حدود الدولة العثمانية
حدود الدولة العثمانية
ظهرت الدولة العثمانية في نهاية العصور الوسطى على حدود العالم الإسلامي مع أوروبا ، نهضت واتسعت في آسيا الصغرى لتصبح قوة عظيمة من القوى الموجودة آنذاك، وأصبحت للدولة العثمانية قيمة كبيرة بين موازين القوى الكبرى. ثم امتدت إلى جنوب أوروبا والشرق الأدنى القديم، وفي منتصف القرن الخامس عشر الميلادي كانت الدولة العثمانية قد امتدت لتشمل مناطق عدة من البلقان واليونان، وخلال الفترة 1516-1517م سيطرت الدولة العثمانية على سوريا ومصر وفلسطين، بالإضافة إلى السيطرة على معظم أراضي المجر في عام 1526م، ثم العراق في عام 1530م، وقد وصلت الدولة العثمانية إلى أقصى رقعة اتساعٍ لها بحلول منتصف القرن السادس عشر الميلادي فاستولى العثمانيون على شبه الجزيرة العربية، وأغلب دول شمال أفريقيا، بالإضافة إلى العديد من جزر البحر الأبيض المتوسط ، وبدأ التوسع العثماني بالتوقف في 1683م عندما فشل في السيطرة على فيينا، وفقد العثمانيون لبودابست بعد ثلاثة أعوام من ذلك.
ثم بدأ الضعف يدب في الدولة العثمانية بالتزامن مع توسع روسيا في الشمال، وظهور الدولة الصفوية والتي كانت على عداء تام مع الدولة العثمانية، وظهور دول أخرى على الساحة كالبرتغال وإسبانيا، وإنجلترا وفرنسا اللتين ناوشتا الدولة العثمانية باستيلائهما على بعضٍ من الأراضي العثمانية وأجزاء عديدة من العالم الإسلامي ، وسقطت الخلافة العثمانية وانتهت تماماً بحدوث الحرب العالمية الأولى، والتي أسفرت عن استقلال الدول التي كانت تابعة لها، وسنتحدث في هذه المقالة باختصار عن مراحل توسع الدولة العثمانية.
نشأة الدولة العثمانية وتاريخها
العثمانيون هم مجموعة من القبائل التركية، ويعود أصلهم إلى جدهم الأعلى سليمان شاه، والذي ينتمي إلى عشيرة قابي ألب، وبعد وفاة سليمان شاه انقسمت أسرته إلى جزأين، عاد الجزء الأول إلى بلادهم، أما القسم الثاني فقد سار بقيادة مؤسس الدولة العثمانية في الأناضول وهو أرطغرل، ومساعده علاء الدين والذي أعطاه القائد سهول سكوت من غرب الأناضول، والمنحدرات الشرقية من جبال طوماتج الواقعة على حدود الدولة البيزنطية كمكافأة له، وفي عام 1288م توفي أرطغرل وتسلم القيادة من بعده ابنه عثمان وكانت أولى إنجازاته أنه فتح قلعة قره حصار في عام 1289م، الأمر الذي دعا السلطان علاء الدين لمنحه لقب بيك وإعطائه جميع الأراضي والقلاع التي استطاع الاستيلاء عليها، وأعطاه امتيازات عديدة من ضمنها أنه سمح له بسك العملة باسمه كما كان يذكر اسمه وإنجازاته في خطبة الجمعة.
وبعد وفاة السلطان علاء الدين اجتمع رؤساء القبائل واتفقوا على منح عثمان الخلافة، إذ قام عثمان بتحصين مدينته ووسع إمبراطوريته تدريجياً ابتداءً من مدينة نيقيا ليصل إلى الأراضي البيزنطية في الأناضول، ومن مواجهات عثمان مع البيزنطيين حدوث معركة في عام 1301م في منطقة قرين حصار، والتي أسفرت عن سقوط البيزنطيين وفوز العثمانيين وسيطرتهم على العديد من المناطق، ومن المدن التي سيطر عليها عثمان مدينة بورصة في عام 1329م، ومدينة نيقيا في عام 1331م، ثم سيطر على مدينة نيقوميديا في عام 1337م، أما المؤسس الفعلي للدولة العثمانية والذي سن القوانين ووضع الدستور ونظم الدولة على مختلف الأصعدة السياسية والإدارية والاقتصادية وقسّم السلطات فيها فهو السلطان أورخان، والذي حكم في الفترة 1326-1359م.
وتوالى السلاطين على الدولة العثمانية ، فعندما تولى السلطان مراد الأول الحكم كان العثمانيون قد استقروا متخذين حصن غالييولي مقراً لعملياتهم الحربية، وسيطر السلطان مراد الأول على البلقان، وتراقيا، ومقدونيا، وأصبحت أدرنة عاصمة الدولة العثمانية، وفي عام 1389م حدثت معركة قوصوه الشهيرة، وبعدها اتسعت حدود الإمبراطورية العثمانية لتشمل أنقرة وأراضي كبيرة أخرى، أما عندما تسلم بايزيد الأول الحكم عمد إلى تثبيت قواعده في الأناضول والبلقان، إلّا أنه هُزم من تيمورلنك في معركة أنقرة، وكانت هذه الهزيمة في 1402م وأسفرت عن وقوع بايزيد الأول أسيراً في يد تيمورلنك، وعلى إثرها احتل تيمورلنك الجزء الآسيوي من الدولة العثمانية، ثم استلم الحكم السلطان محمد الأول، وخلفه من بعده ابنه مراد الثاني والذي نجح بإعادة الإمبراطورية العثمانية إلى ما كانت عليه، وتابع حربه ضد أوروبا، وسار على عهده من بعده السلطان محمد الثاني الحامل للقب محمد الفاتح، لتصل الدولة العثمانية أوج ازدهارها، وليتم القضاء على الدولة البيزنطية للأبد، وقد تم في عهده فتح القسطنطينية عام 1435م.
امتداد الدولة العثمانية في الوطن العربي
في عهد السلطان سليم الأول في الفترة 1512-1520م، اتجهت الدولة العثمانية إلى الوطن العربي بعد توقفها عن السير نحو أوروبا، وقد حدثت خلافات عديدة بين المماليك والعثمانيين للاستيلاء على الإمارات الحدودية، وخاصة إمارة ذي القدر، وانتهت الخلافات بسيطرة المماليك والصفويين عليها وهزيمة العثمانيين.
السيطرة العثمانية على بلاد الشام
انتزعت الدولة المملوكية السلطة من الأيوبيين في القرن الثالث عشر وحكمت الشام، ومصر، واليمن، والحجاز، وبعد أن تراجعت الأحوال السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية للدولة المملوكية بسبب تحوّل طريق التجارة من الشرق إلى رأس الرجاء الصالح، أصبح لزاماً عليها أن تفرض ضرائب كثيرة على الشعب، الأمر الذي أدى إلى استيائه، كما تراجعت أنظمة الدولة الإدارية والعسكرية، في الوقت الذي تطورت فيه أنظمة العثمانيين العسكرية والإدارية، وحدثت المواجهة في سوريا بالقرب من حلب بين الدولة العثمانية بقيادة سليم الأول، والدولة المملوكية بقيادة قانصوه الغوري، في معركة مرج دابق عام 1516م، وانتصر فيها العثمانيون كما قُتل قانصوه، وانسحبت القوات المملوكية بذلك من سوريا إلى مصر، وامتد نفوذ الدولة العثمانية على الجزء الجنوبي من سوريا، وقُسمت بلاد الشام إلى جزأين هما الجزء الشمالي من دمشق بإدارة حاكم حلب، والجزء الجنوبي بإدارة حاكم دمشق.
السيطرة العثمانية على مصر والحجاز واليمن
أما سيطرة العثمانيين على مصر، واليمن، والحجاز، فقد تمت بعرض السلطان سليم الأول على حاكم المماليك الجديد طومان باي والذي تم انتخابه في مصر بأن يبقى حاكم مصر مقابل أن يخضع لسيطرة الدولة العثمانية ويعترف بها، إلّا أنه رفض، وقام المماليك من جديد لمواجهة العثمانيون إلّا أنهم فشلوا، فقد سيطر العثمانيون على مدينة غزة، ووصلوا إلى الدلتا، ثم حدثت مواجهة كبرى بين الطرفين على مشارف مدينة القاهرة في عام 1517م أدت إلى انتصار العثمانيين على المماليك، ودخولهم مصر، ليعلنوا نهاية دولة المماليك والتي استمر حكمها من 1250م إلى 1517م، أما الحجاز فقد خضعت للدولة العثمانية بعد أن أعلن شريف مكة زين الدين بركات ولاءه للسلطان العثماني سليم الأول الذي منحه الأمان، وسلّمه مفاتيح الكعبة الشريفة، ليُعلَن بذلك السلطان سليم الأول خادم الحرمين الشريفين بشكل رسمي.
أما اليمن فقد امتدت الدولة العثمانية إليها عن طريق وصول وفد يمني إلى القاهرة بعد سيطرة العثمانيين عليها لتقديم الولاء للسلطان سليم الأول، وقد كان العثمانيون يعتمدون على موقع اليمن الاستراتيجي لحماية الأماكن المقدسة في الحجاز، والسيطرة على البحر الأحمر وبحر العرب، وفي عام 1538م، نظّم سليمان باشا حملة تهدف إلى ضم اليمن إليها قبل أن يسبقهم إلى ذلك البرتغاليون، وبذلك سيطرت الدولة العثمانية على اليمن بضم عدن، وإغلاق مضيق باب المندب؛ لمنع وصول الأساطيل الأجنبية إلى اليمن.
السيطرة العثمانية على العراق
في عام 1534م قاد السلطان سليمان القانوني حملته على بغداد التي حكمتها الدولة الصفوية منذ القرن السادس عشر، وقد كان السلطان سليم الأول يسيطر على منطقة شمال العراق، الأمر الذي جعل سليمان القانوني يخطط لغزو الصفويين، وبذلك خاض الحرب ضد بلاد فارس، وانتصر عليهم ليصل إلى تبريز عاصمة الدولة الصفوية، ويدخلها دون مقاومة من أهلها، ثم تقدم سليمان القانوني إلى إيران، ومنها اتجه إلى بغداد، ودخلها دون قتال بسبب هرب حاكمها الفارسي منها، وعندها قدّم شيخ العشائر فيها ولاءه للسلطان والذي أبقاه والياً على البصرة يتلقى أوامره منه، وضم العثمانيون البصرة بشكلِ رسميّ وواصلوا زحفهم نحو السواحل الشمالية للخليج العربي، وتطور العراق في عهد السلطان سليمان القانوني حيث قام بإصلاحات كبيرة في الزراعة والرّي، وأنشأ المدارس، وعمد إلى تطبيق نظام عسكري إقطاعي، وأصبح العراق في عهده مقسَّماً إلى خمس ولايات هي بغداد، والموصل، والبصرة، والأحساء، وشهروز.
الفتوحات العثمانية في أوروبا
خاضت أوروبا حروباً عديدةً ضد المسلمين منذ القدم، حيث حاولت دولة الرّوم القضاء على الدولة الإسلامية، كما اجتازت الحروب الصليبية المشرق العربي انتهاءً بسقوط الأندلس بأيدي الإسبان، غير أن المسلمين غلبوهم في أكثر من عصر، ومنها حين ظهرت الدولة العثمانية وانتصرت على أوروبا فيما بقي من آسيا، كما انضمت الصّرب والبلغار إلى الدولة العثمانية، ثم امتدت حدودها إلى نهر الدانوب.
وفي الوقت ذاته الذي انشغل العثمانيون فيه بضم شرقي أوروبا إذ استطاعت الجيوش العثمانية الأخرى السيطرة على بقية الإمارات الصغيرة في الأناضول والمتبقية من عهد السلاجقة، إلّا أن القوى الأوروبية تجرأت بعد حين على مواجهة الدولة العثمانية وكان على رأسها ملك المجر، كما كان تيمور لنك يستعد أيضاً لمواجهة العثمانيين، وبذلك تكون القوى الأوروبية قد اجتمعت من المشرق والمغرب لقتال الدولة العثمانية، ونجم عن اجتماع دول أوروبا حشد 120,000 جندي بالقرب من نهر الدانوب في بلغاريا، إلّا أن السلطان بايزيد الأول هزمهم هزيمةً نكراء، ووقع قادتهم أسرى في يديه، ونتيجة لذلك امتدت الدولة العثمانية من نهر الفرات شرقاً إلى نهر الدانوب غرباً، ثم حاصر العثمانيون القسطنطينية حتى آلت للسقوط في أيديهم إلّا أن الأحداث انقلبت عندما داهمهم تيمور لنك المغولي من الشرق، الأمر الذي اضطر السلطان بايزيد الأول إلى إتمام عقد الصلح مع أهلها شرط التزامهم بدفع الجزية وبناء مسجدٍ للمسلمين فيها.
حكم تيمور لنك التتار في أواسط آسيا، وفي بلاد الفرس، ووسع مملكته لتشمل بلاد الأفغان، والهند، وجورجيا، وكردستان، وأرمينيا، ووصل إلى حلب ودمشق، وسهول أنقرة، وهناك تواجه مع السلطان بايزيد إلّا أن الهجوم التتري ألحق به الهزيمة بعد قتال عنيف واستبسال كبير، إلى أن وقع أسيراً ومات ودفن بجوار أبيه، وفقد العثمانيون بعدها غالبية قوتهم العسكرية، وهنا يكون التوسع العثماني قد توقف، وامتص العثمانيون هزيمتهم وشرعوا في بناء قوتهم من جديد، وعندما توفي تيمور لنك استطاع السلطان محمد الأول بن بايزيد أن يتغلب على مختلف العوائق، ويسترجع كل ما فقده العثمانيون، وسيطر على بلغاريا وصربيا من جديد، وأصبحت أدرنة عاصمة الدولة العثمانية ، وواصل من بعده ابنه مراد الثاني توحيد دولة العثمانيين، وبنى جيشاً واقتصاداً قويَّين، وفي عهد السلطان محمد الثاني فتحت القسطنيطينة عام 1453م ولُقب بعدها بمحمد الفاتح.