنوّعة، بالإضافة للينابيع والعيون المائيّة، فضلاً عن ذلك، تمتعت بلاد الشام بخصوبة وجودّة تربتها، والذي أدّى بدوره إلى وفرة الإنتاج الزراعيّ.
أهم حضارات بلاد الشام
تعاقبت على بلاد الشام العديد من الحضارات، وهي كما يأتي:
الآموريون
يتألّف الآموريون أو ما يُعرف بالعموريون من مجموعة من الشعوب السامية الغربية التي هاجرت بوقتٍ مبكّرٍ من شبه الجزيرة العربية، ويقال إنّ سكان العراق القدامى من السومريين والأكديين هم أوّل من أطلق عليهم اسم الآموريون، وهي مُشتقّة من كلمة "أمورو" (عمورو) في اللغة الأكدية السامية، وكلمة "مار – تو" في اللغة السومرية، واللتان تُشيران إلى جهة الغرب، وقد تمركزوا بدايةً في الأقسام الشماليّة من بلاد الشام، وبعدها بدأوا بالانتشار والامتداد إلى سوريا، ولبنان، وفلسطين، وممّا يُذكَر أن أصل كلمة "لبنان" يعود إلى الآموريين، والأمر نفسه في "صيدون" و"عسقلان". أنشا الآموريون في بلاد الشام العديد من الإمارات المهمة كإمارة ماري (تل الحريري)، وقَطَنة، وأرواد، وحماة، ودمشق، وجبيل، والبترون، وهداكو (حلب)، ووفقاً للعديد من الوثائق التاريخية فقد تمّ فرض السيطرة على المنطقة الواقعة بين مرتفعات عيلام والبحر الأبيض المتوسط من قِبل الأُمراء الآموريين عام 1800 ق.م، ويشار إلى أنّ آخر ملوك ماري قُضيَ على مملكته من قِبل الملك حمورابي ، وذلك وفقاً لما هو موجود في وثائق (ماري) التي تتضمن أكثر من 20000 لوح مسماريّ مكتوب باللغتين الآمورية واللغة السامية الغربية، والألواح المحفوظة (زمري ليم) التي تعود في تاريخها إلى (1730 إلى 1700) ق.م.
وقد عايشت الحضارة الآمورية العديد من الثقافات الحضارية؛ وذلك بسب انتشارهم في العديد من الأماكن المتباعدة، وعموماً كانت طبيعة الحياة البدوية بما فيها تربية المواشي والأغنام هي التي تغلب عليها قبل الاستقرار، وكانت الحمير هي الوسيلة الرئيسيّة لحمل الأمتعة والتنقُّل من مكانٍ لآخر، بخلاف الشعوب البدوية الأخرى التي كانت تعتمد على الجمال، ومن ناحية أخرى تميّز الآموريون بالفخار وصُنع أدوات الزينة التي تختلف عن فخار وأدوات باقي الشعوب، واشتهروا بالصيد، واستخدامهم للأسلحة الحديثة، كما عُرِفوا بالتشريع، والذيّ يدل على فهمهم لجوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتُعد شريعة حمورابي الشهيرة أهمّ الأمثلة المشهورة على التشريعات لديهم.
الكنعانيون
يُعدّ الكنعانيون الجماعة السامية الثانية التي استوطنت بلاد الشام، وسُمّي الكنعانيون بهذا الاسم نسبةً إلى جدّهم (كنعان)، وذلك تماشياً مع عادات القبائل العربية التي كانت تعتمد في تسمياتها على أسماء أبائهم، ويذكر البعض أنّ اسم بلاد كنعان يُشير إلى الأراضي السهلية الواقعة على ساحل الخليج العربي، ويرى آخرون أنّ اسم كنعان مُشتقّ من أصولٍ سامية، هي (خنع، قنع، كنع) والتي تدل على الأراضي المنخفضة بالرجوع إلى أصل الكلمة العربي، والجدير بالذكر أنّ الكنعانيين يتحدّثون لغةً مشابهة للغة الشعب الآرامي، وينتسبون إلى موجة هجرة واحدة، فقد هاجر كلٍّ منهماً معاً عام 2500 ق.م إلّا أنّ الكنعانيين استوطنوا في سوريا الجنوبية، وهم أول الشعوب التاريخية المعروفة التي سكنت تلك المناطق.
يعتبر الكنعانيون أول الشعوب التي بنت حضارةً على أرض فلسطين، كما يرجع إليهم الفضل في تأسيس العديد من الممالك، مثل: طرطوس، وصور، وصيدون، وحبرون، ويبوس، ومدين، وعكو، وبيسان، وعمون، وبيروت، ولا بد من الإشارة إلى كونهم أكثر الشعوب السامية اهتماماً بالفن والموسيقى، إلى جانب الزراعة والعديد من الصناعات، كصناعة الخزف، والنسيج، والثياب، والزجاج، والتعدين، وفن العمارة.
الفنيقيون
يرجع الفنيقيون في أصولهم إلى نفس القبيلة التي جاء منها الأمورييون، ويُذكر أنهم استقروا بعد هجرتهم من شبه الجزيرة العربية في بلاد الشام مع نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد، بينما يرى المؤرّخ الإغريقي هيرودوت أنّهم جاءوا من منطقة البحر الأحمر. وقد استقرّ الفينيقيون على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، حيث يمتد موطنهم من جهة الشمال عند مصب نهر العاصي إلى نهر بيلوس (نهر عكا) جنوباً في فلسطين، ويحدهم من الشرق سلسلة جبال لبنان وجبال اللاذقية.
يوجد العديد من الآراء حول سبب تسمية الفنيقيين بهذا الاسم، فيرى بعض المؤرخين أنّ كلمة فينيقا تعود في أصلها إلى كلمة (Phoinix) اليونانية، والتي تدلّ على اللون الأرجواني، الذي اشتُهرت به المنطقة بسبب صناعة الأصباغ، والبعض يرى أنّها تُشير إلى طائر الفينيق الأحمر، وهناك من يرى أنّ الاسم مشتَق من الكلمة اليونانية (فينقس) التي تعني شجرة النخيل المتواجدة بكثرة في أراضي فينيقيا.
عُرِف الفينيقيون بصيد السمك، وبالعديد من الصناعات، كصناعة الأقمشة الصوفية ذات اللون الأرجواني، وبسبب توفر الرمل الناعم كثرت صناعة الزجاج، كما اشتُهروا بالتجارة، وقد ساعد موقعها الجغرافي بجوار سواحل البحر المتوسط على ذلك، فكان موقعها بمثابة حلقة وصل بين مناطق العالم القديم ، لوقوعه على الطريق التجاري الذي يربط بين كلٍّ من مصر والأناضول، والطريق الذي يربط بين بحر إيجة وبلاد الرافدين، هذا إلى جانب ازدهار تجارة الأخشاب، بسبب توفّر أشجار السرو، والصنوبر، والأرز المناسبة لصناعة السفن.
الآراميون
يُعدّ الآراميون الجماعة السامية الثالثة التي استوطنت بلاد الشام، وهم قبائل بدوية هاجرت من إحدى مناطق الصحراء السورية العربية، وانتشروا في بلاد ما بين النهرين، وبعدها استقرّوا في حرّان، ومع بداية القرن 14 ق.م هاجروا إلى بلاد الشام، وأسّسوا العديد من الممالك في المنطقة.
أطلق الأشوريون اسم أرومو وأرامو على سكان بلاد آرام، ويعود اسم أرام في تاريخه إلى عام 2250 ق.م إلى عهد نارام سين، ويُعتقَد أنّ جد الآراميين هو آرام خامس أبناء سام بن نوح، وأنّ اسم الآرميين يعود إليه. وقد اشتُهِر الآراميون بالتجارة، حتى أنّهم احتكروا تجارة الهلال الخصيب الداخلية لفترة زمنية طويلة، ويُعدُّ الكتّان والعاج الأفريقي، والأرجوان الفينيقي، ولؤلؤ الخليج العربي أشهر تجاراتها، والجدير بالذكر أن الموازين البرونزية الخاصّة بهم ولا زالت موجودة في لبنان، وفلسطين، وسورية، والعراق، والتي تعدّ شاهداً على تاريخهم التجاريّ.